q
يدور لغط كبير في مواقع التواصل وفي واقع الناس اليومي، حول موقف المرجعيات الدينية من الانتخابات النيابية القادمة في العراق، والتي باتت قاب قوسين أو أدنى، لأننا نقف اليوم على مشارف انطلاق هذه الانتخابات، فلم يبقَ سوى أسبوع واحد على انطلاقها، ويتركّز هذا اللغط الذي يأخذ نمطين أحدهما مباشر يحدث في الواقع في المقاهي والتجمعات المختلفة، والثاني غير مباشر يتخذ من وسائل الإعلام منبراً له، بالأخص وسائل التواصل الافتراضية الفيس بوك وسواه....

يدور لغط كبير في مواقع التواصل وفي واقع الناس اليومي، حول موقف المرجعيات الدينية من الانتخابات النيابية القادمة في العراق، والتي باتت قاب قوسين أو أدنى، لأننا نقف اليوم على مشارف انطلاق هذه الانتخابات، فلم يبقَ سوى أسبوع واحد على انطلاقها، ويتركّز هذا اللغط الذي يأخذ نمطين أحدهما مباشر يحدث في الواقع في المقاهي والتجمعات المختلفة، والثاني غير مباشر يتخذ من وسائل الإعلام منبراً له، بالأخص وسائل التواصل الافتراضية الفيس بوك وسواه.

محتوى هذا اللغط أو الحوار العشوائي يصبّ جله على موقف المرجعيات الدينية من الانتخابات وما هو الدور الذي يقوم به الناخب، فهل ينتخب ويشارك في الاقتراع، أو يتخذ موقفا آخر هو مقاطعة الانتخابات، وإذا فضّل الخيار الأول فمن الجهة أو الكتلة أو الحزب أو الشخصية التي ينتخبها؟، وبعد أن أجرينا مسحاً موسعا لمنشورات العراقيين في الفيس بوك وتعليقاتهم على بعضهم، تبين لنا من هذا المسح الجزئي (نظرا لسعة رقعة المنشورات وكثرة عدد المشاركين)، أن الناخب العراقي لا يزال حتى اللحظة لا يفهم ما هو موقف المرجعيات الدينية بشكل واضح، وأنه كان ينتظر تسمية الأحزاب والكتل التي لا يصوت لها بالأسماء.

وقبل البحث في هذه القضية، ومعرفة كنهها بدقة، ينبغي أن نتطرق لتفسير موقف المرجعية خصوصا فيما صدر عنها في الإعلام الذي نقل خطبة الجمعة 4/5/2018، وعلينا أن نفهم مسألة ثابتة ومبدأً مهمّاً وهو أن المرجعية راعية للجميع ومسؤولة من الجميع، الناخب والمنتخَب، فهي كما جاء في الخطبة تقف على مسافة واحدة من الطرفين، الناخبين والمرشحين، لكنها أعلنت بوضوح تام ومن دون ذكر (أسماء)، رفضها وتحذيرها للناخب من انتخاب الفاسد، وجميع الساسة الذين تم تجريبهم سابقا وفشلوا في قيادة العراق كما يجب.

أي أن المرجعية تركت مجالا واسعا للناخبين كي يختاروا بأنفسهم من يروق لهم ويلبي احتياجاتهم، وهنا تعطي المرجعية الحق للناخب بهذا الاختيار وتؤمن به، وتمنحه الثقة التي يستحقها، فلا يصح أن تقوم المرجعية الرشيدة بمصادرة رأي الناخب، ولا يضح أيضا أن يكون الناخبين صفرا على الشمال، لأنهم أصحاب عقول تفهم جيدا من ينفعها ومن يضرها، خصوصا أن معظم المتقدمين للترشيح في الانتخابات البرلمانية الجديدة، مشاركون في العمل السياسي، وكثير منهم كان يحتل منصبا تنفيذيا أو تشريعيا حساسا، وأنهم مسؤولون عمّا آلت إليه أوضاع العراق والعراقيين.

وقد عاش العراقيون قرابة عقد ونصف مع الطبقة السياسية التي حكمت العراق بعد خلع الدكتاتورية والخلاص منها، وهضم الجميع أساليب هؤلاء السياسيين، وعرفوا عن قرب مؤهلاتهم وقدراتهم ومآربهم، من خلال عدة دورات انتخابية، لم تغب عنها نفس الوجوه، لذلك كان وضع الشعب العراقي وأحوال العراق تتردى من حال إلى حال.

ولعل الشعار الأشهر الذي أطلقته المرجعية (المجرَّب لا يجرّب) وحده كافيا لإسقاط الفاسدين وطرد الشخصيات التي أساءت استخدام السلطة عبر الحكومات الماضية، بيد أن هناك من يسعى لزج المرجعية في مكان ليس مكانها ودور لا يدخل ضمن اختصاصها، وهو تسمية الكتل والأحزاب والشخصيات الفاشلة بأسمائها، وكأن الشعب لا يعرفهم وهو العارف بكل شيء.

إن موقف المرجعية واضح تمام الوضوح، إنها تعلن رفضها لانتخاب الذين تم تجربتهم وفشلوا في إدارة البلاد، وتطالب بعدم انتخاب الفاسدين والمفسدين، ويتوهم أو يكذب كل من يدّعي أن الشعب لا يعرف الفاشلين الذين تم تجربتهم في السنوات الماضية من عمر التغيير، لقد بات موقف المرجعية مكشوفا للجميع، فماذا يريد الناخبون العراقيون أكثر من ذلك؟.

فهل هو نوع من التغاضي المسبق عمّا اقترفه السياسيين السابقين بحق العراق، أم هو عجز وتهرّب من مسؤولية الانتخاب الصحيح؟، بالطبع الإجابة واضحة، إن من يريد أن يطبق بيان المرجعية الرشيدة ويطبق رأيها بالأخص، مرجعية السيد صادق الشيرازي ومرجعية السيد السيستاني، هاتان المرجعيتان الشريفتان، واضحتان في فتواهما حيال الانتخابات، إنهما تدعوان الناخب العراقي إلى إدلاء صوته بحرية تامة، بعد التدقيق بالذي يمنح صوته له من المرشحين، ومن الخطأ أن يلقي الناخبون المسؤولية على المرجعية الدينية.

فقد بان الأمر بشكل لا يقبل التداخل أو خلط الحابل بالنابل، ومع أن بعض الكتل والأحزاب التي شاركت في إدارة السلطة بالعراق فيما سبق من حكومات ودورات انتخابية، سارعت إلى تأييد موقف المرجعية، وكأن هذه الكتل والأحزاب غير مسؤولة عن الخراب.

لكن مع ذلك ما تريده المرجعيات الرشيدة من الناخب واضح ولا يقبل التداخل أو الاشتباه، إنها تعلن بعدم اختيار المجرب وغير المجرب إذا لم يكن مؤهلا لتمثيل الشعب تمثيلا صادقا أمينا وكفؤاً، وطالب بالتدقيق والتحرّي الجدي والجاد والدقيق في سيرة كل مرشّح يتم منحه الصوت الانتخابي، وفي حال عودة الفاسدين إلى سدة الحكم، فإن الشعب والناخبين هم المسؤولين عن هذه النتيجة المزرية.

أما المرجعية الدينية الشريفة فقد قامت بدورها على أفضل وأحسن وأوضح وجه، ونبّهت الجميع إلى المخاطر التي تحيق بالبلاد، وطالب بعدم ربط مصير البلاد بأجندات إقليمية وأجنبية، وخصوصا بدول الجوار التي لا يسرها قوة العراق ولا حاضره ومستقبله المشرق.

بل تحرص كل الحرص على إبقاء العراق وشعبه ضعيفا مهلهلا ممزقا لا يمتلك سلطة واستقلالية القرار، حتى يكون بمقدورهم نهب ثروات البلاد كما يشاءون ويرغبون، فهؤلاء معروفة أهدافهم، وهي زعزعة الأمن والأوضاع الحياتية والأمنية والاقتصادية، وجعل البلاد في حالة من الاضطراب وعدم الوضوح حتى يستمر مسلسل الفساد وإهمال الشعب وإفقاره إلى إشعار قد لا ينتهي مطلقا.

وقد بات واضحا ماذا تريده المرجعية الشريفة من الناخب العراقي ومن كل الشعب، فهل هناك أوضح من جملة (عدم انتخاب الفاشلين والفاسدين والمفسدين ممن اشترك في إدارة السلطة سابقا؟)، أما من يريد يذرّ الرماد في العيون، أو يلقي باللائمة على الجميع إلا نفسه، فإنه هو الذي يتحمل المسؤولية على أي خراب قادم يطول البلاد، لذا على كل ناخب عراقي يحق له المشاركة بالانتخابات التي لم يبق عليها سوى أيام قليلة، أن يتحمل مسؤوليته كاملة في النتائج التي ستفصح عنها عملية الاقتراع الشاملة في عموم البلاد.

خصوصا أن هنالك إجراءات (إلكترونية) ضامنة لإظهار النتائج الحقيقية للتصويت وعدم قدرة أية جهة (كتلة سياسية أو حزب أو شخصية قيادية) على التلاعب بالنتائج، وهذه دوافع ومحفزات مهمة ينبغي أن تدفع بالناخبين إلى المشاركة الواسعة، شريطة الالتزام بما أوصت به المرجعيات الشريفة، وهي توصيات لا تقبل الخلط أو التلاعب أو التفسير الغامض.

اضف تعليق