ان التقدم اتجاه او قانون تاريخي عام، مشروط باربعة اشياء: الايمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. الايمان بالهدف الاعلى وهو التكامل، والعمل الصالح هو السعي الحثيث نحو التكامل، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر شرطان يجب ان يتوفرا في المجتمع اثناء السير الحثيث نحو التكامل...
اتمنى ان تدرس مدارسنا الاطفال ان البشرية منذ ان وجدت على سطح الارض في حالة تطور وتقدم مستمرين. وهذا الحكم ينطبق على كل المجتمعات باستثناء تلك التي لا تملك ارادة التطور. فالله خلق الانسان البدائي الذي لا يدري اين سوأته لكي يسير قدما في طريق التقدم والكمال. او كما يقول القران الكريم: "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" او قوله تعالى: "وَالْعَصْرِ؛ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ". ونقطة "النهاية" بعيدة جدا، تتطلب مواصلة السير والسعي والمدح بلا تعب او ملل، او كما يقول القران الكريم: "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ." ولقاء الله كناية عن هدف اعلى مطلق ليس له نهاية.
وبناء على ما تقدم نفهم ان التقدم اتجاه او قانون تاريخي عام، مشروط باربعة اشياء: الايمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. الايمان بالهدف الاعلى وهو التكامل، والعمل الصالح هو السعي الحثيث نحو التكامل، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر شرطان يجب ان يتوفرا في المجتمع اثناء السير الحثيث نحو التكامل.
التاريخ البشري منذ ظهور الانسان بنسخته الحالية يقدم الدليل الملموس على صحة هذه الفكرة. فمازالت البشرية تسير منذ الاف السنين في طريق متصاعد في النمو المستمر في جميع المجالات. ولئن كان التقدم بطيئا في السابق، ومحكوما بقيود الجغرافيا، فانه الان يتحقق بسرعة هائلة متجاوزة قيود الزمان والمكان. ويلمس البشر الان خطوات التقدم الكبيرة التي يحققها الانسان ساعة بعد ساعة، مما لا يبقي مجالا للشك في ان المسيرة التاريخية للإنسان تسير بطريق تصاعدي تكاملي وليس بطريق تسافلي نزولي. والمجتمع الذي لا يلتحق بقطار التقدم والتكامل لا يخسر الا نفسه، فيما يواصل الاخرون السير المستمر في طريق تكاملهم ولا ينتظرون من يتلكأ او يتكاسل او يتأخر عن الركب المتقدم.
اتمنى ان تكون هذه الفكرة مادة اساسية في مناهجنا الدراسية لنضمن ان ينهي الشباب من الجنسين المرحلة الاعدادية (بعد ١٢ عاما في الصفوف المدرسية) وهم على ثقة بان الانسان قادر على صناعة حاضره السعيد ومستقبله الزاهر وهم يؤمنون بتفاؤل ان "المصير ليس شيئًا يفرض على الفرد، بل يصنع كل انسان مصيره بيده". (اتجاهات الفلسفة المعاصرة، اميل برييه، ص ٥٩).
مثل هذا الشاب سوف ينخرط في الحياة الاجتماعية وهو مفعم بالأمل، والثقة بالنفس، والطاقة الايجابية القادرة على المساهمة في تغيير الواقع البائس وبناء المستقبل السعيد.
وعلى العكس من ذلك فان غياب هذه النظرة الكلية والشاملة والمتفائلة للتاريخ سوف يفسح المجال للنظرة الجزئية والمقطعية وقصيرة النظر والسلبية للواقع المعاش. ومعها يتولد اليأس والاحباط والكسل وفقدان الثقة والانكفاء على الذات والانشغال بالهموم الفردية والشخصية الصغيرة.
وهذا ما يمكن ان نشاهده الان من ردود افعال الكثير من شبابنا الذين كان اقصى ما توصلوا اليه هو التظاهرات الاحتجاجية التي ترافقها ممارسات سلبية لا تمت الى الاصلاح والتغيير والتقدم بنسب صحيح.
على المدى البعيد (١٢ سنة دراسية) تتحمل المدرسة مسؤولية معالجة هذه الظاهرة السلبية وبناء الفرد العراقي على اساس من رؤية ايجابية شاملة للتاريخ زمانيا ومكانيا ليستطيع الفرد العراقي النظر الى واقعه المعاش من هذه الزاوية، ولكي يستطيع وعي دوره ومسؤوليته من هذه الزاوية ايضا، عملا بوصية الامام علي الى ابنه الحسن: "يا بنيّ !..إنّي وإن لم أكن قد عُمّرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمارهم، وفكّرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتّى عدت كأحدهم، بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عُمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره..".
اضف تعليق