التنشئة الحضارية تعني تربية الفرد على القيم الاخلاقية العليا الحافة بالمركب الحضاري. والمركب الحضاري يتألف من خمسة عناصر هي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. والقيم الحضارية هي مؤشرات السلوك المتعلقة بكل واحدة من هذه العناصر، وبالالتزام بهذه القيم يستطيع المركب الحضاري ان يحقق السعادة للإنسان...

لا يتحقق الاصلاح بدون تنشئة حضارية لأفراد المجتمع من خلال مؤسسات تربوية صالحة وقادرة، التنشئة الحضارية تعني تربية الفرد على القيم الاخلاقية العليا الحافة بالمركب الحضاري. والمركب الحضاري يتألف من خمسة عناصر هي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. والقيم الحضارية هي مؤشرات السلوك المتعلقة بكل واحدة من هذه العناصر. وبالالتزام بهذه القيم يستطيع المركب الحضاري ان يحقق السعادة للانسان. وتنمية انتاجية المجتمع.

ويؤدي عدم التزام الناس بالقيم الحضارية الى ظهور الفساد في المجتمع. والقران يقول:"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ". والكسب المؤدي الى ظهور الفساد هو السلوك المخالف للقيم الحضارية العليا.

ولا ينحصر الفساد في جانب دون اخر، فكل حقول السلوك الانساني قابلة للفساد او الصلاح تبعا لدرجة التزام/ او عدم التزام/ الناس بالقيم الحضارية العليا. ومن هنا تنوع اشكل الفساد: الفساد السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والاجتماعي، والتربوي .. الخ.

وحين تتوجه نخبة صالحة رافضة للفساد نحو اصلاح المجتمع، فان عليها ان تبدأ باصلاح الخلل في الالتزام بالقيم الحضارية العليا. الاصلاح يعني اعادة بناء منظومة القيم الحضارية، واعادة تربية الافراد على اساس هذه القيم من خلال المؤسسات التربوية الصالحة.

وفي المجتمع العراقي تحديدا، فان اهم مؤسستين لاصلاح النظام الاخلاقي للمجتمع هما المؤسسة الدينية والمؤسسة التربوية (المدرسة).

تستطيع المؤسسة الدينية ان تؤدي دورا ايجابيا مهما وكبيرا في هذا المجال بسبب التأثير الكبير الذي تملكه هذه المؤسسة على الناس.

وتمارس المؤسسة الدينية هذا الدور من خلال خطب الجمعة والاحد والنشاطات التربوية التي يمكن اقامتها في المساجد والجوامع والحسينيات والكنائس ومراكز الارشاد الاخرى، اضافة الى ادواتها الاخرى الكثيرة. ولا يمكن قياس هذا الدور على مثيلاته في المجتمعات التي لا تملك فيها المؤسسة الدينية دورا مؤثرا مشابها لقوة تأثير المؤسسة الدينية في العراق.

وقد يكون دور المؤسسة الثانية، اي المؤسسة التربوية اكبر. ذلك ان الفرد العراقي يكون في عهدة المؤسسة التربوية ١٢ سنة يضاف اليها ٤ سنوات جامعية. وهي فترة زمنية طويلة يمكن من خلالها صقل شخصية الفرد وتربيته بصورة تجعل منه مواطنا صالحا متحضرا فعالا.

ويتم ذلك اذا استطاعت الجهة المسؤولة عن الطلبة، وهي وزارتا التربية و التعليم العالي، وضع نظام تربوي حضاري حديث، يغطي فترة ال ١٢-١٦ سنة، ويقوم بتنفيذه مدرسون امناء على وظيفة المدرس او المعلم التربوية ومسؤوليته الاخلاقية. ومنذ سنوات وانا اكرر الدعوة الى وضع هذا النظام التربوي الجديد والشروع بتطبيقه مع بداية كل عام دراسي جديد. وكانت اخر مرة طرحت فيها هذا المقترح مع بداية تولي عادل عبد المهدي منصب رئيس الوزراء، حيث طرحت عليه الفكرة بالنشر العام والخاص، لكن للآسف لم اجد استجابة لذلك. واليوم، ومع اقتراب الاعلان عن تشكيل حكومة جديدة، فاني ادعو رئيس الوزراء الجديد الى تبني الفكرة واطلاق عملية تنفيذها وفق مخطط يستغرق ١٢ سنة. ولأن الحكومات تتغير، فاني ادعو الى تشكيل "اللجنة الدائمة للنظام التربوي الحديث" التي تتولى تنفيذ هذه الفكرة بشكل متواصل دون التأثر بتغير الحكومات والوزراء على ان تستمر وزارة التربية بالقيام باعمالها اللوجستية hardware كالمعتاد. والفكرة الاساسية في هذا المشروع تكمن في بث القيم الحضارية والاخلاقية العليا في كل المقررات والكتب المدرسية، في مختلف العلوم والفروع، فضلا عن النشاطات الصفية واللاصفية التي تستهدف تعميق وترسيخ هذه القيم في شخصية الطالب وسلوكه وتصرفاته على ان تقوم اللجنة الدائمة بتحديد القيم الحضارية المقصودة والمطلوبة وتوزيعها على سنوات الدراسة تبعا لعمر الطالب، وبشكل تراكمي.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق