تعد التجربة الديمقراطية في العراق حديثة الولادة وعانت من عسر كبير نتيجة، تداخل ظروف ولادتها وتباين الاراء حول الوليد الجديد، بيد انها الخيار المستقبلي الاكثر آمانا للعراقيين الذين يتطلعون نحو مزيد من الشفافية في ادارة الحكم واداء فاعل في القرارات على مستوى الارض، ومشاركة فاعلة في صياغة برنامجها وأهدافها...
تعد التجربة الديمقراطية في العراق حديثة الولادة وعانت من عسر كبير نتيجة، تداخل ظروف ولادتها وتباين الاراء حول الوليد الجديد، بيد انها الخيار المستقبلي الاكثر آمانا للعراقيين الذين يتطلعون نحو مزيد من الشفافية في ادارة الحكم واداء فاعل في القرارات على مستوى الارض، ومشاركة فاعلة في صياغة برنامجها واهدافها، اذ شهدت التجارب الانتخابية السابقة منذ كانون الثاني 2005 ولادة عدد من التحالفات السياسية واتفاقات مثيرة للجدل لتشكيل الحكومة بين الاطراف الفائزة، فانها في الوقت ذاته عانت جملة من المشكلات ولعل ابرزها ضعف وغياب الثقة بين المكونات السياسية الفائزة.
انخفاض منسوب الخطاب الطائفي
تشهد هذه الانتخابات وللمرة الاولى انخفاض كبير في الخطاب الطائفي، بعد اربع تجارب انتخابية كان المسيطر فيها الوعد والوعد من الكتل السياسية الطائفية لبعضها البعض ن وذلك يعود اولا للانجاز العراقي الكبير بالقضاء على داعش ومابذل من دماء من ابناء العراق جميعا ولاسيما ابناء الوسط والجنوب لتحرير المحافظات من احتلال داعش البربري، علاوة على زيادة وعي الناخبين بان الفساد وغياب الخدمات لم يكن محتكرا عند فئة بعينها بل ان كثير من ممثلي المناطق اصحاب الخطابات الطائفية لم يقدموا شيئا لمناطقهم سوى ذلك الخطاب الطائفي الذي يعمل على اشاعة وزرع الخوف بين ابناء الوطن الواحد.
تفكك التحالفات العتيقة
حاولت الكتل السياسية في التجارب الانتخابية السابقة وضع الناخب تحت حكم الخيار البواحد لذلك لم تشهد افرازا لقوى سياسية جديدة، ولكن في هذه الانتخابات والتي سبقها اقرار قانون للاحزاب تمخض عنها ولادة قوى سياسية جديدة وعملت على تشكيل تحالفات انتخابية مما يوسع من خيارات الناخب العراق بين عدة كتل وعدم حصر خياره عند كتلة بعينها ونتيجة ضخ اعلامي مكثف يعتقد بانه لا خيار من دون هذه الكتلة، لذك فان توسع خيارات الناخب سيوسع من افق المشاركة السياسية التي تعد علامة تعافي لمجتمع انهكته الحروب وخطابات الكراهية. وهو مايعني ايضا بان الكتل السياسية ستسعى الى تقديم الافضل لديها لانها وقتئذ ستكون امام حلبة تنافس قوية تجعلها امام منافس يحسب زلات واخطاء الكتلة السياسية. لذلك وفي هذا الاطار فلم تعد تذكر جبهة التوافق او القائمة العراقية او متحدون، ولم يعد يذكر الائتلاف العراقي الموحد أو دولة القانون بصيغتها القديمة. لاننا امام مرحلة جديدة رسمت ملامحها عبر الانتصار على داعش وفاعلية اكبر للناخب العراقي وشعوره بالتذمر من العناوين القديمة وما يظهر من تحتها من شخوص.
اعادة تركيب الساحة السياسية بوجوه جديدة
ان ازياد عدد المرشحين فوق سبعة الاف مرشح، يوحي للمراقب السياسي بان ثمة تنافس قوي من اجل الوصول الى قبة البرلمان وزيادة عدد المرشحين عن ضعفين ونصف كما في محافظة نينوى مقارنة بعام 2014 والتي كان فيها عدد المرشحين 375 في حين انه في انتخابات 2018 رشح فيها 907، يظهر ان الساحة السياسية العراقية ستتمخض عن ولادة شخصيات سياسية جديدة من اساتذة جامعيون ومثقفين وصناع الراي مايمكنهم من احداث معادلة في التركيبة السياسية العراقية التقليدية لما بعد 2003 ، علاوة على ظهور القوى السياسية التي مثلت الحشد الشعبي كقوى سياسية فاعلة جديدة على الساحة السياسية العراقية والتي تسعى الى مطابقة النصر العسكري مع نصر سياسي بالانتخابات النيابية بعدد من المقاعد يؤهلها للحفاظ على مكانتها في الساحة السياسية.
مشاهد المستقبل بعد 12 ايار
حتى كتابة هذه المقالة فقد بلغت نسبة توزيع البطاقات الانتخابية فوق عشرة ملايين وهو مايمثل نسبة 75% من الناخبين ومن المحتمل ان تزيد هذه النسبة الى 80% مما يجعل نسبة المشاركة في اكثر الاحوال هي بين 60%- 70 %. وهو ما يعني ان نتائج الانتخابات ستمثل لاكثر الكتل ضياع قسم كبير من نسبة التصويت التي كانت تعول عليها، والنتيجة الاساسية لذلك هي ترواح نسبة الفوز وتقاربها بين اكثر الكتل السياسية، وهذا الامر يؤخذ ايضا بنظر الاعتبار ان الكتل السياسية عملت بقوة على تشتيت اصوات بعضها البعض في اهم ثلاث كتل انتخابية تصويتية وهي بغداد ونينوى والبصرة والتي تمثل اكثر من ثلث مقاعد مجلس النواب، وهو الامر الذي يمكن ان يستنتج منه ان نتائج الكتل ستتراوح اقصاها بين خمسين الى ستين مقعد في افضل احوالها، لذا فان الكتل السياسية نتيجة تقارب نتائجها وعدم انفرادها بالفوز نتيجة النظام الانتخابي وطبيعة المزاج التصويتي للناخب العراقي الذي شعر بانه من الممكن ان يكون خياره مع كتل جديدة بعيدة عن مسميات الكتل القديمة واصطفافاتها العتيقة، ستعمل على احداث تقارب من نوع جديد بين الكتل السياسية وهذه المرة ليس على اساس الاصطفاف الطائفي والقومي، بل قد يكون شبيه بالتجربة اللبنانية مولاة ومعارضة، يكون الفيصل الاساسي فيها قدرة مجموعة من الكتل على التجمع تحت السقف النيابي بمشروع واحد للحكومة القادمة.
اضف تعليق