أحد أبرز مظاهر هذا النظام هو التحالف الوثيق بين السياسيين وأصحاب رؤوس الأموال. يُموّل رجال الأعمال الحملات الانتخابية للسياسيين، مقابل الحصول على عقود حكومية وصفقات مربحة. في المقابل، يُمكّن السياسيون هؤلاء المستثمرين من الوصول إلى الموارد العامة. لكن الأخطر من ذلك هو...
منذ عام 2003، دخل العراق مرحلة جديدة من الحكم، تميزت بإجراء انتخابات دورية وتعددية حزبية. لكن هذه المظاهر الديمقراطية لم تُفضِ إلى نظام حكم رشيد، بل أسفرت عن ما يمكن تسميته بـ"الأوتوقراطية الانتخابية"—نظام يُجري انتخابات شكلية تُعيد إنتاج نفس النخب الفاسدة، وتُكرّس شبكات المحسوبية والفساد.
أحد أبرز مظاهر هذا النظام هو التحالف الوثيق بين السياسيين وأصحاب رؤوس الأموال. يُموّل رجال الأعمال الحملات الانتخابية للسياسيين، مقابل الحصول على عقود حكومية وصفقات مربحة. في المقابل، يُمكّن السياسيون هؤلاء المستثمرين من الوصول إلى الموارد العامة. لكن الأخطر من ذلك أن العديد من السياسيين أنفسهم راكموا ثروات هائلة من خلال استغلال مناصبهم في الدولة، عبر العمولات والصفقات المشبوهة، وتوظيف المال العام لمصالح شخصية أو حزبية. وهكذا، لم تعد المناصب وسيلة لخدمة المواطنين، بل تحولت إلى أدوات للإثراء السريع والهيمنة الاقتصادية.
و بدلاً من أن تكون الانتخابات وسيلة للتغيير، أصبحت في العراق أداة لإعادة إنتاج الفساد. تُستخدم الأموال الفاسدة لشراء الأصوات، وتُستغل الانتماءات الطائفية والعشائرية لتوجيه الناخبين. كما تُستخدم وسائل الإعلام المملوكة من قبل رجال الأعمال المتحالفين مع السياسيين للترويج لمرشحين معينين، مما يُقوّض نزاهة العملية الانتخابية.
تُعاني مؤسسات الرقابة والمساءلة في العراق من ضعف شديد، نتيجة للتدخلات السياسية والتعيينات المبنية على المحاصصة. هذا الضعف يُتيح للمسؤولين الفاسدين الإفلات من العقاب، ويُشجع على استمرار الفساد في مختلف مفاصل الدولة.
لمواجهة هذا الواقع، يحتاج العراق إلى إصلاحات جذرية تشمل:
- إصلاح النظام الانتخابي: وضع قوانين انتخابية تُعزز من نزاهة العملية الانتخابية وتُقلل من تأثير المال السياسي.
- تعزيز مؤسسات الرقابة: تفعيل دور الهيئات الرقابية والقضائية، وضمان استقلاليتها عن التدخلات السياسية.
- محاربة الفساد: تطبيق قوانين صارمة ضد الفساد، ومحاسبة المسؤولين المتورطين بغض النظر عن مناصبهم أو انتماءاتهم.
- تعزيز الوعي المجتمعي: توعية المواطنين بأهمية المشاركة السياسية الواعية، ورفض الممارسات الفاسدة.
إن استمرار الوضع الحالي يُهدد مستقبل العراق واستقراره. لذلك، يجب على جميع القوى الوطنية والمجتمعية التكاتف لإحداث التغيير المطلوب، وبناء دولة تقوم على أسس العدالة والشفافية والمساءلة. وهذا هو بعض ما نعنيه بعنوان الدولة الحضارية الحديثة.
اضف تعليق