ليس كل ما قيل أو يقال في وسائل الاعلام الغربية عن نتائج المباحثات يعكس حقيقة ما تم الاتفاق عليه بين السداسية وايران، وكما تردد في الانباء فان المحادثات تركزت على ضمانات بقاء النشاط النووي الايراني ضمن المجالات السلمية. وشددت على حق ايران في تخصيب اليورانيوم بما لا تزيد نسبته عن 3،6% وعن تفتيش المواقع العسكرية والمفاعلات النووية وعن استيراد وتطوير صناعة الصواريخ الباليستية وغير ذلك. وقد رافق المباحثات مئات من ممثلي وسائل الاعلام التي اعطت للمباحثات نكهة من التشويق والانشداد لكل ما يصدر عنها من بيانات وشائعات.
وحتى نحن الذين نعيش الهم العراقي تابعنا باهتمام شديد ما ستتمخض عنه تلك المحادثات على أمل أن لا يصدر عنها ما يضر بعملية تحرير بلادنا من شراذم وبهائم داعش، لأننا بتنا نتشائم من كل اجتماع ومؤتمر تعقده أو تشارك فيه الولايات المتحدة الامريكية. ففي الشهرين الماضيين كرست العديد من الاجتماعات التي شارك فيها قادة عسكريون وأعضاء من مجلسي الكونغرس للحديث عن تقسيم العراق واقامة دويلات طائفية واثنية في حين كان الأجدى الحديث عن وحدة الشعب العراقي وتوحيد قواه السياسية نحو تحرير بلادهم من زمر القتلة الذين ينشرون الرعب في بلدنا والعالم باسم اسلام ابتكروه ليلائم شذوذهم العقلي والجنسي المعبر عن أمراض نفسية مزمنة.
الولايات المتحدة تعرف جيدا ان اهتمام ايران ينصب على استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية وقد أكد هذه الحقيقة استخبارات أمريكا نفسها، لكن وبرغم تهريج اسرائيل عن حيازة ايران الوشيك للقنبلة النووية لاذ الأمريكيون بالصمت مكتفين بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية ومراقبة تأثيرها على واقع الحياة اليومية للمجتمع الايراني. لقد كانوا في واقع الحال بانتظار تصاعد التذمر داخل مستعمرتهم السابقة على أمل أن يؤدي الى تغيير النظام والاتيان بالمعارضة الايرانية التي يقيم قادتها في الدول الغربية بانتظار اشارة العودة لاستلام الحكم. كذلك يعول على استياء المجتمع من العقوبات اضعاف الموقف التفاوضي الايراني في أي مفاوضات قادمة معهم ما يدفعهم للقبول بالشروط الأمريكية. ويبدو ان التكتيك الأمريكي قد حقق بعض أغراضه لكن دون اهتزاز أسس النظام القائم وهذا ما يبدو في الظاهر على الأقل. فقد استجاب الايرانيون للتفاوض مع الولايات المتحدة نتيجة وساطة روسيا على أمل رفع العقوبات الاقتصادية والمالية والسياسية المفروضة عليها منذ سنين والتي سببت معاناة واسعة بين الجماهير الايرانية.
لكن لا يجب اغفال حقيقة ان الوفد الامريكي قد لعب الدور الرئيسي في المباحثات في حين كانت مساهمة بقية الوفود بروتوكولية في الغالب، وقد أشار لهذا وزير خارجية روسيا لافروف بعد صدور البيان عن التوصل الى اتفاق بين ايران والسداسية. فعن ماذا دارت المباحثات التي كانت أكثرها ثنائية بين الوفد الأمريكي والوفد الايراني...؟؟
لم يعد سرا ان الولايات المتحدة تضع روسيا والصين في قمة قائمة أعدائها وهي تبحث بجدية لإشعال حرب ضد روسيا التي وقفت بكل عناد ضد الهيمنة الامريكية على العالم. فايران تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم بعد روسيا ويمكنها أن تحل مكانها بكل سهولة كمصدر للغاز والنفط الى دول الاتحاد الأوربي. فقدرة ايران على تصدير الغاز اذا ما استكملت وسائل نقله الى أوربا تقدر بـ 150 بليون مترا مكعبا سنويا في حين ان قدرة روسيا الحالية هي في حدود 140 بليون متر مكعب سنويا. وحاليا تلبي الصادرات الروسية 44% من احتياجات الاتحاد الأوربي من الغاز ومن النفط 32% ومن الفحم 26%. وتبلغ ايرادات روسيا من تلك الصادرات حوالي 515 بليون دولارا سنويا تغطي ما نسبته حوالي 52% من موارد الميزانية المالية الروسية. واضافة الى ذلك تعتبر روسيا شريكا تجاريا مهما لدول الاتحاد الأوربي الذي تعمل الولايات المتحدة على تقليصه الى أدنى حد ممكن رغم الصعوبات الجدية التي يتسبب بها للأوربيين. الجهد الخاص الذي بذلته الولايات المتحدة للتوصل الى اتفاق مع ايران تحت عنوان النشاط النووي الايراني لم يتوقف عند هذا، بل شمل اهتمامات أخرى في ايران.
فموقع ايران الاقليمي يرشحها لاعبا مهما يمكن ان يخدم الاستراتيجية الجيوسياسية الأمريكية في هذه المنطقة حيث تعتبر جسرا الى دول أسيا الوسطى التي ترتبط مع روسيا بعلاقات اقتصادية وسياسية وثيقة وهي لذلك على القائمة الأمريكية لتغيير الأنظمة أسوة بأوكرانيا وجورجيا وغيرها لتضييق الخناق أكثر على روسيا بوتين. لكن ليس كل ما تخطط له الولايات المتحدة من أدوار لإيران قابلا للتنفيذ والتحقيق عمليا. ففي مقال للكاتب الأمريكي مايك ويتني عن الموضوع النووي الايراني وصادرات الغاز والنفط الروسيين الى أوربا يقول فيه " وفق الحسابات الأمريكية يمكن بكل بساطة ازاحة روسيا تماما من السوق الأوربية واحلال ايران محلها، وبالسهولة نفسها يمكن الحديث عن دخول ايران نادي الناتو وتحولها الى جسر نحو اسيا الوسطى وروسيا. وان الـ150 صفحة التي ضمت الاتفاق النووي مع ايران ليس فيها أي شيء عن النووي الايراني، بل عن تصدير النفط والغاز، انه عن الجيوبوليتيك. وان اهتمام أوباما ليس نسب التخصيب، بل الهيمنة على العالم وهو شاغله الرئيسي. ان الأمريكيين يتصورون ان كل الدول مثلهم ولهذا ذهبوا بعيدا في توقعاتهم فإيران لن تطعن أصدقائها في الظهر كما يفعلون هم."
وينقل وتني مقتطفات طويلة من مقال للدكتور Bijan Khajehpour في مجلة سبوتنيك الروسية نشير الى ملخص موجز لها أدناه:
" فمع ان موسكو وطهران منتجين كبيرين ومتنافسين للطاقة الا ان الاتفاق النووي الأخير سيعزز تعاونهما المشترك. وبينما يتوقع الغرب ان تشتد المنافسة بين الدولتين عندما ترفع العقوبات الغربية عن ايران يرى الدكتور بيجان ان مثل تلك التوقعات ساذجة. يجب النظر الى واقع العلاقات بين ايران وروسيا من منظور أوسع وأكثر شمولية فدورها سيكون كبيرا في ستراتيجية موسكو الاقتصادية الصاعدة في أسيا. فايران تتطلع للعب دور في منظمة التعاون الاقتصادي SCO "شنغهاي" التي تحتل فيها حاليا صفة مراقب. وتضم المنظمة حاليا ستة أعضاء دائميين وهم : روسيا والصين وكازخستان وقرغيزستان وطاجكستان وأوزبكستان ويمكن ان تنضم اليها كلا من اليونان وسوريا مستقبلا. أما الأعضاء بصفة مراقب فهم الى جانب ايران : منغوليا والهند وباكستان وأفغانستان. وتطمح ايران ايضا للانضمام الى منظمة BRICS " البريكس " المكونة حاليا من روسيا والبرازيل وجنوب افريقيا والهند والصين. وتستعد ايضا للمشاركة في "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي " EEU وبنك التنمية الاقتصادية NDB والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية AIIB وغير ذلك من منظمات التعاون الاقتصادي والمالي القائم على المصالح المتكافئة بين دول مستقلة. ومن المشكوك فيه ان تستبدل إيران تعاونها المتكافئ مع دول صديقة بتعاون يفقدها استقلالها ويخدم بالاساس المصالح الامبريالية للولايات المتحدة".
اضف تعليق