q
هل العمل السياسي معركة بين أطراف متخاصمة ام تنافس على تحقيق الخير العام؟ ثمة تصوران على الاقل في الاجابة عن هذا السؤال. التصور الاول يرى ان العمل السياسي معركة تكون نتيجتها التصفية الجسدية او السياسية للطرف الاخر، ويحصل هذا في ثلاث حالات على الأقل...

هل العمل السياسي معركة بين أطراف متخاصمة ام تنافس على تحقيق الخير العام؟ ثمة تصوران على الاقل في الاجابة عن هذا السؤال. التصور الاول يرى ان العمل السياسي معركة تكون نتيجتها التصفية الجسدية او السياسية للطرف الاخر.

ويحصل هذا في ثلاث حالات على الاقل:

الحالة الاولى حين يكون التناقض بين الطرفين (او اكثر) جذريا الى درجة لا يمكن معها تصور امكانية وجود الطرف الاول بوجود الطرف الثاني، او بالعكس. وهذا كما لو كان العمل السياسي عبارة عن صراع بين نظام دكتاتوري من جهة، وقوى ديمقراطية معارضة للدكتاتورية من جهة ثانية. وهذا ما كان يحصل في عهد صدام حسين. ولذا يكون شعار المعارضين اسقاط النظام، ويكون هدف النظام ابادة المعارضين.

الحالة الثانية، حين تكون يتخذ الفاعلون السياسيون من العمل السياسية وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية او الفئوية المتعارضة فيما بينها.

الحالة الثالثة، حين يكون المجتمع متخلفا من الناحية الحضارية والسياسية ولم يرتقِ الى مستوى العمل السياسي الحضاري الديمقراطي الذي يمثله التصور الثاني الاتي.

يقول جورج بوردو في كتابه القيم "الدولة" انه" في الواقع وعبر التاريخ، في كل مرة سيطرت على ذهن الانسان الفكرة القائلة ان السياسة هي معركة كان المجتمع الذي ساد فيه هذا التصور مجتمعا عميق الانقسام".(ص ١٥٧ من الترجمة العربية الصادرة في عام ١٩٨٥).

التصور الثاني يملك رؤية مغايرة للسياسية وللعمل السياسي باعتبارهما رعايةً لشؤون ومصالح المجتمع والدولة في ضوء رؤية معينة. ولتحقيق هذه الرعاية يسعى اصحابها الى الوصول الى السلطة. ومن الطبيعي ان نتصور ان هناك اكثر من رؤية لمفهوم الرعاية والخير العام والمصلحة العامة. رؤيتان كحد ادنى. ولما كان المجتمع حسن التنظيم، والفاعلون السياسيون متحضرين، فانهم يسلكون الطريق الديمقراطي من اجل الوصول الى السلطة. ويتميز هذا الطريق باستخدام الوسائل السلمية والتنافس الانتخابي لتداول السلطة بدون اراقة دماء. وبناء على هذا التصور، فان السياسة في هذا المجتمع عبارة عن تنافس بين اصحاب الرؤى المختلفة من اجل تحقيق الخير العام للمجتمع والدولة. فالسياسة هنا ليست معركة. انما عبارة عن تسويات وحلول وسط بين اراء وافكار مختلفة.

لتطبيق هذه الرؤية على المجتمع العراقي، على الاقل منذ ١٤ تموز عام ١٩٥٨، سوف نلاحظ ان السياسة كمعركة هي السائدة وكأن الاطراف السياسية، اي الاحزاب، داخلة في معركة حربية تستخدم فيها كل انواع السلاح، وتغيب فيها قواعد الاشتباك.

في المجتمعات المتحضرة يتم حل التعارضات والاختلافات بطريقة سلمية تستهدف الوصول الى حلول وسط. هذا ما حصل حين برز التعارض بين التوجه الاشتراكي والتوجه الراسمالي في الدول الغربية. وتم حل هذا التعارض باجراء تغييرات جذرية في الرأسمالية وجعلها تسير في طريق وسط بين ادم سميث من جهة، وكارل ماركس من جهة ثانية. فاخذت الدول الرأسمالية بمبدأ تدخل الدولة، والحد من الحرية الاقتصادية اذا تعارضت مع المصلحة العامة، والضمان الاجتماعي، والملكية الجماعية لوسائل الانتاج وغير ذلك.

رفع سقوط النظام الدكتاتوري الغطاء عن التعارضات الموجودة داخل المجتمع العراقي. لكن الممارسة السياسية بعد ذلك برهنت على ان الفاعلين السياسيين مازالوا يعدون السياسة معركة وليست تسوية، ولهذا لم يستطيعوا الاخذ بمبادئ المواطنة والديمقراطية والتنازلات المتبادلة والتسويات. وهذا ما يفسر وصولهم الى الانسداد السياسي، الامر الذي اثر سلبيا على قدرة الدولة على الانجاز.

واليوم، اضحى مطلوبا اكثر من اي وقت مضى حل هذه التعارضات الموجودة بطريقة السياسة كتسوية من اجل الصالح العام، وليس السياسة كمعركة من اجل تحقيق الانتصار على الطرف المقابل، وهذا لا يمكن ان يتم خارج اطار فكرة الدولة الحضارية الحديثة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق