لا تصح تسمية الحراك السياسي لتشكيل الحكومة بالمفاوضات، أنه صراع فعلي على تشكيل الحكومة، وسباق نحو الظفر بها بأي طريقة كانت، والصراع واضح بين الإطار التنسيقي الشيعي الذي يمثل أغلبية الأحزاب والحركات السياسية الشيعية، والتيار الصدري الذي يتحرك منفرداً برؤيته الخاصة...
لا تصح تسمية الحراك السياسي لتشكيل الحكومة بالمفاوضات، أنه صراع فعلي على تشكيل الحكومة، وسباق نحو الظفر بها بأي طريقة كانت، والصراع واضح بين الإطار التنسيقي الشيعي الذي يمثل أغلبية الأحزاب والحركات السياسية الشيعية، والتيار الصدري الذي يتحرك منفرداً برؤيته الخاصة.
كل طرف يعتقد أنه الأحق بتشكيل الحكومة، فالتيار الصدري يعد نفسه الكتلة الأكبر في البرلمان، وهي نتيجة تلقائية لما أفرزته الانتخابات، بعد حصوله على 73 مقعداً.
في المقابل كانت قوى الإطار التنسيقي مشتتة ولو قارناها منفردة مع التيار الصدري، فلا يوجد أي وجه للمقارنة، بفعل الفارق الكبير، فأقرب المنافسين للتيار لم يحصل حتى على نصف مقاعده.
لكن هؤلاء (الإطار التنسيقي) اجتمعوا بعد الخسارة وتأكد صعوبة منافسة التيار الصدري بدون تشكيل إئتلاف برلماني كبير، يقوم على جمع القوى الشيعية في سيفينة واحدة تذهب للتفاوض مع السنة والكرد من أجل تشكيل الحكومة.
فكرة الإطار تعتمد على فرضية تمثيل الإطار السياسي لأغلب القوى الشيعية، فهم الآن بعد اجتماعهم صاروا ينافسون فعلياً التيار الصدري في عدد المقاعد، وهم يتفوقون عليه من حيث الثقل السياسي لعدد القوى السياسية المنضوية تحت مظلة الإطار، وبما أن الكرد والسنة لا يريدون تجاوز مسألة التوافق مع الشيعة، فهم لا يجازفون بتجاوز كل هذا العدد الكبير من القوى الشيعية لمصلحة التيار الصدري الذي وإن حصل على أكبر عدد من المقاعد لكنه يبقى تياراً سياسياً واحداً ولا يمثل كل ألوان الطيف الشيعي.
التيار الصدري يفهم تعقيدات هذه المعادلة، وهو يناور لإرضاء السنة والكرد، ويعرف صعوبة ارضائهم بدون الذهاب مع فريق شيعي موحد مكون من قوى الإطار والتيار.
معادلة صعبة على التيار الصدري الذي لم يذق طعم رئاسة الوزراء الصدرية العلنية، فقد قضى التيار عمره السياسي صانعاً للملوك، يريد الآن ليمارس دور الملك، وأي ملك؟ أنه ملك الأغلبية السياسية.
لحد هذه اللحظة لا توجد أي انفراجة لصالح التيار الصدري، فرؤيته غير مرحب بها من أغلبية الكتل السياسية الشيعية والسنية والكردية، والكل يريد إعادة معادلة التوافقات السياسية، لكن التيار الصدري يعرف أن الذهاب لحكومة التوافق فيه مخاطر تهدده سياسياً وهي كالآتي:
1- التيار الصدري بنى حملته الإعلامية على أساس تشكيل حكومة الأغلبية السياسية.
2- التيار أعلن عن نيته تشكيلة حكومة من شخص يتبع فعلياً للتيار الصدري، وسوف يكون مسؤولاً ومتحملاً لنجاحه أو فشله حتى لا تتكرر تجربة الحكومة الرمادية التي لا يوجد من يتحمل تبعات فشلها.
3- في حال تشكيل حكومة توافق تقل فعالية المقاعد البرلمانية للتيار الصدري، وهو ما يعتبره ظلماً له، فلو كانت قوى الإطار فائزة والتيار خاسر بالانتخابات هل ستتنازل للتيار، أم تذهب لتشكيل الحكومة؟ هذا التساؤل مطروح بقوة في نقاشات اتباع التيار وقادته.
4- في حال تشكيل حكومة توافق ربما تكون الفرصة الأخيرة للتيار ليسجل نفسه تأريخياً بأنه شكل حكومة عراقية منفرداً بدون الاستناد إلى قوة الأحزاب الشيعية الأخرى، وهذا ما يعزز حظوظه كممثل للشيعة كما يعمل على ذلك طوال السنوات الماضية.
النظام التوافقي ما يزال أقوى من أي ترتيبات سياسية جديدة، وتهديم أركان التوافق بحاجة إلى كتلة سياسية كبيرة في البرلمان لا تقل عن نصف عدد الأعضاء، وهذا ما لا يتوافق للتيار الصدري.
إنه الفائز الأول فقط، من بين عدد آخر من الفائزين الذين يملكون بالإضافة إلى حجمهم العددي في البرلمان، ثقلهم السياسي، وربط تحركاتهم ضمن سياسة المحاور الدولية التي ما تزال فاعلة في العراق، ولا سيما في هذه اللحظة السياسية الحرجة.
وفق المعطيات الموجودة الآن، ومع استمرار العامل الخارجي والفعل التوافقي الداخلي، سيكون خيار الحكومة الرمادية التي لا تنتمي إلى أي تيار سياسي هو الخيار الأكثر ترجيحاً.
ومن غير المستبعد خضوع التيار الصدري لهذا الواقع السياسي الضاغط، سواء من قبل أطرافه السياسية الداخلية، أو الأطراف الخارجية التي لا تقل قوة وثقلاً عن ضغوطات الداخل.
لكن هذا النجاح الآني للقوى السياسية الضاغطة من أجل استمرار التوافق والمحاصصة، سوف يزيد من الفشل والانسداد السياسي، لأن حكومة التوافق والمحاصصة هي دليل على خوف الكتل السياسية من عدم الانخراط في التشكيلة الوزارية، إنها تعبر عن استمرار ازمة الثقة بين الفرقاء السياسيين.
سوف ينعكس هذا الجو من عدم الثقة داخل الأطراف السياسية على المواطن، ويزيد من الشرخ الكبير بين السياسيين والشعب، وربما سيتفجر إلى انتفاضة أخرى لا تقل قوتها عن تظاهرات تشرين التي هزت عرش الأحزاب الحاكمة، وأكدت ضعف حكومات التوافق والمحاصصة.
اضف تعليق