لست في وارد نقد المحكمة الاتحادية فهي اعلى جهة في البلد تملك صلاحية البت بدستورية التصرفات التشريعية والتنفيذية. لكني اتمنى ان تحكم المحكمة ذات يوم بعدم دستورية \"الحكومات الناقصة\"، يلزم الدستور رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومته خلال ٣٠ يوما من تاريخ التكليف، والا سقط تكليفه...
لست في وارد نقد المحكمة الاتحادية فهي اعلى جهة في البلد تملك صلاحية البت بدستورية التصرفات التشريعية والتنفيذية. لكني اتمنى ان تحكم المحكمة ذات يوم بعدم دستورية "الحكومات الناقصة".
يلزم الدستور رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومته خلال ٣٠ يوما من تاريخ التكليف، والا سقط تكليفه ويُصار الى تكليف شخص اخر بالمهمة.
لكن ما جرى في نظامنا السياسي الهجين مرتين او ثلاث مرات احداها هذه السنة هو ان رئيس الوزراء المكلف يقدم حكومة ناقصة لكن بعدد يكفي لتحقيق النصاب في اجتماعاتها، ويقوم البرلمان من ناحيته بمنح الثقة لهذه "الحكومة الناقصة"، على ان تستكمل عملية منح الثقة بعد اكمال النقص. وكل ذلك يجري هروبا من التوقيت الدستوري، بل التفافا عليه. وتمضي المحكمة الدستورية هذا التصرف خوفا من دخول البلد في ازمة سياسية.
والحقيقة ان البلد في ازمة سياسية وليس اقرار "الحكومة الناقصة" سوى هروب مؤقت من هذه الازمة.
ان عدم القدرة على تشكيل حكومة كاملة في المهلة الدستورية المحددة يكشف عن ازمة عميقة في نظامنا السياسي سببها عيوب التاسيس التي لازمت العملية السياسية منذ تشكيل مجلس الحكم المنحل.. ومن علاماتها التوافقية والاستحقاق الانتخابي (اي حق كل الاحزاب بالمشاركة في الحكومة بنسب تناظر عدد المقاعد النيابية التي حصلت عليها) والكثرة المفرطة في عدد الاحزاب وعدم وجود حزب الاغلبية السياسية وعدم وجود معارضة برلمانية.
وكان يفترض الانتباه الى هذه الازمة، اي عيوب التأسيس، منذ ولادتها الاولى، لكن الطبقة السياسية الراهنة كانت وما زالت تأبى الاستماع الى الاراء السياسية العلمية في هذا الخصوص.
حل الازمة لا يكون بالهروب الى امام وتأجيل تعيين الوزراء ومنح الثقة لحكومة ناقصة، انما بالعمل على معالجة عيوب التأسيس. واذا كان علاج بعض العيوب يتطلب تعديلا دستوريا، فان علاج بعضها الاخر لا يحتاج الى تعديل دستوري، انما يكفي ذلك تشريع قوانين جديدة بمبادرة من الحكومة او البرلمان او الاحزاب السياسية نفسها.
مثلا: عيبا التوافق والاستحقاق الانتخابي يمكن ان يعالجا من قبل الاحزاب نفسها بتخليها عن الامرين. ان التوافق والاستحقاق الانتخابي من مستلزمات ما سماه ليبهارت بالديمقراطية التوافقية التي صممها لدولة مكونات وليس لدولة مواطنين. والاخذ بها عندنا ادى الى تشوه مفهوم الديمقراطية وتكريس نظام المحاصصة التي اعلنت القوى السياسية براءتها منها ايام الحملات الانتخابية، دون البراءة من مفهوم دولة المكونات، وعادت اليها بعد الانتخابات مكرسةً بذلك النظام السياسي الهجين.
وتستطيع الحكومة والبرلمان معالجة عيبي الكثرة المفرطة في الاحزاب وعدم وجود حزب اغلبية سياسية عن طريق تشريع القوانين المنظمة للاحزاب والانتخابات بالشكل الذي اقترحته في مقالات سابقة.
واذا استطاعت الحكومة والبرلمان تحقيق ذلك فانهما تكونان قد اسهمتا في اخراج البلاد من دولة المكونات الى دولة المواطنة. وفي هذه الدولة تكون الاحزاب قليلة العدد، وعابرة للخطوط القومية والدينية والمذهبية، ويكون بامكان حزب الاغلبية تشكيل حكومة ممثلة لهذا التنوع القومي والديني والمذهبي دون الحاجة الى الوقوع في هاوية المحاصصة، والمكونات، والتوافق، والاستحقاق الانتخابي. وفي مثل هذه الحالة تنشأ معارضة برلمانية، ذات حكومة ظل، مختلطة قوميا ودينيا ومذهبيا دون الحاجة الى الصراخ والاحتجاج بحجة الاقصاء والتهميش المكوناتي.
هذا هو الحل السياسي الديمقراطي السليم المفضي الى قيام نظام سياسي ديمقراطي وليس نظاما هجينا كما هو الحال الان. ومن شأن هذه الخطوة لو تمت ان تمهد الطريق لاقامة الدولة الحضارية الحديثة بطريقة سلمية ودستورية بدون الحاجة الى استثاره التوترات السياسية والمجتمعية.
اضف تعليق