حظيت الديمقراطية بالكثير من المديح كمعيار ذهبي لأنظمة الحكومات. العديد من الدول كافحت ايضا لتطبيق هذا النظام على الدول الاخرى على حساب الكثير من الارواح. النظم التعليمية تكرّس فكرة ان الديمقراطية هي المثل الأعلى للناس. انها اصبحت بمثابة الدين. الحقيقة هي ان الديمقراطية بمثابة النقيض للحرية...
حظيت الديمقراطية بالكثير من المديح كمعيار ذهبي لأنظمة الحكومات. العديد من الدول كافحت ايضا لتطبيق هذا النظام على الدول الاخرى على حساب الكثير من الارواح. النظم التعليمية تكرّس فكرة ان الديمقراطية هي المثل الأعلى للناس. انها اصبحت بمثابة الدين. الحقيقة هي ان الديمقراطية بمثابة النقيض للحرية وليس اليوتوبيا التي يحلم بها الناس.
وهم الحرية
ان مفهوم الديمقراطية عادة يمتزج بالحرية. وهو الوهم بان الدول الديمقراطية هي دول حرة لأن النظام الانتخابي يزود المواطنين بوسيلة لحماية حقوقهم بالتصويت لطرد المسؤولين من الحكم. هناك عدة عيوب تبرز في هذا الجدال. اساسا، ان المواطن يحتاج مساعدة زملائه الناخبين لتأمين حقوقه، جهده الخاص بذاته لا يكفي. كذلك، من الممكن ان يكون زملاء الناخب هم أعداء بدلا من ان يكونوا اصدقاء لحريته. انظر كم كانت المواساة قليلة للجماعات الاثنية والدينية في المانيا حين سُمح لهم بجمع الأصوات في انتخابات المانيا الفيدرالية عام 1933 لأن الحزب النازي والاحزاب المتحالفة معه كانت لديهم القدرة على كسب المقاعد الكافية في الرايخ لضمان تمرير "قانون التمكين" الذي أعطى السلطة لهتلر كدكتاتور. ان مفهوم "رضا المحكومين" قد تحطّم على يد موري روثبارد Murray Rothbard(1).
المصوتون والمستهلكون
هناك مشكلة اخرى في الديمقراطية. سلوك الافراد كمستهلكين ومستثمرين يختلف كليا عن سلوكهم كمصوتين لأن هيكل الحوافز مختلف كليا. في السوق الحر، يكون قرار المستهلك في الشراء او عدم الشراء لسلعة معينة بسعر معين هو عرضة لموافقة المنتج والبائع، لكن ذلك لا يتطلب موافقة أغلبية الناس او ممثليهم. تأثير قرار الشراء هذا على حياة المستهلك اكثر بكثير من قراره في التصويت على قضية معينة في الانتخابات.
في اقتصاد السوق، كل من المنتج والمستهلك يتعاملان بسلع مختلفة ويقرران من خلال التجربة والخطأ الاشياء التي يرغبها المستهلك اكثر. كل من المنتجين والمستهلكين يضعون نقودهم على نفس الخط عند إجراء هكذا ممارسة، اما اولئك الذين لا يرغبون بالمشاركة في الممارسة هم أحرار في الامتناع عن عدم الاستثمار المالي فيها. اولئك الرافضون ليس لديهم سلطة ولا حاجة للتصويت بكلمة (لا) على المنتج، عدا سحب نقودهم منه.
ان الاصرار على ان جميع المواطنين القاطنين في منطقة معينة يجب ان يخضعوا للسلطة القضائية لحكومة ديمقراطية واحدة سيخلق صراعاً بين المشاركين الذين عادة يعملون بأهداف متضادة. هم يدخلون في جدال حول اي "خدمة" يجب ان توفرها الحكومة (مثل هل هي تحقيق في تعامل بالمخدرات او تحقيق في جرائم قتل) وما مقدار تلك الخدمة. انه مختلف جدا عن المستهلكين ذوي الافضليات المختلفة الذين يختارون سلميا وبطرقهم الخاصة، كأن يذهب أحدهم الى مطعم ماكدولند والآخر الى بيرغركنك.
الناخب في الديمقراطية الذي يصوت لقوانين سيئة او لقائد غير كفوء له نفس قوة التصويت في الانتخابات القادمة. والشيء ذاته يصح على الناخب الذي يصوت على أفضل القوانين والقادة الكفوئين نسبيا. لا توجد هناك آلية لتكريم فردي للمصوتين الحكماء او معاقبة السخفاء منهم. المكافئات والعقوبات في عدة حالات تُفرض على كل الخاضعين لسلطة الحكومة. المصوّت الذي هو ضمن أقلية يستطيع فقط الخروج من النظام بمغادرة البلد وهو خيار عالي الكلفة كون الناخب أنفق ماله ضمن النظام، هو لا يستطيع الربح من استثماراته حين يغادر البلاد مثلما يستطيع اصحاب الأسهم الأقلية في الشركة.
البحث عن ريع
وهذه ايضا قضية شائكة في الديمقراطيات لأنه في معظم الأنظمة الديمقراطية لاتُفرض علاقات تناسبية بين سلطة التصويت ومقدار المساهمات للنظام.
ان أغلبية المصوتين(الاكثرية) يمكنهم استعمال امتيازاتهم التجارية لفرض ضرائب على الأقليات الغنية نسبيا. هذا في تعارض مع الكيفية التي تُقام بها الشركات الخاصة والمنظمات. تلك المؤسسات الخاصة تخصص قوة تصويت وأرباح أسهم بطريقة ترتبط بكمية استثمار المصوت في النظام. اما في حالة البيروقراطيون فهم ليسوا فقط عمال للحكومة وانما مصوتون يسعون للحفاظ على مواقعهم عبر إعادة انتخاب الشاغلين للمناصب او عبر زيادة الضرائب لرفع رواتبهم الخاصة. ايضا، ان المسؤولين المنتخبين ليس لديهم حافز لتوفير افضل الخدمات الممكنة للناس. معظم المسؤولين المنتخبين هم فقط في المنصب لفترة قصيرة ربما 2 او 4 سنة. بمعنى هم فقط يستأجرون مناصبهم. لا حافز لديهم لترك المنصب الذي يشغلونه في مكان يُعتبر جيدا قياسا بما كانوا عليه سابقا. وبالتالي، يسعى المسؤولون المنتخبون لتعظيم سلطة مناصبهم لأجل مصالحهم الخاصة بدلا من مصلحة ناخبيهم.
عدم وجود منافسة
واذا كانت المنافسة في السوق تحسّن نوعية الخدمات، فان المنافسة ضمن النظام السياسي للدولة تقوم بالعكس. التحسينات تحدث فقط في الافعال اللااخلاقية: خداع، كذب، استغلال، سرقة، قتل. وبالتالي اولئك الذين هم الافضل في هذه المجالات يتفوقون في مثل هذا النظام السياسي. انه لا يعتمد على اولئك الحكماء بطبعهم، الاثرياء، الشجعان، او اي من ذوي الانجاز. بل في الديمقراطيات، كل شخص له الفرصة لممارسة السياسة كمهنة.
الشعار المناصر للديمقراطية كان "نحن نحتاج فقط انتخاب الناس المناسبين". هذا الشعار يتكرر في كل انتخابات. غير ان "الناس المناسبين" سوف لن يصلوا الى الحكم ابدا. حكمة الجموع عادة تُتخذ ذريعة، اي ان الرأي الجمعي لمجموعة من الافراد هو متفوق على رأي شخص واحد. عند تطبيق هذا على الديمقراطية سنجده أبعد ما يكون عن الحقيقة. الناخبون لهم القليل جدا من الحوافز لتعليم انفسهم في هذه القضية، او تحسين فهمهم للآثار المترتبة على الافعال السياسة. بعد كل هذا، لا توجد هناك مثبطات لعمل اختيارات خاطئة في صندوق الاقتراع. على عكس ما يحصل في السوق، الديمقراطية لاتوفر طريقة لتخصيص الموارد النادرة بفاعلية. هي فقط تتم عبر التصويت في صناديق الاقتراع دون اي عواقب. بكلمة اخرى، الحكومة هي سمسار في النهب، وكل انتخابات هي نوع من المزاد المُقام سلفا لبيع البضائع المسروقة.
الناخبون سوف يصوتون على تخصيص هذه الموارد التي تنسجم جيدا مع مصالحهم الخاصة بصرف النظر عن الحقائق الاقتصادية القائمة وتأثيراتها على المجتمع. وبالنتيجة، هناك فرصة للّاعبين لتعليم الجمهور كي يهيمنوا على الرأي العام. هؤلاء هم مختلف الكيانات مثل الاحزاب السياسية، مراكز البحوث، جماعات المصالح الخاصة، الشركات وغيرها. هذه الجماعات لها حصة كبيرة من الكعكة وسوف يستثمرون بقوة لكي يؤثروا على المخرجات السياسية كي تتلائم مع مصالحهم.
اغلبية تتعارض مع الحرية
الديمقراطية هي النقيض للحرية. ان اساس وحجر الزاوية في الحرية هو الملكية الخاصة، اما حكم الأغلبية فهو لا ينسجم منطقيا مع هذا المبدأ. ان ادارة الماكنة الاجتماعية للإجبار والقسر تأتي الى السلطة بواسطة الانتخابات التي بها يفرض صوت الاغلبية الهيمنة على الأقلية وامكانية مصادرة ملكيتهم. 51% من السكان يمكنهم السيطرة على الـ 49% الآخرين. انظر سكان الولايات المتحدة البالغين 322 مليون شخص. اي بمعنى 164 مليون يستطيعون إجبار الـ 158 مليون الآخرين للامتثال لأوامرهم. لكن الصورة ستكون أكثر قتامة لو عرفنا ان عدد الامريكيين المؤهلين للتصويت هو 218.9 مليون شخص، منهم فقط 146.3 مليون مسجلين للتصويت. في عام 2012 ذهب فقط 126.1 مليون شخص للتصويت. هذا يعني ان عدد المصوتين هو فقط 39% من السكان. وبالتالي فان شعار الاغلبية هو ليس الاّ مهزلة. وبالرغم من رسالة المبادئ الديمقراطية في المساواة والإنصاف، لكن لاشيء اكثر لاعدالة من هذه الصورة. الديمقراطية الحقيقية توجد بدلا من ذلك في السوق، حيث يكون اللاعبون الطوعيون احرارا من تهديد قوة الحكومة.
لننظر الآن في الحكام الديمقراطيين أنفسهم. لقد رأينا سلفا ضبابية الفرق بين الحكام والمحكومين. أي، "نحن دائما نحكم أنفسنا" و"الناس هم الحكومة". الديمقراطية تعد بان اي شخص يستطيع ان يكون رئيسا او عضو مجلس شيوخ او عمدة عاصمة. هذا اُعتبر "خدمة عامة" ويُمارس بتقدير عال. هؤلاء المسؤولون المنتخبون اُعطوا حدودا محددة سلفا في فترة حكمهم للمنصب. في حالة الولايات المتحدة، هذه تكون لأربع سنوات محددة في دورتين فقط. وهكذا يكون المجموع الكلي 8 سنوات.
بالاضافة الى هذه الفترات المحددة، المسؤولون المنتخبون ايضا اُعطوا سلطة على الموازنة العامة بدرجات متفاوتة. هذه الموازنات عادة تتم مصادرتها من الجمهور بوسائل مختلفة مثل الضرائب والتضخم. كذلك، هذه الموازنات تتقرر اعتباطيا طالما لا توجد آلية سعرية تسمح بتخصيص الموارد للمجالات الأكثر حاجة لها. فترات الحكم المحدودة مترافقة مع الموازنة العامة يخلق موقفا متفردا لهؤلاء المسؤولين.
باختصار، هم وكلاء مؤقتون لمنطقة معينة تخضع لسيطرتهم مع عدم وجود اي مخاطرة على مواردهم الخاصة. الوكالة المؤقتة على الموارد (الملكية العامة) تتعلق بشكل رئيسي بدخل الوكيل الحالي دون الاهتمام بقيمة رأس المال. بالمقابل، مالك الموارد (الملكية الخاصة) يهتم بالدخل الحالي المشتق من الموارد، وقيمة رأس المال المتجسدة فيه كانعكاس للدخل المتوقع في المستقبل. وبهذا، فان مصالح مالك الملكية الخاصة هي طويلة المدى، بينما مصالح الوكلاء المؤقتون هي قصيرة الاجل. ومن هنا فان المسؤولين المنتخبين ليس لديهم الحافز لعمل ما هو أفضل لحياة الناس. بدلا من ذلك هم يعظّمون استعمالهم للنظام لمصالحهم الخاصة وبأسرع ما يمكن قبل انقضاء فترة حكمهم. وما هو اسوأ، هناك المناصب المنتخبة بدون فترات محددة جرى شغلها بسياسيين يجيدون اللعب في النظام وحيث يمضون كل حياتهم يتغذون من المال العام.
زيف السلام الديمقراطي
احدى الردود العنيفة ضد الديمقراطية هو الادّعاء المتعلق بنظرية الديمقراطية السلمية. اي ان الدول الديمقراطية لا تذهب للحرب ضد بعضها، ولذلك، كل العالم يجب ان يكون ديمقراطيا. من السخرية، ان الولايات المتحدة وهي النموذج العالمي للسلام، كان دورها في الشؤون الدولية مخالف تماما في ضوء عقيدتها بالاستثنائية الامريكية والتحمس لإثارة الحروب. التبرير للحروب الدائمة هو ان العديد من اللاعبين الدوليين هم غير ديمقراطيين ويقاومون الاصلاحات الديمقراطية، ولذلك، نحن يجب ان نخوض الحرب ضد تلك الدول لكي نحوّلها نحو الديمقراطية ونخلق سلاما دائما.
نظرية السلام الديمقراطي تضع استنتاجاتها الواسعة ضمن فترة قصيرة من التاريخ الحديث مع حالات قليلة قبل القرن العشرين. في الحقيقة، الدليل الواسع الذي عُرض لدعم النظرية هو الملاحظة بان دول اوربا الغربية لم تذهب الى الحرب ضد بعضها بعد الحرب العالمية الثانية. ونفس الشيء، هناك حالات مثل اليابان وجنوب كوريا في اسيا.
لابد من الاشارة هنا الى ان هناك خيط مشترك واضح يعمل في جميع هذه الدول. ذلك انها جميعها اصبحت جزءا من الامبراطورية الامريكية. هذا يثبته الدليل بحقيقة ان هناك قوات امريكية استقرت تقريبا في جميع هذه الدول. ما نراه هو ليس ان الديمقراطية لاتذهب للحرب مع بعضها وانما هناك قوة مهيمنة كالولايات المتحدة لا تسمح لمختلف قواعدها الكولنيالية لمحاربة بعضها. خلال هيمنة الاتحاد السوفيتي الاقليمية، لا احد من دوله ذهب للحرب ضد بعضها. مع ذلك، لا احد يدّعي ان الدكتاتورية الشيوعية لاتخوض الحروب مع بعضها البعض، وهكذا، تكون الدكتاتورية الشيوعية احسن خيار للسلام. هناك ايضا عدد قليل من النزاعات بين الدول الديمقراطية، مثل الغزو التركي لقبرص، حروب يوغسلافيا، الحرب بين الاكوادور وبيرو، الحرب بين الهند وباكستان، والحرب بين اسرائيل ولبنان.
نظرية السلام الديمقراطي تفترض ايضا ان الديمقراطية هي الحل الوحيد للسلام وان الدول غير الديمقراطية هي ليست سلمية. غير ان هذا لا ينطبق على الدول التي كانت غير ديمقراطية لكنها مارست سياسات ليبرالية وسلمية. هناك عدد هائل من الملكيات ما قبل الحرب التي لم تكن دكتاتورية ومارست سياسات سلمية أكثر من تلك الانظمة الديمقراطية في زمانها. مثال على ذلك، عهد هابسبورغ في المانيا والنمسا، او الامبراطورية العثمانية المتعددة ثقافيا. ان الديمقراطيات هذه الايام تبدو في حالة دائمة من الحروب، انه التمويل العام اللامتناهي لجيوب السياسيين ومراكز الصناعة العسكرية. بدلا من نظرية السلام الديمقراطي، انها يجب ان تسمى نظرية الحروب المبررة.
نقص المعرفة
اخيرا، ان ادارة نظام حكم الاكثرية هي مهمة صعبة. الديمقراطية اسوأ وسيلة لمثل هذه المهمة طالما معظم الناخبين تنقصهم المعرفة والخبرة ولم يقوموا ببحوث للوصول الى قرارات سليمة. انه مشابه لأداء عملية فتح للقلب بواسطة التصويت. العملية ستكون فكرة مروعة لو تسمح للناخبين يقررون كيف يجب ان يتصرف الطبيب بالعملية الجراحية. المريض بالتأكيد سيموت، ونفس النتائج نتوقعها عند محاولة ادارة نظام الحكومة.
اضف تعليق