يشعر معظمنا ببعض القلق حيال بعض القرارات، لكن المصاب برهاب اتخاذ القرار يشعر بخوف شديد ومشّل حتى تجاه القرارات اليومية. وهذا يعني أن الخوف الباعث على اختيار القرار الصحيح ليس مشكلة، لكن المشكلة هي عدم القدرة على اتخاذ القرار نهائيًا، مما يجعل المصاب يطلب النجدة ممن حوله...

هل تعاني من صعوبة في اتخاذ قراراتك، سواء كان قرارًا مهمًا أو عاديًا، مثل اختيار نوع الطعام في المطعم، أو اختيار قطعة ملابس، أو اختيار مكان تذهب إليه بصحبة أهلك أو أصدقائك؟ وقد يصل بك الحال في بعض الأحيان إلى شعورك باستحالة اتخاذ القرارات، وتحاول تأجيل اتخاذ القرار أطول وقت ممكن. إذا كنت من هذا النوع من البشر، فأنت من الذين لديهم رهاب اتخاذ القرار، فما هي انعكاساته؟ وما هي أسبابه وعلاجاته؟

تقول الأخصائية النفسية الدكتورة إيمي دارا موس: "يشعر معظمنا ببعض القلق حيال بعض القرارات، لكن المصاب برهاب اتخاذ القرار يشعر بخوف شديد ومشّل حتى تجاه القرارات اليومية". وهذا يعني أن الخوف الباعث على اختيار القرار الصحيح ليس مشكلة، لكن المشكلة هي عدم القدرة على اتخاذ القرار نهائيًا، مما يجعل المصاب يطلب النجدة ممن حوله.

أصل التسمية:

تمت صياغة هذا المصطلح من قبل الفيلسوف (والتر كوفمان) في كتابه (بلا ذنب وعدالة) الصادر عام 1973، إذ ركز الكتاب على الآثار الفلسفية لرهاب اتخاذ القرار. وبعد ذلك أصبح تحت عدسة الكثير من الباحثين باعتباره أحد الموضوعات التي تلامس حياة الإنسان، بعد أن أصبح أشبه بالظاهرة الاجتماعية ذات الأصول النفسية.

من منظور الصحة النفسية، تم تصنيف رهاب اتخاذ القرارات على أنه رهاب محدد، تحت مظلة اضطرابات القلق. فهذا الاضطراب يجعل صاحبه غير قادر على اتخاذ قرار بسبب جموح الخوف من عواقبه المحتملة كما يتصورها هو، يعني أنه أحد إصدارات القلق الاجتماعي الذي له الكثير من الإصدارات والأوجه المختلفة.

ما هي مآلات رهاب اتخاذ القرار؟

الخوف من رهاب اتخاذ القرار يكمن في إمكانية تحوّل رهاب اتخاذ القرار من مجرد اضطراب شخصي إلى أزمة حقيقية تعصف بالمجتمع، وتجعل منهم حيارى حين يجب أن يكونوا عارفين إلى أين هم ذاهبون، سيما حينما يتحور من نسخته الفردية إلى نسخة أسرية أو مجتمعية أو مؤسسية، فقد يصيب الجهات المسؤولة عن إدارة قطاعات الدولة الحيوية، إذ يغدو الإنسان رهينًا لمدى جسارة الإدارة على اتخاذ قرار موضوعي غير خاضع للخوف المرضي من نتائجه واحتمال المساءلة عنها.

ومن مآلات رهاب اتخاذ القرار السلبية أيضًا هو أن الفرد المصاب يضيّع الكثير من الفرص لكونه ليس لديه القدرة على اتخاذ القرار المناسب، فيسيطر عليه التردد والخوف، وبالتالي تضيع عليه الفرص، سيما التي تحتاج إلى تقرير عاجل لا يقبل التأجيل والتسويف. وما أكثر المواقف التي أضاع أصحابها الفرص بعد أن ضيعوا بوصلتهم في مرحلة اتخاذ القرار.

ما هي الأسباب؟

عدة أسباب محتملة وراء إصابة الإنسان برهاب اتخاذ القرار، سنذكر أهمها على نحو الاختصار وهي:

أول الأسباب المحتملة هو أن الفرد في مرحلة الطفولة تلقى معاملة شديدة القسوة من والديه مع فرط في الحماية والميل إلى الكمال، وبالتالي حين يكبر يواجه صعوبة تصل لدرجة رهاب اتخاذ القرار، لخوفه من الانتقاد وإصراره على الكمال في اتخاذ القرار، وحرصه على أن يكون قراره صحيحًا، وهو ما يجعله يخاف من اتخاذ القرار.

الاحتمال الثاني هو أن بيئة الإنسان لا تدعمه وتحفزه على الاعتماد على ذاته في اتخاذ القرار، ولا تتيح له فرصة لمعالجة الخطأ، فالعيش في بيئة تعتبر ما دون الكمال إخفاقًا هي بيئة مرهقة تسلب من الإنسان طاقته وتسلب منه إرادته وقراره.

الاحتمال الثالث هو التجارب السابقة، فقد يكون المصاب تعرّض لتجارب سابقة سلبية في اتخاذ القرارات (مثل اتخاذ قرار خاطئ تسبب في مشكلة) سببًا في تطور هذا الرهاب.

الحل:

قد يكون الحل في العلاج النفسي المتمثل بالعلاج السلوكي المعرفي الذي يغيّر الأفكار التي أوصلت المصاب إلى هذه النقطة، بعد ذلك يجري العمل على دحض تلك الأفكار غير الواقعية وإحلال أخرى محلها أكثر صحة وواقعية، وبتغيير تلك الأفكار وإقناع المصاب بالأفكار الجديدة يمكن أن يغادر محنته تدريجيًا.

والحل الثاني لرهاب اتخاذ القرار هو الدعم الاجتماعي للمصاب، إذ يمكن أن يساعد الدعم العائلي والأصدقاء في تخفيف القلق، وذلك عبر التحدث إليه لتوضيح حقيقة أن الحياة قائمة على ثنائية الصواب والخطأ، ومَن يخطئ اليوم سيصيب غدًا. وبهذين الأمرين المهمين في العلاج يمكن أن يغادر الإنسان هذا الرهاب اللعين.

اضف تعليق