q
التغيير هنا لا يعني أن ننسف النمط الفكري القديم والانحياز للجديد أو العكس؛ بل يُفترض إيجاد مقاربة بين الأنماط التفكيرية تعتمد على صيغة للتفاهم تجعل القبول بالآخر مركزاً لهذه المقاربة، حيث يمكن للقدماء أن يستوعبوا التطور والتسارع في النمط الجديد، مثلما يمكن للأجيال الحالية الاستفادة...

تبدو العلاقة الملتبسة بين الأديان وقيمها، وبين الحداثة وتمظهراتها قضية بالغة التعقيد، حين تقرأ تحليلات انفعالية، ورؤى تنصرف إلى عدائية تريد اللعب على حبال التصادم الحضاري.

الالتباس يتجلى في رؤية بعض دارسي الأديان للمجتمعات الإسلامية؛ حيث يرى الدارسون أن ما تشهده هذه المجتمعات من عنف و (تأخر تكنلوجي) جعلت من الإسلام دينًا يقف بالضد من الحداثة والتجديد. وهذه رؤية انفعالية لا تأخذ بنظر الاعتبار أنَّ الغرب الذي أنتج الحداثة ــ بحسب الفهم السائد ــ مساهم بشكل لا يقبل الشك في الفوضى التي صنعت العنف المتفرع من خنادق التجهيل والتطرف، ومن تناقضات تنتقل فيها المجتمعات من مشهد لآخر.

ليس لنا بطبيعة الحال أن نكون رومانسيين حالمين، ونبالغ في دفاعنا عن مجتمعاتنا معتقدين أننا نتربع على عرش الحضارة والتجدد. فنحن في المجتمعات الإسلامية؛ مازلنا أسارى الفهم المعقد للماضي، بين من يراه مقدسًا لا يجوز المساس به، أو الاقتراب منه، وبين من يدعو لاندثاره ودفنه نهائيًا في مقابر لا ذاكرة لها؛ وذلك بسبب فشله في تكوين حاضرٍ معتدل، فيجد في نسف الماضي رئةً يتنفس فشله منها.

هذان الفهمان الملتبسان للماضي؛ سيقودان إلى تأويل سيء للحاضر، وإدراك ضبابي للمستقبل، وهذا ما يتيح تغلغل الحداثة العدائية، التي تواجه التباس النظرة إلى الماضي، بتطرف مقنّع بشعارات التجديد والانفتاح والعالمية فتكون حداثة قائمة على بتر الصلات، وقطع الجسور بين الماضي والحاضر. إن الوصول لنقطة وسطية الحداثة؛ أصبح ضرورة من الضرورات الملحة التي تجعل العالم الإنساني بمنأى عن أخطار التطرف الجهوي والفكري والفقهي، نقطةٌ تعمل على أفول كل ما يمت للتعصب وتقطع الطريق أمام إنشاء حضارة قائمة على أحادية الفكر والسلوك، نقطة تجعل العالم أكثر مرونة في التعاطي مع الآخر، وأقل عدائية تجاه المشاريع الفكرية والتنموية الناضجة، وذلك من خلال تهيئة متعددة الاتجاهات أهمها الثقافة بشقيها الفردي والجماعي.

ونقطة الحداثة الوسطية هي بمثابة الشحنات الكهربائية (الأفكار) المنتشرة في الأسلاك (العقول) بتدفق من دون توقف، شريطة متانة هذه الأسلاك وعدم قابليتها للتلف (الفساد). والارتكاز على ما يضمن عدم انفلات المشروع، وانحرافه عن أهدافه التي ينشدها.

ولعل قضية فصل الأخلاق باعتبارها من القديم التقليدي هي أحد السقطات الكبيرة للحداثيين العدائيين، حين تمت برمجة الانفصال الكلي عن الأخلاق عبر مبادىء ارتكزت على أن يعتمد الإنسان على نفسه في كل الأمور، حيث تتركز في ذهنيته القلقة والمضطربة مقولة أن الدنيا هي خلاصة حقيقة الإنسان وسر وجوده، لذلك لابد عليه أن يجتهد في التقدم من أجل الدنيا، لا من أجل ما يعتقدون أنها خرافات، وبذلك تتم الخطوة الثانية من فصله عن أخلاقه وفطرته، وكل ذلك طبعاً يتم بواسطة إيهام سلطة العقل التي يجب أن تكون هي الحاكمة الفعلية.

لذلك لابد من وجود حلقة وصل بين الحداثة والأخلاق، وأن يكون لنا وعي تام بفكرة الوصل بين المفهومين، فبين نمط بطيء تعودت عليه أجيال قديمة، ونمط متسارع بشكل هائل يحكم مزاج الأجيال الحالية؛ يحضر البون الشاسع في طريقة التفكير، الأمر الذي يجعل الحاجة للتغيير ضرورية.

والتغيير هنا لا يعني أن ننسف النمط الفكري القديم والانحياز للجديد أو العكس؛ بل يُفترض إيجاد مقاربة بين الأنماط التفكيرية تعتمد على صيغة للتفاهم تجعل القبول بالآخر مركزاً لهذه المقاربة، حيث يمكن للقدماء أن يستوعبوا التطور والتسارع في النمط الجديد، مثلما يمكن للأجيال الحالية الاستفادة من الأنماط القديمة والانطلاق منها لإحداث التغييرات المطلوبة التي تتلاءم مع متطلبات ما يعيشون فيه من عصر يتطور باستمرار. الحاجة للتغيير، وإن كانت تبدأ من الأفكار كأساس، لكنها على الصعيد الواقعي تحتاج إلى تطبيقات عملية، فليس من المنطقي والشعوب تشهد هذا الانفتاح العلمي والاتصالي، أن تُحكم وفق أمزجة قديمة غير آبهة بما يجري حولها معتمدة على عناصر السلطة التي تأخذ شكل القمع ومصادرة الآراء. فعملية قيادة الشعوب في مثل هذه الظروف المتغيرة شبيهة بطريقة التدريس التي يحاضر فيها رجل في العقد السابع من عمره وفق منهجية أكل عليها الدهر وشرب أمام طلبة لم يتجاوزوا العشرين من العمر.

الحل إذاً هو في تجديد الآليات التي نقدم بها المناهج في الفكر والثقافة والاقتصاد وعلم الاجتماع وغيرها من المعارف التي تعنى بالعلوم الإنسانية. وتجديد الآليات؛ يلزم أولاً مقدمات أساسية تهيّء لإحداث فعل التغيير. وكل ذلك سيؤدي بأصحاب الحداثة العدائية إلى اختيار طريق من اثنين: إما إعادة النظر في مناهجهم الملتبسة، أو الانتحار الفكري الذي انتهت إليه نظريات وأفكار ملتبسة سابقة.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
الحداثة وصلت بالغرب ودولة اسلامية الى زواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء
والنساء الراغبات في الأمومة عليهن اصطياد رجال من الحانات بغية الحمل كإبتلاء
وهناك من يذهبن الى مراكز التخصيب ليلدن بحيوانات منوية من مجهولى الأسماء
والمحكمة العليا في اوروبا حكمت للنساء بنسب الأطفال اليهن بعد مشوار قضائي طويل وعناء
وفي مصر من يسمون أنفسهم بالتنويريين الحداثيين هم مجموعة من اللصوص الأفاقين شديدي الفجر و الدهاء
احبائي....
دعوة محبة
ادعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....رئيس مركز ثقافة الالفية الثالثة2019-03-11