وهناك من يذهب الى ابعد من هذه السيناريوهات بان ايران تعول على كسب الاتحاد الأوربي وروسيا والصين الى جانبها من اجل تحويل المخاطرة الى فرصة، هذه الفرصة تتمثل بعزل الولايات المتحدة فتذهب طهران الى عمق المجتمع الدولي رغم انف واشنطن ونتيجة لاخطاء الأخيرة...
الشروط الاثني عشر التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بشان البرنامج النووي الإيراني، وضعت ايران في زواية مناورة ضيقة، لكنها اظهرتها كدولة ملتزمة بالاتفاقيات الدولية، ما دفع الاتحاد الأوربي ورسيا والصين للوقوف معها ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بإلغاء التزام بلاده بالاتفاقية التي وصفت بالتاريخية يوما ما.
ليس خافيا ان ترامب وادارته مدفوعين بإسرائيل والسعودية لديهم مخاوف جدية من البرنامج النووي الإيراني، وافعالهم ليست مناورة عابرة، انما هي انعكاس لخوف وجودي من ان ايران تناور من اجل كسب الوقت حتى تتاح لها الفرصة لتطوير برنامج الصواريخ البالستية والأسلحة النووية معا.
واذا ما تم لإيران ذلك (أسلحة متطورة وقنبلة نووية) فان وجه الشرق الأوسط برمته سيتغير، ففي ذلك الوقت تسيطر ايران على المنطقة بعد ان بسطت نفوذها عبر المجموعات المسلحة الموالية لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لتكمل هذه السيطرة بسيطرة عسكرية شاملة، تجعل من شبه المستحيل الوقوف امامها وتصبح الضربة العسكرية ضدها والانتحال في خانة واحدة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان كانا الأكثر وضوحا في التعامل مع النووي الإيراني، اذ وصفاه بانه اتفاق كارثي ويجب الغاؤه في اقرب وقت، وجاء ترامب ليحقق لهم ما يريدون، وهو عازم على فرض عقوبات هي الأشد في تاريخ ايران، فيما تقول الأخيرة ان واشنطن تريد تغيير النظام.
العداء المتنامي ضد ايران من قبل الحلف الأمريكي السعودي الإسرائيلي يجعل طهران امام خيارات ثلاثة فيها مخاطرة كبيرة:
السيناريو الأول: يتمثل باتباع النموذج الكوري الشمالي، حيث تقرر فيه طهران المضي قدما في برنامجها النووي دون الانصياع للرغبات الامريكية، وهو خيار قد يفرضه واقع السلوك الأمريكي تجاه ايران، فاذا ما اقرت العقوبات المشددة يمكن ان تعود الى عمليات التخصيب بمستويات عالية وتزيد من وتيرة تصنيع الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية.
الا ان كل المؤشرات الحالية تؤكد ان طهران لا تعول على هذا الخيار وهي تبحث عن دعم اوربي لالتزاماتها النووي لا سيما وانها قد حصلت على الاعتراف ببرنامجها النووي على عكس كوريا الشمالية، بالإضافة الى انها تختلف عن بيونغ يانغ بانها تمتلك خيارات اكثر بتحريك حلفائها ضد واشنطن ما يمثل ورقة ضغط تدفع الأخيرة الى التراجع عن العقوبات او تخفيفها على اقل تقدير.
السيناريو الثاني: النموذج الليبي، ويبدو ان هذا السيناريو هو الأضعف لان موقف ايران اليوم اقوى من موقف معمر القذافي حينما سلم مواده النووية الى أمريكا، فمن حيث الاعتراف الدولي تملك طهران هذه الخاصية، ومن حيث توافر أوراق الضغط، تملك منها الكثير، ويعزو بعض المحللين لغة ترامب المتشددة تجاه ايران الى انه يحاول حرق بعضا من تلك الأوراق وليس حرق ايران كما يتصور البعض.
السيناريو الثالث: النموذج العراق او السوري، والذي يتمثل بمواجهة حرب اسقاط النظام الإيراني، وقد عبر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية اية الله علي خامنئي عن ذلك صراحة بان الولايات المتحدة الامريكية تهدف الى تغيير النظام، فالتدخل الأمريكي حتمي سواء تفاوضت طهران ام استمرت بعمليات التخصيب.
ولا تخشى القيادات الإيراني من هجوم عسكري مباشرة بعد ان شاهدت ضعف الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا حيث لم تستطع اكمال هجومها العسكري على بشار الأسد خشية انزلاق الأمور الى جوانب مكلفة.
لكن المشكلة الإيرانية تكمن في الداخل، فالشعب له رأي قوي رغم القبضة الحديدية للنظام الحاكم، وصوت المواطن مسموع مهما حاولت الدول الغربية ان تقول غير ذلك، وعلى طول القرن العشرين شهدت البلاد انتفاضات وثورات قلبت موازين القوى وازاحت أنظمة كانت ينظر لها بعين القوة والهيبة.
وحتى خلال الفترة التي حكم فيها النظام الإسلامي حدثت تظاهرات كبرى كادت ان تقلب الحكم، ابرزها ما حدث اثناء ولاية احمد نجاد الثانية عام 2009، والتي كشفت عن الثغرات الكبيرة في ايران التي يمكن للغرب ان يدخل من خلالها، وما حدث بداية عام 2018 من تظاهرات شعبية تطالب بفرص العمل والتركيز على خدمة المواطنين في الداخل بدل المحاربة في الخارج.
وهناك من يذهب الى ابعد من هذه السيناريوهات بان ايران تعول على كسب الاتحاد الأوربي وروسيا والصين الى جانبها من اجل تحويل المخاطرة الى فرصة، هذه الفرصة تتمثل بعزل الولايات المتحدة فتذهب طهران الى عمق المجتمع الدولي رغم انف واشنطن ونتيجة لاخطاء الأخيرة.
وتحاول الحكومة الإيرانية السير في هذه الاتجاه من خلال النشاط الدبلوماسي الكبير لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، لتتجنب كل الهفوات التي قامت بها الأنظمة الدولية الأخرى سواء كوريا او ليبيا او العراق والتي فشلت بالتعامل نوويا مع واشنطن.
اضف تعليق