يمثل كتاب القوة الإلكترونية والأمن القومي العراقي للدكتور قيس خلف المحمداوي والدكتور فراس جمال الربيعي إضافة نوعية إلى المكتبة الأمنية الشاملة سواء الداخلية بشكل خاص او الاقليمية والدولية بشكل عام لا سيما في ظل التحديات المتنامية التي تفرضها البيئة الرقمية على الأمن القومي للدول...
يمثل كتاب “القوة الإلكترونية والأمن القومي العراقي” للدكتور قيس خلف المحمداوي والدكتور فراس جمال الربيعي إضافة نوعية إلى المكتبة الأمنية الشاملة سواء الداخلية بشكل خاص او الاقليمية والدولية بشكل عام لا سيما في ظل التحديات المتنامية التي تفرضها البيئة الرقمية على الأمن القومي للدول. لا يقدم المؤلف معالجة نظرية تقليدية لمفهوم الأمن السيبراني بل ينطلق من الواقع العراقي ليؤسس لرؤية استراتيجية واقعية وذات مرونة عالية تتعامل بجدية مع أحد أخطر ملفات الأمن غير التقليدي في القرن الحادي والعشرين
الكتاب ليس دراسة أكاديمية محضة بل وثيقة تحليلية ذات طابع تشخيصي تحذيري موجهة إلى صانع القرار والباحث المتخصص.
ينطلق المحمداوي ومعه الربيعي من فرضية مفادها أن التهديدات السيبرانية باتت تتجاوز في خطورتها التهديدات العسكرية التقليدية في ظل هشاشة البنية الرقمية وضعف الاستعداد المؤسسي على مستوى التوعية وادراك المخاطر او على مستوى البنى التحتية والموارد المتاحة لجميع الاصعدة لمواجتها .
يعتمد المؤلف مقاربة تحليلية تجمع بين التنظير والتطبيق ومواكبة المتغيرات والمستجدات ذات العلاقة حيث يعيد تأطير مفاهيم مثل القوة الصلبة والقوة الناعمة والقوة الذكية والقوة السيبرانية من منظور محلي يعكس طبيعة البيئة الأمنية. ويبرز من خلالها كيف تحولت القوة وادواتها ووسائلها ومتغيراتها وتاثيراتها ومعايير تقيمها من شكلها العسكري التقليدي إلى مفهوم مركب يقوم على السيطرة على المعرفة والمعلومة والبنية التحتية الرقمية .
أحد أبرز الجوانب في هذا الكتاب هو الربط المستمر بين التحليل النظري والأمثلة الواقعية من البيئة العراقية مما يجعله أقرب إلى تحليل السياسات الأمنية منه إلى التنظير المجرد مع التأكيد على تصنيف التحديات والمخاطر والتهديدات من حيث الاسبقيات ومصادر وتوقيت وفعالية ومؤشرات ونوايا وامكانات وقدرات وتفاعلات واحتماليات هذه المخاطر والموارد والامكانات المتاحة لمجابهتها ومكامن القوة والضعف في تفعيل وتهيئة واستنفار وتوظيف هذه الموارد. كما يشير بوضوح إلى الحاجة إلى رؤية سيادية موحدة للتعامل مع التهديدات الإلكترونية ويكشف عن اختزال مؤسسي في التعاطي مع هذا الملف الاستراتيجي .
يطرح الكتاب إشكالية محورية تتعلق في إدارة الفضاء الإلكتروني سواء على مستوى التشريعات أو الموارد البشرية أو البنى التحتية. كما يسلط الضوء على إشكالية تسرب العقول التقنية من القطاع العام .
القيمة المضافة للكتاب تتمثل في دعوته الواضحة إلى إعادة تعريف العلاقة بين المعرفة الرقمية والأمن الوطني من خلال الاستثمار في الكفاءات المحلية وبناء شراكات مؤسساتية. كما يشدد على أهمية دمج وتنظيم هيكلية وارتباط وموارد الأمن السيبراني في بنية الأمن القومي واعتماد سياسات استباقية لحماية البنى الحيوية من الاختراقات المتزايدة.
كتاب “القوة الإلكترونية والأمن القومي العراقي” لا ينبغي أن يظل محصورًا في رفوف المكتبات الجامعية بل يجب أن يكون في متناول صناع القرار والمخططين الأمنيين والمبرمجين والصحفيين وكل من يعنيه فهم طبيعة التهديدات السيبرانية الجديدة.
اضف تعليق