ربما جاءت اللحظة المناسبة لتصحيح الخلل، والوصول إلى علاقة سليمة راسخة، لا تتأثر بتغيّر حكومة، أو رئيس، ومن الخطأ التعويل على أصدقاء أو شركاء تجاريين في بغداد، لتعطيل قرار المحكمة الاتحادية، أو تسويفه، لان ذلك سيكون تأجيلاً جديداً للحل، وبالتالي تعقيد المشكلة أكثر فأكثر...
تأجيل حلّ الملفات الإشكالية عادة ما يؤدي إلى تعميق المشكلّة. التأجيل هو هروب من مواجهة إشكاليات الحل وتبعاته، لكن الخلاف يصبح أعمق والحل أصعب. هكذا تعامل السياسيون العراقيون منذ العام 2003 مع الكثير من الملفات الحيوية التي كان يجب حلّها مبكراً، ربما على رأسها ملف العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان عموماً، وملف النفط خصوصاً. ليس صحيحاً أن الدستور يرسم حدود العلاقة بين الطرفين، فمواده كتبت لتكون حمّالة أوجه، يمكن تفسيرها وفق الظروف وحسب خارطة القوّة.
القوي كان يفرض رأيه ويفسر الدستور كما يراه، والغريم يقبل مضطراً تحت وطأة الضغوط وتهديد الوجود بفعل إرهاب إقليمي يرفض الحكم الجديد، أو بمساومات لتحصيل مكاسب شخصية أو آنية. كل هذا جعل الطرف الكردي في موقع تحصيل مكاسب تراكمت بعيداً عن الدستور- أو وفق تفسيره له- فباتت بمرور السنين حقوقاً مكتسبة لا يقبلون النقاش حولها.
الخلل يكمن في أن السياسيين الكرد فاتهم أن الظروف تتغير والأشخاص الذين يتهاونون معهم لمصالح شخصية سياسية كانت أم مادية، سيغادرون المشهد السياسي، أو الحياة ككل يوما ما، وقد يأتي جيل جديد يتنبه للخلل ويتحرك لتصحيحه.
فاتهم أن تلك السياسة ساهمت في تعميق الحساسية بين الشارعين الكردي والعربي على خلفية الشعور بالغبن، الذي لم يخفف منه انبهار ابن الوسط والجنوب بشوارع أربيل وفنادقها، بينما كنا ننتظر ما يعيد وصل الودّ والانفتاح بين عرب العراق وكرده، الذين تلاشى شعورهم بانتمائهم للعراق بفعل ظلم النظام السابق وسنوات القطيعة مع بغداد خلال التسعينات، وتعميق شعور الانفصال من قبل بعض سياسييهم لمصالح خاصة بعد ٢٠٠٣.
فاتهم ولأكثر من مرّة أن مصالح الأطراف الدولية تتغيّر ولا يمكن الركون إلى دعمها، فاتهم أيضاً أن القانون والدستور باقيان وقد تأتي لحظة استقلال ورفض للتأثر بالمساومات السياسية الشخصية والحزبية.
في المقابل فإن مسؤولية أغلب ساسة بغداد العرب ليست أقل، ومساهمتهم في تعميق الخلل واضحة، فهم فضلوا المصالح الشخصية والآنية على حساب علاقة سليمة راسخة بين الاقليم والحكومة الاتحادية، ولم يفكروا في بناء عراق موحد منسجم بكرده وعربه وباقي مكوناته، هكذا تفاقمت علاقة المركز بالإقليم الذي أصبح أكثر بكثير من إقليم في دولة فدرالية، وهذا ما يبرر الصدمة التي أحدثها لديهم قرار المحكمة الاتحادية حول عدم دستورية السياسة النفطية المستقلة للإقليم.
ربما جاءت اللحظة المناسبة لتصحيح الخلل، والوصول إلى علاقة سليمة راسخة، لا تتأثر بتغيّر حكومة، أو رئيس، ومن الخطأ التعويل على أصدقاء أو شركاء تجاريين في بغداد، لتعطيل قرار المحكمة الاتحادية، أو تسويفه، لان ذلك سيكون تأجيلاً جديداً للحل، وبالتالي تعقيد المشكلة أكثر فأكثر.
اضف تعليق