ذلك سيعزز الاستقلالية للمؤسسة الامنية وله مردود ايجابي على العملية الانتخابية عموما ويبعدها عن التنافس السياسي، بينما ترى جهات اخرى خاصة تلك التي تمتلك جناح عسكري سواء في الحشد الشعبي-العشائري او خارجه او من لها تأثير في احدى المؤسسات الامنية العراقية ان ذلك الامر لا يمكن تحقيقه...
تعد الانتخابات في النظم الديمقراطية الالية –الوسيلة الموصلة الى الحكم والمحققة لرغبات وطموحات وامال الشعوب في عملية اختيار من يمثلهم عكس ما هو موجود في النظم غير الديمقراطية التي لها وسائلها الخاصة في الوصول الى السلطة. وقد تختلف النظم الديمقراطية ذاتها باختيار النظام الانتخابي الذي يلائم بيئتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لذلك تسعى الدول وعلى قدر الامكان تصميم النظام الانتخابي وفق تلك المعطيات مراعية بذلك ظروف ومتغيرات تنشئ خلال فترة معينة.
ان اختيار النظام الانتخابي لا يحقق بذاته الاهداف المرجوة سواء للسلطات او الافراد بقدر ما يحيط ذلك النظام من اجراءات فنية ومالية وقناعات الاحزاب السياسية والكتل اضافة الى مبدأ الشمولية في من يمثلهم وفق الشروط التي تضعها السلطة المختصة بذلك ومنها العمر والجنس وغيرها، لذلك لا يمكن منع احد من افراد الشعب من حقه الذي يكفله الدستور والقانون، الا ان بعض المشاكل قد تظهر بشان حرمان فئة نتيجة عوامل وظروف خاصة لها مبرراتها واسبابها وان كانت مقنعه لطرف وغير مقنعة لآخر.
لذا تعد الانتخابات العراقية المبكرة التي سيتم اجراءها في 10102021م ذات طبيعة خاصة تختلف عن سابقاتها سواء من حيث الفترة الزمنية والعوامل الدافعة لها والاسباب المؤدية الى قيامها والتي جاءت بعد احتجاجات شعبية كبيرة والظروف السياسية والامنية المحيطة بها اضافة الى الاجراءات الإدارية التي ابعدت تصويت الخارج من هذه الانتخابات وفق معطيات رأتها المفوضية العليا للانتخابات التي عزتها الى قصر الفترة الزمنية المطلوبة وهي ثلاثة اشهر، او تلك التي اعلنتها وزارة الخارجية العراقية ان العملية تستغرق وقتا طويلا من اجل فتح حسابات جارية باسم مكاتب المفوضية والموافقات الامنية والمالية التي تحيط بتلك العملية على الرغم من سلبيات القرار او وايجابياته الا ان ذلك لم يكن بمستوى اهمية المطالبات بشأن (حرمان افراد الاجهزة من التصويت) بحجج عديدة واسباب كثيرة.
ما شهدته الانتخابات العراقية منذ العام 2005م وحتى انتخابات العام 2018م من ظروف ومتغيرات وانبثاق حكومات وبرلمانات عنها وما صاحبها من مشاكل عديدة كانت الاتفاقيات والتحالفات السياسية والديمقراطية التوافقية والعمل بنظرية المكونات وهندسة النظام السياسي العراقي وفق ذلك كفيلة بحل جزء من تلك المشاكل، الا ان تلك الاساليب التي لم تكن مؤطرة دستوريا او قانونيا وانما فرضتها البيئة السياسية والاجتماعية وطبيعة العراق الديمقراطي الجديد مما جعلها عاجزة هذه المرة في انتخابات 2018م وما حصل فيها من عمليات تزوير وعدم ظهور ووضوح الكتلة الاكبر التي تشكل الحكومة حسب الدستور العراقي لعام 2005م، اضافة الى عوامل اخرى مجتمعة فجرت احتجاجات شعبية كبيرة (احتجاجات تشرين) والمطالب الكبيرة التي رفعتها ومن بينها تغيير النظام السياسي واسقاط الحكومة واجراء العديد من الاصلاحات في الجانب السياسي والاقتصادي وتعديل قانون الانتخابات المعتمد (سانت ليغو) وغيرها من المطالب.
لم تكن الاصلاحات التي اجرتها الحكومة المشكلة (برئاسة عادل عبد المهدي) والتي لم تكن نتيجة الانتخابات والكتلة الاكبر بل توافقات واجتماعات ورغبات هنا وهناك كفيلة ببقائها وهذا يرجع الى عوامل عديدة سابقة ولاحقة فابتداءا من نسبة التصويت المنخفضة في انتخابات عام 2018م والتي ولدت حكومة فاقدة للشرعية وعدم وضوح من هي الكتلة الاكبر والظروف التي رافقت تلك الحكومة من حيث التعامل مع الاحتجاجات افقدها المشروعية بالتالي جعل من بقاءها امرا مستحيلا، كلفت جهات بتشكيل حكومات بعدها وفشلت اخرى وفي النهاية فرجت واعلنت حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي التي تمثلت مهامها في تسير الامور اليومية الى حين اجراء انتخابات مبكرة تلبي طموحات ورغبات الشعب عموما وتشرين على وجه الخصوص (على اليقين ان تشرين تعبر عن الشعب ومن الشعب) لكن هناك من لا يراها كذلك.
رجوعا الى حرمان افراد المؤسسة الامنية من التصويت او السماح لهم والاسباب الموردة لهذا الطرف او ذاك وحسب المصلحة احيانا والاحتجاج بالدستور كونه ضمن لهذه الفئة حق التصويت، لا يوجد في الدستور العراقي النافذ لعام 2005م ما يمنع فئة من حقها في التصويت سواء من يسكنون في الخارج والتي حرمتهم المفوضية من ذلك الحق لأسباب تم ذكرها اعلاه، او من يحق لهم في التصويت الخاص (افراد المؤسسة الامنية بكل صنوفها وغيرهم) الا ان مانراه في الوقت الحالي كثرة المطالبات بضرورة حرمان هذه الفئة من التصويت جاءت هذه المطالبات في انتخابات عام 2018م لكنها زادت في هذه المرة.
ما يلاحظ ان تلك المطالبات اتت من احزاب وجهات سياسية لا تملك في الغالب اجنحة عسكرية وتخشى من استغلال الاحزاب السياسية المالكة تلك الاجنحة العسكرية من استغلالها لصالحها مثلما حدث في الانتخابات السابقة والتأثير الكبير للقادة والآمرين على الجنود والافراد داخل تلك المؤسسات الامنية، حيث ترى تلك الجهات ان ذلك سيعزز الاستقلالية للمؤسسة الامنية وله مردود ايجابي على العملية الانتخابية عموما ويبعدها عن التنافس السياسي، بينما ترى جهات اخرى خاصة تلك التي تمتلك جناح عسكري سواء في الحشد الشعبي-العشائري او خارجه او من لها تأثير في احدى المؤسسات الامنية العراقية ان ذلك الامر لا يمكن تحقيقه كونه من الحقوق السياسية للأفراد العاملين في تلك المؤسسات شأنهم في ذلك بقية افراد الشعب، وان الادعاء بوجود استغلال او ترغيب وترهيب احيانا من قبل بعض الجهات او القادة والآمرين يستدعي وضع اليات حماية ورقابة والحد منها وليس الحرمان من التصويت مما يعني الفشل امام تلك التحديات.
لذلك برزت في هذه الانتخابات مطالبات عديدة بشأن الامن الانتخابي لعلها المرة الاولى في تاريخ العراق الانتخابي الجديد، تلك المطالبات تنوعت من جهات حكومية وسياسية ودولية ايضا في محاولة جادة هذه المرة لمنع التزوير فيها وتحقيق النزاهة، لذا شكلت الحكومة العراقية لجنة من العمليات المشتركة والجهات ذات العلاقة بشأن تطبيق ما اسمته (الخطة الامنية الشاملة للانتخابات) التي انطلقت اليوم المصادف 1192021م أي قبل شهرا من موعد اجراءها الامر الذي يظهر اهمية تلك الانتخابات، اضافة الى ذلك فإن لجنة الدفاع والامن النيابية اكدت انها في تعاون مستمر مع المفوضية العليا للانتخابات بشأن تعزيز الامن الانتخابي ومنع استغلالها من أي جهة وابعاد حالات الفساد التي ممكن ان تحصل، لذلك ترى تلك الجهات المساندة للتصويت الخاص ان الغاء أي انتخابات لأي فئة يمثل اقصاء على الرغم من الاعتراف بشأن وجود اجنحة عسكرية او سيطرة بعض الاحزاب السياسية على افراد داخل بعض المؤسسات الامنية وبالتالي فالحل هو ايجاد علاج وطريقة تنهي تلك الحالات بدلا من الغاء التصويت.
لذلك نرى ان ضمان نزاهة الانتخابات التشريعية وصناعة-وتعزيز وضمان الامن الانتخابي يتحقق من خلال وضع اليات وخطط عديدة يشترك فيها الجميع ويتطلب جهود مضاعفة بشرية ومالية وفنية وامنية، ابتداء من وجود مراقبين محليين من منظمات المجتمع المدني العراقي او الاقليمي والدولي المتخصصة والمهتمة بالعمل الانتخابي داخل المؤسسات الامنية بشكل كبير ومتزايد ووضع كاميرات مراقبة على مراكز التصويت وان كان ذلك يتطلب اموالا كبيرة وتعاون اكبر.
اضافة الى منع تواجد المرشحين وخصوصا من ينتمون لجهات سياسية لها اجنحة عسكرية بصورة مباشرة او تأثير غير مباشر من التواجد داخل تلك المؤسسات الامنية ومنع اقامة الندوات والدعايات الانتخابية داخلها او التواصل معهم يوم الانتخابات سواء مباشرة او بصورة غير مباشرة قدر الامكان وان كانت المهمة ليست بالسهلة، كذلك ابعاد الاحزاب السياسية وتأثيراتها على افراد المفوضية فقد شهدت الايام السابقة احباط العديد من المحاولات الساعية لتزوير الانتخابات عبر الضغط على عدد من موظفي مفوضية الانتخابات بهدف خلط الأوراق السياسية وإثارة الفوضى حسب ما أعلنت الحكومة العراقية عن ذلك.
لا يقف الامر عند ذلك فحسب بل يتعداه الى مسألة ذات ارتباط مباشر بشأن منع التزوير وهي ما اعتمدته المفوضية في هذا التصويت فقد اكدت ذلك من خلال " ان المفوضية ملتزمة بنصوص قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020م والذي نصت احدى مواده على ان يكون التصويت الخاص بالبطاقة البايومترية، والذي يشمل تصويت القوات المسلحة والاجهزة الامنية والناخبين النازحين ونزلاء السجون والتصويت الخارج"، ما يمكن الاشارة اليه هنا رغم اهمية ذلك والذي يعد آلية ناجعة لمنع التزوير الا ان الامر الاهم منه يتمثل في الضغط على افراد المؤسسة الامنية والتأثير بهم لذلك يتطلب العمل على ابعادهم عن تلك التأثيرات وبوسائل متنوعة.
واخيرا يتطلب الامر في جميعه توعية وثقافة واقامة الورش على الافراد في تلك المؤسسات من قبل المؤسسات الحكومية المعنية في بيان اهمية الصوت الانتخابي وضرورة وضعه في المكان المناسب وتوفير الحماية لهم من خلال الاليات والضمانات الكفيلة في حال تعرضهم لمضايقات من قادة وامرين وجهات متنفذة، مما يسهم في النهاية في تعزيز الاستقلالية للمؤسسة الامنية خصوصا والعملية الانتخابية عموما ويبعد تلك المؤسسة عن محاولات النيل منها في كل مناسبـة.
اضف تعليق