في أخر حوار أجراه الصحفي المعروف توماس فريدمان مع الرئيس الاميركي باراك أوباما في صحيفة نيوريوك تايمز، يلمس الذي يقرأ هذا الحوار بوجود تحول بتوجهات الادارة الاميركية اتجاه منطقة الشرق الاوسط واعادة النظر بالدور الايراني في منطقة الشرق الاوسط ولهذا ذهب اوباما في حواره الى القول بأن الخطر لايتمثل بايران بل في واقع الشعوب العربية وما تعانيه من غياب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
منذ ستينيات القرن الماضي تعاملت الولايات المتحدة مع هذه المنطقة كمجال حيوي تختبر فيه قدرتها الستراتيجية على ادارة الازمات، وهكذا ظلت تمثل بالنسبة لها حماية ونفوذ، لكن موازين القوى الدولية أخذت بالتغير منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وبزوغ دول جديدة من أرثه، لهذا أصبحت خريطة العالم السياسية تظهر مراكز قوى جديدة ومختلفة.
مع هذا ظلت منطقة الشرق الاوسط تحمل الاهمية الدولية لعدة أسباب منها قضية الصراع العربي الاسرائيلي، اختلال التوازن العسكري والسياسي بين دول الخليج وايران، ثم زاد على الامر مجيء ما يسمى "بثورات الربيع العربي" التي جعل الاسئلة القديمة تعود مرة أخرى التي كانت تعنى ببناء الدولة وعلاقتها بالمجتمع.
ما يميز هذه المنطقة خط الصراع المتنامي على أساس المذهب والطائفة بعد سقوط النظام في العراق العام 2003، حيث نجد خط هذا الصراع يبدأ من ايران العراق والسعودية منتهيا في اليمن.
زاد توقيع الاتفاق الاخير بين ايران والدول “5+1” من صعوبة الوضع العراقي، بسبب موقعه المجاور لإيران وغلبة الطابع الاجتماعي الشيعي على الجماعة السكانية الاكثر عددا، اذ يدفع هذا الوصف نحو المزيد من الضغوط والاشتباك مع الحساسية العربية المتصاعدة من الدور الايراني في بلدان المنطقة.
تاريخيا كان محور العلاقة بين العراق وايران يحكمها الصراع والتدخل، يكفينا لإثبات ذلك الرجوع الى وقائع الحرب بين الدولة الصفوية والعثمانية، التي كانت ساحتها الجغرافيا العراق لسنوات طويلة، ثم جاءت الحرب العراقية – الايرانية لتكمل مصداقية ملامح هذه العلاقة.
القضية تبدأ من امتلاك البلدين لأطول شريط حدودي بين دولة عربية وايران، وهنا نسأل سؤال فيه نوع من الغرابة، هل تشبه العلاقة بين العراق وايران، العلاقة بين الولايات المتحدة والمكسيك بحكم الاختلاف السياسي والتقارب الاجتماعي والثقافي بين البلدين.
على مر التاريخ نجحت ايران سياسيا على توظيف الجغرافيا العراقية لكي تكون مدخلا لها في الوصول الى البلدان الاخرى، على عكس العراق الذي لم يتمكن يوما في توظيف ايران لصالح مصالحه السياسية والاقتصادية.
تدفعنا قراءة العلاقة بين الطرفين "العراق وايران" نحو العودة الى ثنائية العروبة ذات المضمون الاسلامي والايرانية الحاملة للمعنى الفارسي القومي وهذا راجع الى زاوية النظر لكلا الطرفين لبعضهما البعض.
حيث تنظر إيران الى العراق وكأنه الطرف الذي يحتاج الى رعاية قائمة على رؤيتها السياسية لما تمثله من تقدم وقدرة على ادارة النزاعات في المنطقة، بالاعتماد على تجاربها في بلدان أخرى نجحت فيها.
يتعامل العراق مع ايران بكونه التهمة العربية الجاهزة التي لامجال لانفكاك منها ولهذا هناك مستويين من التعامل ينتهجها العراق، الاولى داخليا بتأثير النفوذ المحلي عبر الجماعات والقوى السياسية والاخرى خارجيا عبر امكانية تنامي التقارب مع الاطراف العربية لكي يوازن بين طرفي هذا التعامل.
ينطلق الجانب العربي بتعامله مع العراق من أطروحة التبعية للجانب الايراني وبالمقابل يعلل العراق التأخر العربي بوقوعه تحت ميراث النظرة التاريخية المعبأة بالنوازع المذهبية، لهذا أطلق احد الزعماء العرب مصطلح "الهلال الشيعي" وكأنه يعيد أجواء الماضي وصراعاته.
العراق وايران بعد 2003
قبل تغير النظام السياسي في العراق كان هناك نوع من التقابل بين أطروحتين، أطروحة البعث القومية في مقابل أطروحة ايران الاسلامية التي وضعها الخميني، في الظاهرة يوجد تنافر عالي ولكن في مستوى الطرح الفكري والايديولوجي هناك تشابه فيما يخص مبدأ الشمولية والدعوة الى قيام أمة على أساس ديني أو قومي، كانا المشروعين عابرين للحدود يتخطان الجغرافيا ويوظفان التاريخ والتراث، وهذا يشير الى أن أحد أسباب الصراع والتزاحم على احتكار والهيمنة على المنطقة كمجال للنفوذ والتأثير.
لكن الحال اختلف بعد ازاحة النظام البعث الدكتاتوري، حيث لم يعد هذا التقابل موجود بسبب أن الطبقة السياسية الحاكمة لايوجد لديها مشروع سياسي يحمل جنبة فكرية يكون في قبالة ما تطرحه ايران من مشروعها السياسي الذي اعتمد على مبدأ تصدير الثورة.
كما ان اغلب هذه القوى تحمل سمات سياسية متشابه مع مقولات الفكرية التي يحملها النظام السياسي في ايران، وهي أيضا قضت فترة ليست بقليلة في ايران ابان خروجها من العراق بسبب الاضطهاد السياسي من قبل نظام البعث السابق.
هذه التصورات تجعلنا نعيد اكتشاف العلاقة ومستوى التفاعل بين الطرفين "العراق وايران" من جديد على أساس مقاربة الاختلاف والتشابه بين الاثنين، وهذا يحيلنا الى سؤال بسيط هو ماذا تريد ايران من العراق والعكس صحيح؟
حتى يمكنا التقاط مستوى التفاعل وحفظ المسافات بين الطرفين، كذلك نحتاج الى الاطلاع على كيف تفكر الطبقة السياسية في العراق بايران بعد 2003؟ وماهي المنطلقات التي ترتكز عليها في بناء موقفها اتجاه ايران، وهذا السؤال يقع جوابه على عاتق الطبقة السياسية الشيعية.
ربما نجد بعض الارتباك لدى هذه الطبقة كونها واقعة في منطقة صراع غير محسومة الخيارات لغاية الان، وهي منفعلة وغير فاعلة فيما يجري من حولها من صراعات، مع فقدانها لتوظيف امكانيات العراق الجيوستراتيجية في دفع المخرجات السلبية للعلاقة بين ايران والعراق.
القضية تكمن في غياب التصور الواضح لهذه الطبقة عن ما يجري من تدافع اقليمي ودولي في منطقة الشرق الاوسط، ويكفينا أن نسأل كيف كان رد هذه الطبقة على تصريحات مستشار الرئيس الايراني عن الامبراطورية الايرانية وعاصمتها بغداد، لم تتحرك هذه الطبقة بشكل واضح الا بعد تصريحات من قوى فاعلة في المجتمع العراقي.
سوف تبقى العلاقة بين الطرفين تحكمها ثنائية " الفاعل والمنفعل " بسبب عدم قدرة الطبقة السياسية الجديدة من بناء رؤية واضحة لعلاقات العراق الاقليمية والدولية بعد 2003، لأنهم ما زالوا يفكرون بعقلية انتظار وقوع الحدث ثم بعد ذلك اتخاذ الموقف ولهذا ينطبق على مواقفهم السياسية تسمية مبدأ "سياسة المنفعل".
اضف تعليق