اثار مشروع قانون لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي، الذي حمل توقيع الجمهوري "ماك ثورنبيري"، جدلا واسعا بين الاوساط الرسمية والشعبية محليا، حتى وصل الامر الى حدود التهديد بضرب مصالح الولايات المتحدة الامريكية داخل وخارج العراق، في حال تم تمرير هذا القانون والمصادقة عليه، وعلى الرغم من وجود مراحل قانونية طويلة امام اكتساب هذا القانون صفته النهائية (من اجل تطبيقه)، والتي ستؤدي في نهاية المطاف الى اجراء العديد من التعديلات على مشروع القانون الذي يقع في (500) صفحة، بعد مروره بلجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، وصولا الى التوافق بين الطرفين (الجمهوري والديمقراطي)، ليتوقف اخيرا امام انظار البيت الابيض، الذي يملك رئيسه حق النقض في حال اراد اجراء المزيد من التعديلات او عرقلة المشروع، الا ان المشروع بصيغته الحالية اثار عدد من النقاط ذات الحساسية العالية بالنسبة للراي العام الداخلي والجهات الرسمية والدينية في العراق، والتي كانت وراء هذه الضجة الاعلامية الكبيرة والتصريحات الرسمية المتناقضة في مضمونها (بين المؤيد والمعارض)، بالرغم من ان المبلغ المخصص والذي يدور حولة مشروع القانون لا يتعدى المليار دولار امريكي، وكانت ابرز هذه النقاط او الشروط الامريكية:
- ركز المشروع على ما اسماها "الميليشيات" (والتي عنت بها قوات الحشد الشعبي التي تصدت لداعش، والتي تتخوف من ارتباط بعض فصائلها بإيران)، ودورها المتنامي، واشترط تقديم الدعم للحكومة في مقابل انهاء الحكومة لدعمها لهذه "الميليشيات".
- دعم تشكيل ما اسماه "الحرس الوطني السني" من قبل الحكومة والاسراع بتشكيل هذه القوات، اضافة الى دعم قوات "البشمركة"، وفي حال لم تتحرك الحكومة العراقية بهذا الاتجاه خلال مدة اقصاها (3) اشهر، فان الولايات المتحدة ستقوم بالتعامل بصورة مباشرة مع هذه الاطراف.
- حمل المشروع عبارة التعامل مع السنة والاكراد (كدولتين) وهو ما حمل مخاوف من وجود محاولة امريكية لتقسيم العراق الى دويلات متناحرة تحمل السلاح.
- واشترط القرار تقديم وزارتا الدفاع والخارجية ما يثبت التزام الحكومة العراقية بعملية "المصالحة الوطنية"، وفي حال فشلتا في إثبات ذلك، تعيد الولايات المتحدة الامريكية معادلة توزيع الارقام المالية (بين السنة والاكراد)، ضمن المنحة الامريكية المخصصة لمساعدة العراق عسكريا.
على الرغم من اعتراض اغلب اعضاء مجلس النواب العراقي على مسودة القانون، الا انه فشل في التوصل الى صيغة موحدة للتصويت على قرار مناسب للرد على هذا المشروع الامريكي، وجاءت رؤية المرجعية الدينية في النجف متطابقة مع رؤية الحكومة العراقية في وجوب ان تمر جميع المساعدات الخارجية عبر الحكومة المنتخبة، وعدم المساس بسيادة البلد ووحدة أراضيه، ليأتي الرد الامريكي على لسان سفيرها في العراق "ستيوارت جونز"، الذي قال "أنا لا استطيع ان اتحدث بالنيابة عن الكونغرس الأميركي لكننا نؤكد أن السياسة الرسمية التي يرسمها الرئيس باراك اوباما تدعم عراق موحد صاحب سيادة مبينا أن الفكرة المقترحة مازالت في اللجنة التي اقترحتها بالكونغرس وفي مراحلها الاولى وستمر بخطوات متعددة".
طبعا من حق الجميع ان يشعر بالرفض من هكذا مشروع قرار يتناول مسائل حساسة في صميم الشأن العراقي الداخلي، لكن من حقنا ان نسأل، ايضا، عن المسؤول للسماح للآخرين بالتدخل في الشأن العراقي من الاساس؟
الاجابة عن هذا السؤال ستؤدي الى دوامة من الاتهامات لا نهاية لها، وهو يقود الى اشكالية كبيرة تعيشها القوى السياسية الحاكمة في العراق، والتي لم تستطع بعد اكثر من عقد من الحكم التوصل الى صيغة حقيقية في التوافق السياسي لحكم البلد، وهو ما جعل عملية الاختراق (من قبل الاخرين) ممكنة وسهلة في كثير من الاحيان، والولايات المتحدة الامريكية، حالها كبقية الدول الكبرى في المنطقة والعالم، تبحث عن مصالحها، وليس لها صديق دائم، مثلما ليس لها عدو دائم، فهي تتعامل مع الجميع من دافع واحد، هو حفظ وحماية مصالحها في منطقة الشرق الاوسط والعالم، لذا فالأحرى بالحكومة والكتل السياسية العراقية التعامل "بواقعية" مع الجميع، والبحث عن مصالحها مثلما يفعل الجميع ذلك، وقراءة الرسائل التي اراد الكونغرس والحكومة الامريكية ايصالها للدولة والسياسيين العراقيين من وراء هذا المشروع، بدلا من بيانات الادانة والشجب والاستمرار في التصريحات التي لا تنفع او تضر والتركيز على:
- مخاوف الولايات المتحدة غير المبررة من قوات "الحشد الشعبي" وارتباطاها بإيران، من خلال اسراع الحكومة العراقية بهيكلة هذه القوات ضمن الدولة العراقية، وتعريف الولايات المتحدة بانها قوى وطنية تهدف الى حماية العراق، وهي لا تختلف عن مشروع "الحرس الوطني" الذي ترغب به الولايات المتحدة كبديل عن "الصحوات" السنية.
- القراءات المتعددة والتباين الحاد في مواقف السياسة العراقيين، حول مشروع القرار، اثبتت مرة اخرى، الخلاف الكبير وضعف الموقف الواحد بين من يحكمون البلاد، وهي نقطة جوهرية ينبغي التوقف عندها كثيرا والبحث عن اسبابها وكيفية علاجها، خصوصا في ظل غياب مشروع حقيقي للمصالحة الوطنية، كمل ان التدخلات والخلافات لا تأتي اغلبها من خارج الحدود.
- الموازنة بين المصالح الامريكية والايرانية في العراق، وفق رؤية وطنية تحفظ البلاد من الافراط والتفريط، وتقديم المصلحة العراقية قبل المصالح الاخرى، وهو مبدأ من المفترض ان يتفق عليه الجميع.
اضف تعليق