السوداني وعد قبل أيام بأنه سوف ينتهي عهد الفساد الذي تسببت فيه المحاصصة السياسية، علق على "سرقة القرن" وهي سرقة قرابة أربعة ترليونات دينار من تأمينات هيأة الضرائب وأكد في تغريدة عبر تويتر أنه وضع ملف مكافحة الفساد في أول أولويات برنامجه الحكومي بما فيه ملف اختفاء تريليونات الدولارات...
يقول الإطار التنسيقي الذي يضم القوى السياسية الشيعية في البرلمان أنه أعطى تخويلاً لرئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني لاختيار من يراه مناسباً لشغل المناصب الوزارية المخصصة للإطار.
يسارع المكلف بإصدار بيان يشكر فيه القوى الشيعية، لكن إشادته تؤكد وجود اتفاق بين الكتل السياسية المكونة للإطار يتضمن منح الفرصة أمام كل كتلة لطرح مرشحيها لكل الوزارات، ويُترك أمر اختيار المرشحين لشخص رئيس الوزراء المكلف بناءً على الكفاءة والنزاهة والقدرة على إدارة الوزارة، وفقاً للأوزان الانتخابية لكل كتلة.
نقرأ البيانين وكأننا أمام عراق جديد، والحقيقة لا شيء قد تغير، تقديم وتأخير ببعض الكلمات، وتنميق للخطاب يؤكد مرة أخرى أن حكومة السوداني لا تخرج عن نظام المحاصصة الحزبية والفئوية السابقة، فجملة "الأوزان الانتخابية" نترجمها إلى حصص الأحزاب، والحصص تعني محاصصة.
السوداني وعد قبل أيام بأنه سوف ينتهي عهد الفساد الذي تسببت فيه المحاصصة السياسية، علق على "سرقة القرن" وهي سرقة قرابة أربعة ترليونات دينار من تأمينات هيأة الضرائب وأكد في تغريدة عبر تويتر أنه وضع ملف مكافحة الفساد في أول أولويات برنامجه الحكومي بما فيه ملف اختفاء ترلونات الدولارات من أموال الهيأة العامة للضرائب المودعة في مصرف الرافدين.
كما وعد السوداني بتشكيل حكومة "قوية عازمة على تنفيذ أهدافها وبرنامجها"، فهو يعرف مطالب الشعب بمعالجة المشكلات المتراكمة وفي مقدمتها نقص الخدمات والفقر والتضخم والبطالة وأزمات السكن والصحة والتعليم.
وعود نسمعها دائما من القادة السياسيين العراقيين، بما فيهم من سبقوا السوداني بالمنصب، بينما كنا شهوداً على انزلاق العراق نحو القاع، وكلما تقدمت السنوات زادت الخطورة فالمشكلات الجديدة تضيف ثقلاً أكبر على البلد وتدفعه نحو الهاوية.
هل يعرف المكلف برئاسة الوزراء أن دستور عام 2005 كتب على أساس ضمان نظام المحاصصة ثم جاء تفسير المحكمة الاتحادية العليا بتأسيس ما يسمى بالثلث الضامن أو الثلث المعطل ليثبت نظام المحاصصة إلى أجل غير مسمى.
يقول أنه يعرف بهذا الواقع وأقر به في أحد حواراته التلفزيونية قبل تكليفه برئاسة الوزراء، لكنه يقدم وصفة غريبة يتفاخر بأنها ستحل إشكاليات المحاصصة، يطلب من كل كتلة سياسية تقديم خمسة مرشحين لشغل المنصب الوزاري وتتاح له حرية اختيار أحدهم.
بكل بساطة يعتقد السوداني بقدرته على التخلص من سطوة الكتلة السياسية والأحزاب على مفاصل الدولة.
التحليلات تبين إصابة مولود الحكومة الجديد بتشوه جسدي نتيجة إفراط الأحزاب بتناول منشطات المحاصصة، الزواج القسري بين قوى الإطار التنسيقي التي تقف خلف السوداني لا يسوده الحب بقدر ما تسوده المصالح، وبالنسبة لقوى الإطار فإن تشكيل الحكومة موسم حصاد لصبرها تجاه مطالب التيار الصدري، وأي حصة غير وزارة سيادية تعني خسارة موسم الحصاد.
الأحزاب الكردية والسنية لن تسمح بالتجاوز على حصصها في الحكومة، ومن المتوقع أن لا تسمح للسوداني برفض أي مرشح تقدمه، والصراع الشديد بين الأحزاب السنية لا يبشر بالخير، ومن صعب تقديمهم خمسة مرشحين لكل وزارة كما يريد رئيس الوزراء المكلف، بل سيرشحون شخصاً واحداً لكل وزارة ما يضع رئيس الوزراء في موقف صعب.
بالنسبة للقوى السياسية فالوزير مسؤول تجاه الحزب والطائفة أكثر من التزامه أمام رئيس الوزراء، الوزارة مقاطعة حزبية، وأي عملية استجواب مستقبلية للوزير تفسر على أنها إعتداء على مقدرات الحزب وزعيمه، وفي حال وجد السوداني وزيراً يستغل وزارته لأهدافه الحزبية والقومية والطائفية لن يستطيع تقديمه إلى مجلس النواب لإقالته، وإن فعل سوف يتهدم "ائتلاف إدارة الدولة"، على رأس الحكومة.
هذا الائتلاف الهش تشكل لتأليف حكومة "واقع حال" لا "حكومة خدمة" كما يعلن رئيس الوزراء المكلف.
المحاصصة تخرج لنا وزراء لا يخضعون للقانون والمحاسبة، يفعلون ما تفرضه عليهم مصالحهم، أموال الوزارات ومشاريعها حكر للحاشية والمقربين.
وحل الازمات العراقية المتراكمة لا يتعلق بتغيير رئيس وزراء محاط بهالة من التسويق الإعلامي وبعض الوزراء الحاملين للشهادات العليا، ومن المتوقع أن تفشل حكومة السوداني ليس تشكيكاً بنزاهة الرجل، بل بحجم التعقيدات التي تكون المنظومة الحاكمة.
اضف تعليق