الصوم حرمان مشروع وتأديب للجوع، وخشوع لله وخضوع ولكل فريضة حكمة وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة ويحض على الصدقة ويكسر الكبر ويعلم الصبر، ويسن خلال البر إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع والجوع كيف ألمه إذا لذع...
شهر رمضان منه استلهم الشعراء والأدباء ومن فيض بركاته ونفحاته فاضت قرائحهم... ومن سماته وآياته سالت أقلامهم، وقد رأيت أن أبدأ بمقولة أمير الشعراء، أحمد شوقي ورؤيته للصوم بما يحمله من هموم وآداب، اجتماعية ودينية فيقول: "الصوم حرمان مشروع وتأديب للجوع، وخشوع لله وخضوع ولكل فريضة حكمة وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، يستثير الشفقة ويحض على الصدقة ويكسر الكبر ويعلم الصبر، ويسن خلال البر إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المتع، عرف الحرمان كيف يقع والجوع كيف ألمه إذا لذع". أما الشاعر الأندلسي ابن الصباغ الجذامي، فيقول محتفياً بقدوم هلال رمضان.
هذا هلال الصوم من رمضان
بالأفق بان فلا تكن بالواني
وافاك ضيفاً فالتزم تعظيمــه
واجعل قراه قراءة القرآن
صمه وصنه واغتنم أيامــه
واجبر ذما الضعفاء بالإحسان
أما أبو بكر عطية الأندلسي فقد صور مشاعره الروحانية وقال:
ولكن لا أصوم صيام قوم
تكاثر في فطورهم الطعام
فإن وضح النهار طووا
جياعاً وقد هموا إذا اختلط الصيام
وقالوا يا نهار لئن تجعنا
فإن الليل منك لنا انتقام
لكن لم يكن مدح شهر رمضان الكريم ديدناً لدى الآخرين... فمنهم من صوّره على طريقته الشعرية والآخر على طريقته الساخرة. وذلك على سبيل الطرافة كالذي قاله ابن الرومي فيما جعله محل إعجابه من جهة وسروره من جهة ثانية:
إني ليعجبني تمامُ هلالهِ
وأسرُّ بعد تمامهِ بنحوله
أما أبو نواس فقال:
رمضان ولّى هاتها يا ساقي
مشتاقةً... تحنو إلى مشتاق
أمّا ابن المعتز، وهو الشاعر الرهيف، فقد تعرض في بيتين لحاله مع الصيام الذي فرضه عليه هلاله:
يا قمراً قد صار مثل الهلال
من بعدما صيرني كالخلالِ
الحمد لله الذي لم أمــــــتْ
حتى رأيناك بداء السلال
وبالمقابل... نجد شعراء قد دخلوا إلى عمق أدب الصيام وحقيقة المراد منه فإذا هو لديه ما بعد الطعام بكثير والغاية أكبر من الحرمان. فقال:
يا ذا الذي صام عن الطعام
ليتك صمت عــــــــن الظلمِ
هل ينفع الصوم امرءاً ظالماً
أحشاؤه ملأى مــــــن الإثم؟
ولعل شاعر العراق معروف الرصافي، قد تناول بجدية أكثر موضوع الصيام وغاياته وآدابه، فكتب بذلك نثراً وشعراً لا يتسع المقام لذكره وأذكر بقصيدته الطويلة التي منها:
وأغبى العالمين فتىً أكول لفطنته... ببطنته: انـــــــــــــهزام
ولو أني استطعت صيام دهري لصمت... فكان ديدني الصيامُ
وفي الختام أعرض باقة ملونة من الطرف والنوادر عن الصيام والطعام، أورد بعضاً مختصراً منها، فقد ذم بعض الشعراء بخلاء رمضان والذين لم يعوّدوا أنفسهم على الجود والكرم والعطاء، وفي هذا يقول الشاعر علي الجارم الذي نزل ضيفاً عند أحد البخلاء فهجاه بقوله:
أتى رمضان غير أن سراتــــــــنا----يزيدون صوماً تضيـــــــق به النفس.
يصومون صوم المسلمين نهاره----وصوم النصارى حينما تغرب الشمس.
ومن النوادر أنه قيل مرة لمزيد المدني - وهو واحد من ظرفاء العرب: "صوم يوم عرفة يعدل صوم سنة بكاملها"، فصام مزيد إلى الظهر ثم أفطر، وقال: "يكفيني ستة أشهر يدخل فيها شهر رمضان". ومن النوادر أيضاً، أنّ رجلاً كان كلما اعتزم الصيام يرى طعاماً شهياً فيفطر، وجاء إلى أحد الفقهاء وحكى له فقال الفقيه: (ما عليك حين تنوي الصيام إلا أن تجعل يدك مغولة إلى عنقك)، وكذلك الرجل الذي صام يوماً واحداً وقال: الحمد لله انهينا صيام شهرنا. فقالوا له: وكيف وأنت لم تصم إلا يوماً واحداً. فقال: اجتمعنا ثلاثين رجلاً وصمناه صوماً واحداً. وأخيراً. ما قد ذمّ به أحد الشعراء رجلاً بخيلاً:
رأيت الفضل مكتئباً يناغي الخبز والسّمكا
وأسبل دمعةً لما رآني قادماً.. وبكى
ولما أن حلفت له بأني صائم. ضحكا
اضف تعليق