ظاهرة الشغب والتعصب والعنف في الملاعب المغربية تعكس مدى الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي في الشارع، وحين نعدد الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة نجدها كثيرة ومتشعبة، بدءاً من التعلق الفطري بالمنافسة بين البشر وحب الفوز والتغلب الذي أذكته وسائل الإعلام الرياضية بمختلف أصنافها من صحف مكتوبة أو قنوات متلفزة...
الشغب ظاهرة استفحلت في الملاعب المغربية، وللأسف فقد ارتدى جمهور بعض الأندية المغربية رداء الهوليغانز الإنجليزي، فالشغب في الملاعب الرياضية موجود حتى في الدول الراقية، لكن شتّان ما بين الصورة التي تظهر على ملاعبنا المغربية والصورة هناك. والجميع يقر بأن أعمال الشغب والعنف والتخريب ببعض الملاعب المغربية تنطلق من الملاعب وتمتد إلى الشارع، من دون أن تكون نتيجة المباراة تدعو لذلك، وتتحول هذه الظاهرة المفترضة إلى اعتداء على اللاعبين والحكام والطاقم التقني والصحافة ورجال الأمن… قبل أن تتوسع هذه السلوكيات اللارياضية لتشمل الشارع العام بما يطوله من تخريب للواجهات والمرافق، واعتداء على المواطنين وممتلكاتهم من سيارات… وغيرها من مظاهر الإخلال الخطير بالأمن...
وفي هذا السياق فقد أدت أحداث الشغب والعنف التي اندلعت بين جماهير فريقي المغرب الفاسي والجيش الملكي، إلى وقوع إصابات متفاوتة الخطورة بين المشجعين، وفي صفوف رجال الأمن، ونقلت سيارات الإسعاف المصابين صوب المستشفيات، وحسب المعطيات المتوفرة بين أيدينا، فإن جماهير الجيش الملكي اقتحمت الملعب مباشرة بعد نهاية المباراة، التي جرت أطوارها الأحد 13/03/2022، على أرضية ملعب مولاي عبد الله بالرباط، وذكر بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني أنّ المتورطين في أعمال الشغب تسببوا في إصابة 85 شرطيا بجروح وإصابات متفاوتة الخطورة، من بينهم 63 مصابا تم نقلهم للمستشفى الجامعي ابن سينا، و14 مصابا تم الاحتفاظ بهم بمستشفى التخصصات، و8 مصابين تم نقلهم للمستشفى العسكري بالرباط، وأدت أعمال الشغب إلى إصابة 18 عنصرا من القوات المساعدة بجروح وكدمات ورضوض، فضلا عن إصابة 57 من الجماهير بإصابات مختلفة، من بينهم 34 مصابا تم إسعافهم بعين المكان من طرف الطواقم الطبية والتمريضية، بينما تم نقل باقي المصابين لمختلف المؤسسات الاستشفائية بالعاصمة.
وسجلت مصالح الأمن الوطني إلحاق خسائر مادية بالعديد من مرافق ومشتملات الملعب، وإضرام النار في دراجة نارية، وتعييب وتكسير 33 مركبة وناقلة تتنوع ما بين مركبات تابعة للشرطة وسيارات أخرى في ملك الخواص كانت مستوقفة بالفضاءات الخارجية للملعب، كما قدمت حصيلتها الأولى بشأن الموقوفين على هامش أحداث المباراة، حيث وصل عدد المشتبه فيهم إلى 160 شخصا، ضمنهم 60 قاصرا، تم الاشتباه في تورطهم في ارتكاب أعمال الشغب، إلى جانب حيازة أسلحة بيضاء، والسكر العلني البين والتراشق بالحجارة المقرون بإلحاق خسائر مادية بممتلكات خاصة وعامة.
ما حدث يسيء لكرة القدم المغربية، فنزول الجماهير المحسوبة على نادي الجيش الملكي، يؤكد أن مشجعينا أكثر استفادة من المباريات الأوروبية التي كثيراً ما نشاهد بعض المهوسين بالشهرة النزول إلى أرض الملعب في المباريات الكبيرة، وللأسف فالجماهير التي نزلت واقتحمت مركب مولاي عبد الله بالرباط، نقلت إلينا ظاهرة سلبية من الملاعب الأوروبية، وليتهم وقفوا على كيفية مساندة الجماهير لفرقها في أحلك المواقف بدلاً من الإساءة لفريقهم...
هذا السلوك المرفوض، يؤكد بالواضح أن الكل معني بأعمال الشغب التي عادت للظهور من جديد وبثوب عنيف. وليس من المعقول أن تتحول مدرجات الملعب إلى معارك... ولا يمكن لأحد أن يعتبر الشغب مبرراً أو مقبولاً في حال من الأحوال، لأنه لا يجدي أولاً وله عواقب وخيمة ثانياً، ولا يعكس القيم المجتمعية ثالثاً.
فحينما تتحول ساحات الرياضة إلى ساحات شتم وتخريب وانحطاط أخلاقي، فعلينا أن نلعن تلك اللعبة ومن بدعها، وأن نركل تلك الكرة بأرجلنا وأحذيتنا إلى المزابل لأنها لم تعلمنا الأدب... فبعض المشجعين يعتقدون أنهم بتشجيعهم المفرط والذي قد يخرج عن حدود اللباقة والأخلاق الرياضية في بعض الأحيان، يجعلون فريقهم مرشحاً للفوز، متناسين أن تشجيعهم هذا ينضوي تحت مظلة الشغب، وعندما نتحدث عن الشغب لا نقصد جميع المشجعين، وإنما البعض ممن يحدثون الشغب، ونستغرب ما يقومون به على حساب سمعة ناديهم وفريقهم !
الثابت لدينا، أنّ ظاهرة الشغب والتعصب والعنف في الملاعب المغربية تعكس مدى الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي في الشارع، وحين نعدد الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة نجدها كثيرة ومتشعبة، بدءاً من التعلق الفطري بالمنافسة بين البشر وحب الفوز والتغلب الذي أذكته وسائل الإعلام الرياضية بمختلف أصنافها من صحف مكتوبة أو قنوات متلفزة، وانتهاءً بالحملات الكبرى التي تقوم بها وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الحملات وإن كانت تهدف في الأصل لتنمية الحس الرياضي والشعور بالوطنية، إلا أن لها مضاعفات قد تتسبب في انحرافها عن مقاصدها وتأجيج مشاعر الكراهية والتنافس غير الشريف بين محبي الكرة.
فالتشجيع المتعصب موجود بين الشباب المغربي، ومعروف أن مشجعي بعض الأندية مثلاً يتعاملون بحساسية أكثر مع مشجعي أندية أخرى... فظاهرة التعصب ليست موجودة في المغرب كما في البلدان الأخرى إلا أنه يوجد حالات شاذة عن القاعدة طبعاً. فهناك المعتدل والمتطرف، وكذلك بالنسبة للشباب، منهم من يتعصب لفريقه بشكل مبالغ فيه ومنهم من يعتبر الأمر أمراً عادياً ولا يتعدى التشجيع لفريق معين، ومن بين الحالات التي يكون فيها التشجيع مبالغاً فيه أن بعض الشباب يتكلف مبالغ طائلة لإظهار حبه لناديه، فمثلاً يشتري سيارة بألوان الفريق ويسعى للحصول على كل الإكسسوارات التي تخصه مهما كلفه ثمنها، ومنهم من يلون غرفته ومجلسه بألوان فريقه، فالحب كما يقال ضرب من ضروب الجنون.
لقد ركز علماء النفس والاجتماع وخبراء الضبط الاجتماعي على هذه الظاهرة بوصفها كإحدى الظواهر النفسية والاجتماعية التي تختلف أسبابها من بيئة إلى أخرى، ويجمعون أنّ الشغب والتعصب الرياضي سلوك مضطرب غير قانوني من قبل بعض مشجعي رياضة كرة القدم، مبرزين أن أسباب هذه الظاهرة، قلة الوعي والتنشئة الاجتماعية غير الصحيحة ووسائل الإعلام وقيادة روابط المشجعين غير الكفأة ما ينتج عنها حالات من العنف والفوضى غير المبرر والسلبية تصيب المشجعين بالتوتر والانفعالات وأحيانا تصل إلى مرض فيزيولوجي تتغير فيه المؤشرات الحيوية، وتؤدي لازدياد ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، والجلطات، وقولون عصبي ونوبات هستيرية، بحيث لا يقبل المتعصبون إلا أن تفوز فرقهم وغير ذلك يعتبرونه إهانة يجب الرد عليها بالشغب والإساءة، وبما أن الرياضة هي فوز وخسارة أو تعادل يجب على المشجعين تقبل الحالات الثلاث، أما الذي لا يتقبل إلا الفوز فهذا مرض واضطراب نفسي يدفع المتعصبين لافتعال الفوضى.
وتشير الدراسات إلى أن جمهور الملاعب أو ما يعرف بالحشد غالباً ما يكون محدود التفكير والمنطق مقارنة مع الفرد المنعزل، واللافت أن هذا السلوك العدائي واللأخلاقي ينتشر بسرعة بين الحشد على طريقة العدوى مما يساعد على ارتكاب الأفعال التدميرية، والتي غالباً ما لا يرتكبها الفرد بمفرده. في المقابل قد تنفجر الجماهير ابتهاجاً بالفوز أو حزناً على الهزيمة في المباريات الرياضية ويبدأ التخريب المتعمد للممتلكات العامة والخاصة وهذا ما يفسره علماء الاجتماع بنظرية ''اختفاء الفرد في الجماعة وحجبها له''، وهي ترتبط بسلوك الحشد أو الجماهير في إطار العلاقة الوقتية التي لا تتحكم فيها أية قاعدة أو قانون.
وبحسب تلك النظرية فإن الأفراد عندما يرتكبون بمفردهم أفعالاً يعاقب عليها القانون، فمن الطبيعي معاقبتهم على ذلك، أما عندما يمثلون جزءاً من جماعة تؤدي السلوك عينه فإنهم يتحررون جزئياً من الخوف من العقاب لأن الجماعة تغمرهم وتضمهم فيصعب تحديد المسؤولية الفردية بدقة، ومن ثم يصعب التوصل إليهم.
قد توضح القراءة في تحليلات علماء الاجتماع جزءاً من الصورة والخلفيات العلمية لظاهرة الشغب في الملاعب المغربية، لكن يبقى الشغب ظاهرة مجتمعية تتداخل فيها العديد من العوامل، بدأت تأخذ أبعاداً خطيرة بالمغرب، من قبيل العنصرية وبعض العبارات والشعارات ذات النزعة القبلية، التي من شأنها أن تزيد مع عدد ضحايا هذا ''الشغب الجماهيري'' في غياب تكافل الجهود بين جميع الأطراف المعنية من مكاتب الفرق وجمعيات الأنصار و''الإلترات'' وقوات الأمن ووسائل الإعلام...
اضف تعليق