ينبغي ان نحذر من كسر قوانين الدولة وتجاوز على إرادتها وهيبتها ونفوذها وسيادتها. وكثيرا ما يحدث هذا في الدولة الفاشلة التي تتعدد فيها مراكز النفوذ والسلطة والقرار، الدولة الموازية وليد غير شرعي يهدم الدولة ومؤسساتها ويفرغها من محتواها ويصادر قراراتها ويتجاوز على أمنها واقتصادها ويشكل خطرا على أمن مواطنيها...
كتب الباحثون كثيرا عن الدولة الموازية والدولة العميقة، وفي ما أكتبه هنا لست معنيا بما ذهب إليه هؤلاء الباحثون من أمثال الباحث المغربي حسن أوريد، ولكن قد أتفق معهم في أن الدولة الموازية لديهم (تخترق مختلف مناحي الحياة العامة من أجهزة أمنية وقضاء ومؤسسات اقتصادية وجمعيات ونقابات وحتى أحزاب سياسية).
ما أردت أن أذهب إليه في مفهوم الدولة الموازية هو نفوذ وسلطة بعض الزعامات التي قد تصبح أحيانا أقوى من الدولة ومؤسساتها وبخاصة إذا كانت هذه الزعامة مدعومة بامبراطورية كبيرة من مؤسسات المال والإعلام.
في بعض الدول الديمقراطية أو تلك التي تسير نحوها، يسعى رجال الأعمال للتحالف مع بعض السياسيين وتقديم الدعم لهم، أو قد يدخل رجل المال والأعمال الى المجال السياسي ليضيف الى سلطته المتمثلة بالمال والثروة سلطة أخرى تتمثل بالنفوذ السياسي، حتى ان مجلس الشعب المصري أواخر أيام حكم مبارك كان لرجال الأعمال فيه القدح المعلى، فضلا عن وجودهم الواضح في صفوف الحزب الحاكم آنذاك.
وفي أحيان أخرى يسعى بعض رجال السياسة نحو رجال الأعمال للحصول على دعمهم، فتكون عملية التخادم بين السياسة ورجال الأعمال. ولكن في الدول التي ينخر مؤسساتها الفساد المالي والإداري تصبح ثروات البلاد نهبا لهذا الزعيم أو ذاك كل بحسب شطارته وفهلوته، فيصبح هذا السياسي الكبير مالكا لمؤسسات مالية كالبنوك او مؤسسات إعلامية كالقنوات الفضائية والصحف التي يحتاجها أي سياسي لتجميل صورته وتسويق زعامته.
يمكن ان تكون الدولة الفاشلة بيئة ملائمة لوجود الدولة الموازية، او قد تكون الدولة الموازية احد مظاهر الدولة الفاشلة، ولكن ليست كل دولة تتمظهر فيها الدولة الموازية هي دولة فاشلة، اذ هناك بعض الدول القوية المستقرة ظاهرا تحتوي على ظاهرة الدولة الموازية او الدولة العميقة.
فتركيا على سبيل المثال التي تعد دولة مستقرة سياسيا رغم وجود المشكلة الكردية وبعض الممارسات العنفية، الا انها تعد من الدول القوية اقتصاديا وسياسيا ولها مكانة دولية مرموقة رغم ملف حقوق الانسان وهضم حقوق الاقليات كملف يبرز بين الاونة والاخرى.
كل هذا يعني ان تمظهرات الدولة الموازية لا يقتصر وجودها على الدول الضعيفة او الغير مستقرة او الفاشلة، فليست كل دولة تتمظهر فيها الدولة الموازية هي دولة فاشلة، ولكن كل دولة فاشلة يمكن ان توجد فيها تمظهرات الدولة الموازية لانها توفر البيئة الملائمة لوجود هذه الظاهرة السياسية.
ولكن هل الدولة الموازية ظاهرة سياسية؟؟
نعم هي ظاهرة سياسية على السطح ولكن اركانها ودعامتها اقتصادية واعلامية وقد تكون لها بعض الدعامات السياسية كوجود الاحزاب التي تشكل جزء منها وداعم لها وفي بعض الاحيان تكون لها دعامات عسكرية كالمليشيات والعصابات والمجاميع المسلحة، ففي العراق مثلا تتمظهر الدولة الموازية في سلطات زعماء الكتل السياسية اللذين يملكون المال والاعلام والجيوش المسلحة بسلاح افضلا من اسلحة قوى الامن والجيش.
الزعماء السياسيون في العراق يشكل كل واحد منهم سلطة قائمة بذاتها، وقرار سياسي ليس له علاقات بقرارات الدولة وارادتها، له علاقاته الدولية وله دعمه الذي يتلقاه سياسيا وعسكريا واعلاميا، تعد ظاهرة الدولة الموازية في العراق اخطر الظواهر عالميا واكثرها فرادة ونخرا لهيبة الدولة.
ينبغي ان نحذر من كسر قوانين الدولة وتجاوز على إرادتها وهيبتها ونفوذها وسيادتها. وكثيرا ما يحدث هذا في الدولة الفاشلة التي تتعدد فيها مراكز النفوذ والسلطة والقرار، الدولة الموازية وليد غير شرعي يهدم الدولة ومؤسساتها ويفرغها من محتواها ويصادر قراراتها ويتجاوز على أمنها واقتصادها ويشكل خطرا على أمن مواطنيها.
اضف تعليق