من الآفات الموجودة عند الإنسان إنه يعتبر التعاون بمثابة التنازل للآخر، فلماذا أتعاون معك ولماذا أتنازل لك؟، فأنا أفضل منك، لكن هذا الشعور والتصرف بالنتيجة عبارة عن هلوسات يختزنها الإنسان في أعماقه، فتتحول إلى أمراض أو إلى وباء شديد الخطورة يؤدي إلى النزاعات والأزمات وإلى التباغض والتحاسد...
(طلب التعاون على إقامة الحق ديانة وأمانة)
قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة 2.
في المقال السابق تناولنا مفهوم التعاون، وأنماط التعاون، وما هي المكتسبات التي يحققها الفرد إذا ما تعاون مع مجتمعه، وفي هذا المقال سوف نتطرق إلى ماهيّة فلسفة التعاون في البناء الاجتماعي.
خُلِق الإنسانُ كائنا اجتماعيا، وهذا من غايات ابتلاء الإنسان في أن يعيش مع الآخرين، فهو بحاجة إلى الآخرين في مجتمع كل فرد فيه هو جزء من هذا المجتمع، يتكامل مع الآخرين، لذلك فإن هذا المجتمع الذي يحتوي هؤلاء الأفراد، أما أن يتعاون فيما بينه لتحقيق الخير والسلام والاستقرار، وأما أن لا يتعاون، وحينئذ فإنه سيدخل في صراعات ونزاعات وعداوات، هذا ما نستكشفه من هذه الآية القرآنية وما نراه في الحياة بشكل عملي.
لذلك تؤكد هذه الآية الكريمة على أنه إذا أردتم الخير والبرّ والسلام فلابد أن تتعاونوا، وجوهر التعاون هو التقوى، والتقوى هو الجهاز المناعي الذي يحقق للإنسان الحصانة والمناعة من الدخول في نزاعات وصراعات، فالتقوى هي طريق للسلام، طريق للنجاح، طريق لصناعة الحياة، فما هي الفلسفة التي يقوم عليها التعاون في تحقيق الغايات الاجتماعية؟
هناك عدة نقاط يمكن أن نستكشفها من خلال الآية القرآنية، ومن خلال سيرة أهل البيت (عليهم السلام) وأحاديثهم.
أولا: بناء الجسد الاجتماعي
إن المجتمع عبارة عن جسد متكامل، حيث يتكامل أفراده فيما بينهم، وإن أحدهم يكمّل الآخر ويعتمد على الآخر في عملية تشكيله وبنائه، ولا يمكن لأي فرد من الأفراد، أو لأي جماعة من الجماعات داخل المجتمع أن تكون منعزلة، ومنفردة في جانب خاص بها، وإلا ما الذي سوف يحصل، سوف يؤدي ذلك إلى عملية تصارع شديد، وعملية تفتيت وانشطار المجتمع، وإلى انقسامات شديدة.
فالمجتمع كجسد الإنسان، هذا الجسد فيه قلب و رئة و كبد و مخ و عيون، وفيه جهاز عصبي كامل، وكل عضو من هذه الأعضاء لا يمكن أن يعمل لوحده، لابد أن يتعاون مع الأعضاء الأخرى، فإذا سقط عضو من الأعضاء تداعى له باقي الجسد.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (المسلمون كالرجل الواحد إذا اشتكى عضو من أعضائه تداعى له سائر جسده)، فإذا أردتَ أن تحمي هذا الجسد من التفتت، فلابد أن تتعاون جميع أعضاء الجسم فيما بينها، وحماية صحة الجسد من خلال تكاملية الاعضاء، وضمان الصحة النفسية والاجتماعية، وتحقيق الاستقرار والسلام في المجتمع.
ولتأكيد هذه القضية، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (رحم الله والدا أعان ولده على بره، رحم الله جارا أعان جاره على بره، رحم الله رفيقا أعان رفيقه على بره، رحم الله خليطا أعان خليطه على بره، رحم الله رجلا أعان سلطانه على بره).
إن الجسد الاجتماعي قد يكون أكثر أهمية من جسد الإنسان، نحن اليوم نعيش أمراضا خطيرة في داخل المجتمع، فالسقم أو المرض الاجتماعي يؤدي إلى السقم الفردي، وسبب السقم الاجتماعي هو تداعي هذا المجتمع، وانشطاره، وتفكّكه إلى جهات متصارعة ومتضادة. لذلك أحد أعمدة فلسفة التعاون هو بناء الجسد الاجتماعي.
ثانيا: استقامة العدل والإنصاف
من فلسفة التعاون استقامة العدل والإنصاف، لأنه إذا لم يكن هناك تعاون برز الإثم والعدوان كما ذكرنا، ولكن بالتعاون يستقيم العدل والانصاف، ويحدث بالنتيجة الانسجام الاجتماعي وإنجاز حقوق الناس وحمايتها، وعدم ظلم الناس بعضها بعضا، سواء كانوا أفرادا أو جماعات.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (طلب التعاون على إقامة الحق ديانة وأمانة)، الديانة تعني الدين، والدين هو التعاون، والتعاون هو الدين، فبالتعاون يتحقق الحق، وتتحقق الثقة الاجتماعية، وتتحقق الأمانة، وإلا فمن أين ينشأ النفاق والخيانة؟، ينشأ من عدم الثقة، ومن الانشطار الاجتماعي، والانقسام الاجتماعي، الانقسام وعدم التعاون والاستفراد والاستئثار في المجتمع يؤدي إلى نشوء أمراض النفاق والخيانة والكذب والعنف.
في مقابل الأمانة تكون الخيانة، والأمانة في الآية (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون 8، هي العهد الذي تعاهد فيه الإنسان مع الله سبحانه وتعالى، على أن يعمل بفطرته، ويعمل بطاعة الله سبحانه وتعالى، لذلك هذه أمانة وعدم الالتزام بها خيانة.
كذلك الأمانة بين الناس، الإنسان يعيش مستأمنا في مجتمعه، فكل شخص منّا هو مستأمن في المجتمع، بمعنى عليه أمانة بأن يؤدي حقوق المجتمع، فكل شخص مكلّف ومسؤول فهو أمين في هذا المجتمع. (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء34.
عن الإمام علي (عليه السلام) يقول: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ وَكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ)، فلابد أن يكون الإنسان متعاونا على تحقيق الحق، لأن تحقيق الحق هو تحقيق للعدل والإنصاف، وإلا فإننا نلاحظ الظلم المنتشر اليوم في المجتمع سببه عدم وجود التعاون وتحكم الاستبداد الذي يحاول أن يحطم التعاون والتشارك فيما بين الناس.
ثالثا: تحقيق النظام والانضباط وعدم الانفلات
إن النظام الاجتماعي كلّه قائم على التعاون فيما بين الناس، فالأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، كل هذه الأنواع من الأمن تتحقق من خلال التعاون بين الناس على حماية المجتمع، فإذا كل فرد ينعزل ويجلس في بيته ويغلق بابه عليه، ويعمل بحسب مزاجه، هذا يعني أن المجتمع سوف يكون خاضعا كله للفوضى والانفلات، ويصبح كل شخص لديه قانون بحد ذاته لنفسه، وهكذا سوف يسود قانون الغاب المتوحش.
إن سبب الفوضى هو الانفلات، وسبب الانفلات هو التوحش الذي تطرقنا إليه في مقالات سابقة، التوحش يعني استفراد الانسان بنفسه، وعدم استئناسه بالآخرين، أما التعاون فهو الدخول في عملية التآلف البشري، النظام الاجتماعي هو الانضباط والالتزام، فإذا أردت أن تربي فردا على النظام، على الالتزام وعلى الاحترام، فربِّهِ على التعاون. لأن التعاون يقود الإنسان نحو مبادرة شخصية ذاتية لحماية الخير والنظام العام.
رابعا: بناء السلم الاجتماعي
السلم يأتي من خلال التآلف والتفاهم والتحاور، ويأتي بالخصوص من خلال التعاون، وهذا ما استنبطناه من الآية القرآنية (وتعاونوا على البرّ والتقوى)، في مقابل (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). والعدوان في مقابل في مقابل السلم والسلام.
العدوان يعني الظلم والاعتداء والفوضى، كل هذه المضامين السيئة تدخل في دائرة العدوان، فالعلاج الأساسي للحرب الاجتماعية أو الحرب الأهلية، وحتى الحروب الدولية، هو من خلال التعاون فهو الذي يحقق ويحتوي كل هذه المشكلات والأزمات.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، فإذا كنت مسالما بلسانك ويدك، فهذا هو المسلم. وتقوى المسلم هي أن يسلم المسلمون من لسانه ويده، إنهما شرطان بسيطان جدا (اللسان واليد) في تحقيق عملية بناء السلم، حيث أساس انبثاق المسلم من الإسلام هو السلم، وليس أن يكون عدوانيا عنيفا، فيكون مسلما بحق من خلال التسالم مع الآخرين وأن يتجنب الخوض بلسانه ويده وأفعاله ضد الآخرين.
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم): (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يشتمه)، بالطبع كل هذا بناء السلم الاجتماعي، والسلم اللفظي، والسلم المعنوي، وتحقيق الغايات والأهداف الاجتماعية يحتاج إلى تعاون، ويتم ذلك من خلال مناهج أخلاقية وتربوية، يتعلم فيها الإنسان كيف يتعامل مع الآخرين، كيف يتسالم مع الآخرين، كيف يتكلم مع الآخرين، وكيف يتفاهم في حل مشكلاته مع الآخرين، وكيف يتحاور مع الآخرين. ويتعلم طريق الحياة الصالحة عبر تعلم التعاون الذي يؤدي إلى البر والتقوى ويقف جدارا حصينا أمام الإثم والعدوان والتحطم الاجتماعي.
(يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون) الحشر 59.
خامسا: احتواء النزاعات والصراعات
عندما نلاحظ اليوم كفتيّ السلم والعدوان الذي يشمل النزاع والصراع والحروب، فأيّ الكفتين هي الأرجح؟، الجواب العدوان، وأرجح بتفاوت وفارق كبير جدا، بحيث أصبح السلم حلما مثاليا في الحياة، لقد قرأت في أحد الكتب إذا تم حساب مدة السلام عبر التاريخ لا تتجاوز عدة سنوات، وما تبقى كله حروب وصراعات ونزاعات واستنزاف كبير.
فما هي هذه الحياة التي نعيشها؟، ولماذا كل هذه الصراعات وعلى ماذا؟، المشكلة بالمدخلية في فهم الأمور، لماذا نتنازع، لماذا لا نتعاون، لماذا لا نبني جسورا من الثقة مع الآخر، وبالنتيجة نبني جسرا للتواصل مع الآخرين، حتى لا نقع في النزاعات والصراعات والمشكلات، علينا أن نعيش الحياة بهناء وجمال، بلذة طيبة.
التعاون طريق النجاح
يقول القرآن الكريم: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال46، التنازع هو الفشل الذي نراه اليوم في العالم وفي المجتمعات الإنسانية وفي التاريخ، وفي النظام العالمي وفي كل الدول، وسببه هو التنازع، وهذا هو الفشل وليس النجاح، فإلى أي مدى يستطيع الإنسان أن يحقق النجاح في حياته إذا لم يكن هناك تعاون؟، التعاون طريق النجاح والتنازع طريق الفشل.
هذه نقطة مهمة يجب الانتباه لها وإلا سوف يخسر الإنسان، لأن التنازع يؤدي إلى الخسارة والفشل، بحسب تأكيد الآية القرآنية.
نلاحظ انحراف المجتمعات والذهاب نحو الصراعات، وقادة العالم اليوم يتذمرون من كثرة النزاعات والمشكلات، فلماذا لا يستطيع أفراد المجتمع والناس الخبراء والعقلاء والقيادات أن يقودوا المجتمع نحو حل مشكلاته وأزماته التي هي في كثير من الأحيان، تعد أزمات خطيرة ومؤذية مثل بطالة الشباب والاحتباس الحراري؟، السبب في ذلك غياب قيمة التعاون، وغياب الحركة التشاركية والوعي التعاوني الذي يقود إلى عملية إشراك الجميع في الحلول.
لا يمكن أن تحقّق حلا نظريا ما لم يشارك فيه الجميع، لأن الأمر يصبح بلا معنى ولا جدوى عندما لا يكون هناك وعي تعقّلي تعاوني، وإدراك تعاوني، لأهمية التعاون في الحياة.
لذلك تتصاعد المفاهيم الخطيرة النابعة من العدوان والعنف، كالاستبداد والأنانية وظهور الحسد والبغض والكراهية والنفاق، كل هذه الأشياء نتيجة لانتشار الطاقات السلبية في المجتمع لعدم وجود التعاون.
لاحظ الآية القرآنية، حيث تقول إذا لم يكن هناك تعاون فيما بينكم على البر والخير والتقوى، سوف يكون هناك تعاون على العدوان والكراهية والحقد والمعاصي والذنوب، لاحظ كيف تتكون هذه المعادلة، هذا ما على الخبراء والعقلاء أن يتنبّهوا له، ويبادروا بحل المشكلات.
التعاون على المشاركة الجمعية
أولئك يريدون أن يحلوا المشكلات على طريقة تفكيرهم، وليس وفق التفكير الإسلامي، علما أن التفكير الإسلامي له طريقة شاملة في حل المشكلات، جامعة، لكنهم يريدون حلّها وفق المناهج الخاصة بهم، فيبتكرون حلولا جزئية، من دون النظر إلى كل الأبعاد اللازمة للمجتمع، لكن التعاون كفلسفة وغاية يقوم على المشاركة الجمعية في عملية الوحدة والاجتماع والاتحاد والتضامن والتكافل فيما بين أفراد المجتمع، لتحقيق الغايات والمقاصد والمصلحة العليا للجميع.
لهذا فإن ثقافة التعاون تعتبر وقاية أو لقاح لاحتواء مرض الإثم والعدوان، وهي أمراض النزاعات والصراعات، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (إذا لم تجتمع القرابة على ثلاثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن عليهم وشماتة الأعداء بهم وهي: ترك الحسد فيما بينهم لئلا يتحزبوا فيتشتت أمرهم. والتواصل ليكون ذلك حاديا لهم على الالفة. والتعاون لتشملهم العزة).
يجب أن تجتمع القرابة على ثلاثة، بمعنى التقارب، سواء التقارب في الأرحام أو التقارب الاجتماعي، والتقارب بين الجماعات، أو التقارب بين الأفراد، فإذا لم يكن هناك تقارب ولا وحدة ولا اتحاد فيما بينهم، تعرضوا للضعف فيما بينهم فيفشلون، وبالنتيجة يصبحون ذليلين مهزومين، ويتشمت بهم الأعداء، ويصبحون عرضة للتحطّم والاستغلال والاستعمار والهيمنة عليهم، وإلا كيف تهيمن شعوب على شعوب أخرى؟، يتم ذلك عبر استغلال الضعف الذي فيهم واستغلال التشتت فيما بينهم.
من أين يأتي التشتّت والتنازع؟
وكيف يمكن استيعاب هذه الحالات، يتم ذلك من خلال ترك الحسد الذي يجري فيما بينهم، ويجب أن يتمنى الجميع الخير للجميع، ولا يجوز أن يأخذ كل شيء لنفسه، هذه هي الفئوية المنشطرة، والتعصب في المصالح لنفس الإنسان وجماعته فقط، فترك الحسد فيما بينهم لئلا يتحزبوا فيتشتت أمرهم، يتفرقون ويصبح أحدهم ضد الآخر لأنهم تنازعوا فيما بينهم.
في حين أن الدنيا واسعة والنِعَم كثيرة، فقد أنعم الله على الجميع، فلماذا هذا الحسد؟ والرزق مضمون للجميع، إن الفقر والمجاعات الموجودة اليوم سببها الحسد، والطمع والحرص على الدنيا، فترك الحسد والتواصل، صلْ من قطعك بمعنى التواصل، ليكون ذلك حاديا لهم، حاديا يعني ركيزة وسندا ودافعا لهم على الألفة فيما بينهم، التواصل يؤدي إلى الألفة، والهجران يؤدي إلى النزاع.
والتعاون لتشملهم العزّة، هذه هي النتيجة الصحيحة فالتعاون عزّة للإنسان في المجتمع، والعزة قوة وانتصار، والتعاون قوة وانتصار، وتعني العزة الكرامة، الحرية، الانتصار، الفوز، النجاح، وعدم العيش في الذل.
كيف نتعاون وما هي الوسائل؟
أولا لابد أن نعرف ما هي هوية المسلم الحقيقية والجوهرية، إن حقيقة هوية المسلم الجوهرية أن يكون مشاركا ومحبا، (ان يحب للناس ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لها)، هذه هي هوية المسلم، وهذا هو معنى العبادة لله سبحانه وتعالى، وعليه أن يحقق هذه الفكرة وهذه الثقافة في حياته، وأن نربي أبناءنا تربية استراتيجية بعيدة المدى على ثقافة التعاون، وعلى قيمة التعاون في حياتنا.
من الآفات الموجودة عند الإنسان إنه يعتبر التعاون بمثابة التنازل للآخر، فلماذا أتعاون معك ولماذا أتنازل لك؟، فأنا أحسن وأفضل منك، لكن هذا الشعور والتصرف بالنتيجة عبارة عن هلوسات يختزنها الإنسان في أعماقه، فتتحول إلى أمراض أو إلى وباء شديد الخطورة يؤدي إلى النزاعات والأزمات وإلى التباغض والتحاسد.
لذا فإن نزع الآفات والأمراض من مخ وفكر الإنسان، هدف مهم جدا لبناء منظومة التعاون الحقيقية.
سادسا: بناء الأمن الأخلاقي
من النقاط المهمة في فلسفة التعاون، بناء الأمن الأخلاقي، هناك كثيرون يتحدثون عن الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لكن الأهم هو الأمن الأخلاقي، أنْ تؤمن للإنسان والمجتمع أمنا أخلاقيا، وهو بمثابة ضمانة وحصانة من الانحراف، ويمكن أن يكون الأمن الأخلاقي هو الأساس في عملية تحصين المجتمع من النزاعات والعدوان.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (عليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتقاطع والتحاسد والتدابر وكونوا عباد الله إخوانا فان المؤمن أخو المؤمن لا يخونه ولا يخذله ولا يحقره ولا يقبل عليه قول مخالف له)، أن يكون الإنسان مؤتمنا أخلاقيا على تحقيق هذا التواصل والتبادل.
التواصل من جهة التفاهم، أما التبادل فهو التواصل العملي، ويعني أحدهما يبذل للآخر، ولا يكون أنانيا في ماله أو ممتلكاته وموارده، فيتبادلون فيما بينهم، لأن التبادل يؤدي إلى نوع من الكرم، والعطاء، والتضحية، والانفاق في سبيل الله، فكل هذه الأمور تؤدي إلى تحجيم الأمراض التي يمكن أن تفتك بالفرد والمجتمع.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (البر وحسن الجوار زيادة في الرزق وعمارة في الديار).
وأخيرا يمكن زرع ثقافة التعاون أو فكرة التعاون في عقول الأطفال، أو حتى في المنزل، أي يكون تعاون منزلي يتعاون فيه الأب مع زوجته في ترتيب أمور المنزل فيرى الأطفال هذا التعاون الفعلي فيعطي لهم صورة إيجابية، ويرى فيها الأطفال آثارا منتجة للتعاون، يتحقق من خلالها الأمن الأخلاقي للفرد والمجتمع.
(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الحشر9.
اضف تعليق