تونس ذا ديمقراطية ناشئة تحتاج الى المزيد من الجهد والوقت من اجل تعزيز الديمقراطية وتحسين الوضع المعاشي لمواطنيها وتحقيق التنمية. وهنا تطرح اجراءات سعيد السؤال التالي: هل يمكن تحقيق ذلك بمزيد من الديمقراطية، ام بالنكوص الى الدكتاتورية عبر حصر السلطة بيد فرد واحد يحكم في غياب الرقابة البرلمانية؟...
تفتح اجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد الاخيرة الباب امام نقاش سياسي ودستوري معقد حول الديمقراطية واجراءات مكافحة الفساد او الظروف الطارئة.
ديمقراطيا، تجيز دساتير بعض الدول الديمقراطية منح رئيس السلطة التنفيذية سلطات استثنائية لمواجهة حالة طارئة مثل الحرب او الوباء او الفساد او ما شابه. وقد اقرت الديمقراطية الاثينية هذا الاجراء لمدة محددة. وهذا ما اجازه الدستور التونسي في المادة او الفصل الرقم ٨٠ ذلك حيث نص: "لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية". وقد وضعت المادة نفسها الكثير من القيود والتدابير الاحترازية التي تمنع الرئيس من الاستبداد بهذه السلطات الاستثنائية منها: استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، والاعلان عن هذه التدابير في بيان إلى الشعب.
وقالت المادة ٨٠ انه يجب "أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة."
واضافت: "وبعد مضيّ ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما. ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب."
والواضح من مقارنة هذه المادة مع اجراءات الرئيس التونسي انه خالف نص وروح الاحترازات المذكورة وعلى رأسها عدم استشارة رئيس الحكومة، وتجميد عمل البرلمان، على الضد تماما من النص الدستوري القاضي ببقاء البرلمان في حالة انعقاد دائم. وبرر الرئيس هذه الاجراءات بالفساد، والصراعات على السلطة، والازمة الصحية.
وبالنظر الى ما حققته تونس من تقدم على المسار الديمقراطي منذ الاطاحة بزين العابدين، فان هذه الاجراءات تمثل نكسة او نكوصا في المسار الديمقراطي التونسي. فتونس هي الدولة العربية الوحيدة، (من بين ما سمي بدول الربيع العربي الذي تحول الى خريف قاسٍ في سوريا وليبيا واليمن)، التي استطاعت ان تحقق مستوى من الديمقراطية وضعها في قائمة الدول ذات الديمقراطيات المنقوصة حيث احتلت المرتبة ٥٤ على الصعيد العالمي، محرزة درجة نجاح ب ٦,٥٩، مقارنة بالعراق مثلا الذي احتل الموقع ١١٨، محرزا ٣.٦٢ درجة فقط (درجة رسوب). وهذا لا يعني ان تونس تمثل حالة ديمقراطية نموذجية مقارنة، مثلا، بالنرويج التي احتلت المرتبة الاولى محرزة ٩,٨١. فتونس واحدة من بلدان العالم الثالث (العربي، الافريقي، الاسلامي) حيث يبلغ معدل الدخل الصافي الشهري للمواطن التونسي حوالي 650 دينارا بحسب تصنيف موقع نومبيو (Numbeo) المختص في الإحصائيات المتعلّقة بكلفة المعيشة ورفاهية الحياة في مختلف البلدان والمدن حول العالم. وحلّت تونس في المرتبة الـ 102 من اصل 115.
وهذا يعني ان تونس من الدول الفقيرة في العالم، فضلا عن كونها بلدا ذا ديمقراطية ناشئة تحتاج الى المزيد من الجهد والوقت من اجل تعزيز الديمقراطية وتحسين الوضع المعاشي لمواطنيها وتحقيق التنمية. وهنا تطرح اجراءات سعيد السؤال التالي: هل يمكن تحقيق ذلك بمزيد من الديمقراطية، ام بالنكوص الى الدكتاتورية عبر حصر السلطة بيد فرد واحد يحكم في غياب الرقابة البرلمانية؟
اضف تعليق