q

امتازت السياسة الخارجية لكندا بالنجاح على المستوى الدولي إلى مجيء حزب المحافظين سنة 2006 بزعامة اليميني ستيفن هاربر. يكمن نجاح هذه السياسة التي أصبحت جزءًا من الماضي في جعل كندا دولة للوساطة النزيهة وحفظ السلام. لقد قلب المحافظون الوضع إلى عكسه جاعلين من هذه الدولة دولة الحروب على غرار النمط الأمريكي والولاء المطلق لإسرائيل وشق صف المواطنين الكنديين. لقد أدخل المحافظون الذي تدعمهم كبريات شركات التصنيع العسكري وباقي الشركات المتعددة الجنسيات بلادهم إلى عصر التناقضات. عصر تعرف فيه مصالح الشعب الكندي تضييقاً في مقابل الإنفراج على مصالح الشركات الكبرى.

لقد دعمت حكومة المحافظين بزعامة الإنجيلي الشديد التدين ستيفن هاربر الربيع العربي في تونس وليبيا وعارضته في البحرين وفي المملكة السعودية حيث أوضاع حقوق الإنسان هي أسوأ بكثير من أي مكان آخر في الشرق الأوسط والعالم. المواطن الكندي كما عبر من خلال منابر إعلامية واجتماعية يدرك أنه من ناحية دعم الديموقراطية في العالم هناك صعوبة لتبرير إسقاط نظام بن علي العلماني في تونس والتعاقد بمليارات الدولارات مع نظام آل سعود. نظام بن علي الذي كان يفصل الدين عن السياسة وساوى بين المرأة والرجل وإستثمر في تعليمها وادماجها في المجتمع، يقابله نظام آل سعود القبلي الذي غذى الحركات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، ويحظر النساء من قيادة السيارة. نظام لا يدرء الحد بالشبهة ولا يستحي من رجم وذبح الإنسان في الشارع العام و قطع أيدي لصوص الخبز تاركاً لصوص ثروات شعب الحجاز وناهبي المال العام يسرحون ويمرحون في كازينوهات ماربيا وميامي ولندن.

أطلقت حكومة هاربر حملة ضد الإخوان في غزة (وأنا هنا بصدد المقارنة لا الإعلان عن مواقف) على الرغم من أن اخوان غزة أقل أهمية بكثير من الناحية الاستراتيجية من اخوان مصر. وقد لا يمثل اخوان غزة جيوسياسياً شيئاً غير كونهم تنظيم في أراضي خاضعة للضبط الإسرائيلي مقارنةً بدول من حجم مصر. فغياب تحامل المحافظين الكنديين على اخوان مصر والتحامل الإعلامي والسياسي ومتابعات كل من يشتبه في تعاطفه مع إخوان غزة شكل تناقضاً ملفتاً للأنظار. المحافظون كانوا يتكلمون بصوت مرتفع عندما يصيب صاروخ من اخوان غزة عموداً للكهرباء في إسرائيل، وكانوا يسكتون عن تقتيل الشيعة واستهداف الكنائس والمزارات الصوفية أيام مرسي على الرغم من توصلهم بشواهد وإثباتات حول ذلك من طرف مختلف الجهات الحقوقية والأمنية.

من الأشياء التي يتغنى بها المحافظون الحاكمون في كندا ولاءهم غير المشروط لإسرائيل وحرصهم على إدانة معاداة السامية كلما سنحت لهم الفرصة. فمثلاً في حفل لتكريم الضحايا اليهود المستهدفين خلال هجمات مومباي، ندد رئيس الوزراء الكندي المحافظ ستيفن هاربر بمعاداة السامية ووصفها ب " الشر العميق الذي يهدد جميع الكنديين". لكن وفي المقابل عندما رفع أعضاء وأنصار أحزاب المعارضة في أوكرانيا مثل الوطن وسفوبودا شعارات معادية للسامية علنا خلال الإحتجاجات المناوئة للرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، لم يستنكر المحافظون ذلك. بل على العكس، كانوا من كبار الداعمين لتلك القوى المعارضة. في النهاية، استفادت تلك الأطراف بطريقة مباشرة من عملية قلب النظام في أوكرانيا. وفي ذات الموضوع، نفس المحافظين الذين دعموا مظاهر التسلح في كييف ضد الحكومة المركزية كانوا أول المنددين بمظاهر التسلح ضد الحكومات المحلية والإقليمية في القرم وأنحاء من شرق اكرانيا والمؤيدة للانضمام إلى روسيا.

ومن المواقف المتناقضة في سياسة المحافظين الخارجية والمتعلقة بقضايا تقرير المصير موقفهم من السودان في مقابل أوكرانيا. ففي السودان دعم المحافظون مشروع الاستفتاء على استقلال جنوب السودان في يناير 2011 الذي أدى إلى الانفصال عن السودان وإقامة جمهورية جنوب السودان. وانبنى دعمهم لهذا الإستفتاء على مبدأ حق تقرير المصير المتعارف عليه دولياً. لكنهم عارضوا بشدة إستفتاء تقرير المصير في شبه جزيرة القرم. إستفتاء وصف ستيفن هاربر نتائجه التي صبت في صالح الجانب الروسي بأنها تشبه "عدوان الرايخ الثالث". ولا زال السؤال قائماً حول انتقائية المحافظين في قضايا حق تقرير المصير. قضايا أصبحت مصالح شركات الغاز والبترول المتعددة الجنسيات هي من يقرر فيها وليس الأعراف والقوانين الدولية.

السياسة الخارجية لحكومة ستيفن هاربر المحافظة لم تعد تعكس القيم الكندية في التعاطي مع الشأن الدولي. كندا في الماضي القريب انبنت سياستها الخارجية على دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم. اليوم أصبحت ديبلوماسيتها بسبب وصول اليمين المحافظ إلى الحكم أداة في يد الشركات والمقاولات الكبرى المتعددة الجنسيات. المواطن الكندي اليوم بدأ يدفع ثمن هذا الإنحراف السلبي الذي جعل بلاده التي كانت دائماً من بين أفضل 3 دول في العالم تنزل إلى المراتب الدنيا ضمن أفضل عشر دول العالم من حيث قيمة جوازها ومستوى عيش مواطنيها.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق