في نفس الوقت تواصل الاحزاب انتهاك الدستور وتجاوز توقيتاته دون الاخذ بنظر الاعتبار حكم المحكمة الاتحادية البات والقاضي بان مؤسسات الدولة المنتخبة، وبخاصة مجلس النواب، انما تستمد شرعيتها من التزامها باحكام الدستور.في هذه الاحوال يصبح وضع العراق كمن "خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ"...

لم أجد وصفا قرآنيا لحالة العراق اليوم أكثر انطباقا من الآية الكريمة: "وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ"، فالحياة بصورة عامة، والحياة السياسية بصورة خاصة، تنحدر، على الاقل، منذ ١٧ تموز عام ١٩٦٨، او قبل ذلك في ١٤ تموز من عام ١٩٥٨، الى مكان سحيق، وتكاد تصل الان الى منتهى قاع ذلك المكان.

اننا نتحدث عن الحياة السياسية في صعودها وانحدارها وفقا لمعايير وقياسات محددة ومشخصة، من بينها التداول السلمي للسلطة، وسيادة القانون، وحرية الرأي والتعبير، واستقلال القضاء، والمؤسسات التمثيلية الخ.

في ذلك التاريخ استولى حزب متخلف على السلطة بطريقة غير ديمقراطية. وواصل حكم البلاد بطريقة دكتاتورية لمدة ٣٥ سنة، ووصلت دكتاتورية البعث اقسى واقصى درجاتها بفرض عبادة الشخصية على المجتمع العراقي حين اطلق الحزب على زعيمه لقب "القائد الضرورة".

ربما لم ينتبه الكثير من الناس الى هذا التحول الخطير في طبيعة السلطة بسبب عدم تعودهم على السلطة الديمقراطية، ومن انتبه منهم لم يكن يملك من القوة ما يمكنه من مقاومة هذا الانحدار، ومن قاومه كان مصيره الاعتقال او القتل او التشريد.

ورافق عبادة الشخصية الكثير من الاعمال التي توصف حسب القانون الدولي بانها جرائم حرب، او جرائم ضد الانسانية، او جرائم ابادة الجنس.

وكان من ذلك الحرب ضد إيران والحرب ضد الكويت والحرب ضد الاكراد (الانفال كمثال)، والمقابر الجماعية، وتجفيف الاهوار، واعدام الالاف من المواطنين من الجنسين بتهمة الانتماء الى حزب الدعوة او الحزب الشيوعي او غيرهما من الاحزاب المعارضة، بما في ذلك المعارضون لصدام من البعثيين.

ولولا حرب عام ٢٠٠٣ لم نكن لنعرف كيف سيقسط ذلك النظام. وكانت التوقعات المتشائمة تتصور ان النظام سوف يستمر باحد ابني صدام بعد وفاته.

ولكن سقوطه حمل املا، اتضح انه كان زائفا، بامكانية الارتقاء بالحياة السياسية الى المعنى الديمقراطي السليم. وتم توثيق هذا الامل في بعض نصوص دستور عام ٢٠٠٥ رغم مساوئه وثغراته الكثيرة، مثل لائحة الحقوق الواردة في الباب الثاني، وتبني الديمقراطية وحق الشعب بالمشاركة السياسية... الخ.

الاّ ان النصوص الايجابية لم تر النور على الصعيد التطبيقي بسبب عيوب التأسيس والممارسة التي بدأت منذ تشكيل مجلس الحكم في تموز من عام ٢٠٠٣. واستطيع تحميل مسؤولية ذلك الى اربعة اطراف بدون غبن وتحيز هي: الولايات المتحدة الاميركية، الاحزاب الحاكمة، الجماعات الارهابية المسلحة، قطاعات معينة من الناخبين.

وبعد ١٠٠ سنة من تأسيس الدولة العراقية المعاصرة، تفيد كل المؤشرات العالمية في الديمقراطية والنزاهة والتماسك والابداع والسعادة وغير ذلك الى ان العراق اضحى دولة فاشلة failed state ويتمثل فشلها في اسوأ حالاته بعدم قدرتها على توفير الحياة السعيدة للعنصر الاول من عناصر الدولة وهو الشعب، وعدم قدرتها على الحفاظ على العنصر الثاني وهو الارض. واخيرا عدم قدرتها على توفير حياة سياسية سليمة قائمة على المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والحرية والعدالة والامن وغير ذلك من خصائص الدولة الحضارية الحديثة.

ولا يغيب عن الذهن ان الحياة السياسية فشلت، بعد الانتخابات البرلمانية الخامسة (المبكرة) في العاشر من شهر تشرين الاول من العام الماضي، في تشكيل مجلس نواب فاعل، وتشكيل حكومة دستورية، فيما تستمر حكومة تصريف الاعمال اليومية غير المؤهلة اصلا في انتهاك الدستور والقيام باعمال وتصرفات خارج اطار سلطتها المؤقتة بحسب الدستور.

في نفس الوقت تواصل الاحزاب انتهاك الدستور وتجاوز توقيتاته دون الاخذ بنظر الاعتبار حكم المحكمة الاتحادية البات والقاضي بان مؤسسات الدولة المنتخبة، وبخاصة مجلس النواب، انما تستمد شرعيتها من التزامها باحكام الدستور.في هذه الاحوال يصبح وضع العراق كمن "خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ". ولا حول ولا قوة الا بالله.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق