لا وجود لتعدد الأحزاب وحرية إبداء الرأي، فكل من يغرد خارج السرب هو من صنيعة الغرب والاستعمار ومن أعداء الإسلام وقس على ذلك من التهم الجاهزة والمستهلكة التي طالت من ينتقدهم أو يعبر عن رأيه حتى من علماء الدين والمراجع المشهورين بعلميتهم وزهدهم وحرصهم على الإسلام...
تنتهج عدد من الدول في نظامها السياسي طابعاً يعتمد في هيكلته على النظام الإسلامي في الحكم أو بالتعاون مع المؤسسة الدينية كشريك يعطي الشرعية والمشروعية لبقاء أعلى سلطة للحاكم واستمراره في الحكم، وهو ما ولد شعوراً عاماً لدى هذه الدول بأنها من يمثل النظام السياسي والعقائدي للدين الإسلامي الحنيف مثلما ولد انطباعاً لدى الآخرين (دول، أفراد، مؤسسات...الخ) بأن ما يصدر من هذه الدول هو نتاج إسلامي يعكس طبيعة هذا الدين السماوي من دون سبر غور حقيقة هذه الأنظمة ومدى قربها أو بعدها عن الإسلام وماهية هذا النظام في حقيقة الأمر.
من نافلة القول، إن قيام دول على أساس ديني ليست بالبدعة أو المستحدثة، وإنما سبقتها تجارب كثيرة وكبيرة في مختلف بقاع المعمورة، فقد نهضت إمبراطوريات مترامية الأطراف، وغزت دول استعمارية دولاً اضعف منها وأغنى في الشرق، وشنت حروبا دامية في الغرب، وحكم آخرون أوربا بالحديد والنار تحت شعارات دينية والحكم باسم الرب، ومع هذا تستمر –وان كانت بوتيرة اقل من السابق- هذه الدول بالاستمرار واستمداد شرعيتها من الدين رغم ما يدور حولها من شواهد لا تحصى على الاستبداد والظلم من خلال تطبيقها لنظام شمولي لا يمت بصلة للأديان السماوية عموماً وللإسلام على وجه التحديد والخصوص.
إن من بديهيات العقد الاجتماعي المبرم بين النظام السياسي الحاكم والمواطن، هو تقديم كافة الخدمات للإنسان باعتباره قيمة عليا، عليه وجدت الدولة والنظام السياسي لأجل تحقيق متطلباته وحمايته وتوفير بيئة مناسبة تضمن له الحرية والديمقراطية وإبداء الرأي وممارسة معتقداته وطقوسه بلا قيود، إضافة إلى المشاركة في صنع القرار السياسي وعدم ترهيبه وقمعه أو استخدام القوة المفرطة ضده في حال وجه النقد أو الاعتراض على أداء الحكومة أو الحزب أو السلطة الحاكمة.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن وفقاً لهذه المعطيات التي تم ذكرها هو... هل نجد اليوم هذه الأمور أو بعضاً منها قد طبق في دول تدعي إن أنظمتها قائمة على أساس الحكم وفق الإسلام والشريعة الإسلامية؟ وهل نقلت تلك الدول (ولا داعي لذكر أسمائها فهي واضحة وضوح الشمس) بحق الصورة الحقيقية عن الإسلام وشريعته السمحاء ونظامه السماوي وطبقت شريعة الله في أرضه وفق موازين القسط والعدل والرحمة؟
إن اغلب هذه الأنظمة تقع أمام عدد من الإشكالات الجوهرية في بنيتها السياسية وتكوينها الديني ويمكن ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
1. عندما يتم الدمج بين نظامها السياسي وعقيدتها (النظرية) الدينية تعتقد إنها وصلت إلى حد الكمال والعصمة، التي تستمدها من نصوص دينية وعقائدية يتم تطويعها النظام القائم لدرجة لا يمكن معها نقد هذا النظام أو تشخيص مكامن الخلل فيه أو توجيه النصيحة إليه، وبالتالي فان من يحاول ذلك بالقول والفعل سيعتبر من أعداء هذا النظام ويجري عليه ما يجري على الأعداء من الإقصاء والتهميش او السجن والتعذيب والمقصلة.
2. في هذه الأنظمة التي اعتدّت بنفسها ونظامها كثيراً لا وجود للمعارضة، إذ لا وجود لنواقص أو قصور في العمل والتشكيل حتى يتم معارضته، بحسب تصورات قادتها أو من هم على رأس الهرم فيها، ومن يعترض فعليه مواجهة مصيره المحتوم في غياهب السجن وان كان من المشفقين على المجتمع وما يعانيه من استبداد خفي وظاهري لنظام شمولي يستتر بالإسلام ويروج لأفعاله من منطلق ديني بحت.
3. لا وجود لتعدد الأحزاب وحرية إبداء الرأي، فكل من يغرد خارج السرب هو من صنيعة الغرب والاستعمار ومن أعداء الإسلام والعقيدة، وقس على ذلك من التهم الجاهزة والمستهلكة التي طالت من ينتقدهم أو يعبر عن رأيه حتى من علماء الدين والمراجع المشهورين بعلميتهم وزهدهم وحرصهم على الإسلام، بل طالت هذه التهم حتى المؤسسين لهذه الأنظمة من الرعيل الأول بحجة الانحراف عن المسيرة.
4. لا وجود للحرية الاقتصادية بل احتكار الاقتصاد ورؤوس الأموال بيد الطبقة الحاكمة وأذرعها من خلال مؤسسات حكومية احتكارية تنفرد بكل شيء ولا تسمح للأخرين من منافستها او مشاركتها.
5. تصدير مشاكلها الداخلية الى خارج الحدود عبر التدخل في شؤون الدول الأخرى وافتعال الازمات هنا وهناك لتبرير الاستمرار بنهجها ونظامها الحاكم ومنحها مشروعية استخدام كافة الوسائل المتاحة للحفاظ على النظام وان كانت غير مشروعة قانوناً وشرعاً.
5. مشروعية أي عمل وتصرف تقدم عليه اعلى سلطة فيه، فهو يستمد قوته من تطويع النصوص الدينية المقدسة والأحاديث النبوية الشريفة (القرآن والسنة) ليبرر جميع خطواته السابقة واللاحقة، طبعاً بالتعاون مع طيف واسع من رجال الدين المنتفعين من بقاء هذه السلطة واستمرار شرعيتها، وهو امر يمهد لبقائها وعدم المساس بها لأنها تحكم باسم الله (عز وجل).
في المقابل طرح العديد من مراجع الدين والفقهاء من خلال لغة هادئة عددا من النصائح لتقويم اعوجاج هكذا ممارسات تسيء الى الإسلام والمسلمين أكثر مما تنقل الواقع في اقل تقديراته، او تنقل الصورة المشرقة للإسلام وطريقة الحكم فيه ومن خلاله، ومن هؤلاء المراجع اية الله العظمى الامام محمد الحسيني الشيرازي (قدس) والتي نلخصها في النقاط التالية:
1. ضرورة السماح بالمطالبة السلمية للحقوق التي يجب ان يتمتع بها المواطن ضمن الدولة والنظام القائم على أساس الإسلام.
2. السماح بتعدد الأحزاب وحق المعارضة.
3. ضمان انتخابات نزيهة بعيدة عن الزيف والتلاعب.
4. الحرية الاقتصادية بلا قيود او شروط، ورفض احتكار الدولة ومؤسساتها الرديفة للاقتصاد.
5. رفع يد اجهزة المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى عن المواطنين وارعابهم وترهيبهم.
6. اخراج معتقلي الرأي من السجون والسماح لهم بحرية التعبير عن آرائهم التي كفلها الإسلام.
7. الغاء كافة محاكم الطوارئ مثل محكمة الثورة ومحكمة رجال الدين.
8. رفع يد المؤسسات التي تدعي الثورية من التدخل في الامور السياسية والاقتصادية ومساواتهم امام القانون مثل الجميع.
9. حرية التعبير في الاعلام والصحافة والانترنت ورفع الرقابة الحكومية عنها.
10. حرية المواطنين في العودة للوطن دون ملاحقة او تزييف الاتهام لهم.
11. عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى.
12. الاعتماد على التنمية الشاملة بدلا من خطاب الحرب مع الجميع.
13. احترام استقلالية الحوزات ورفع يد السلطة والمخابرات عن التدخل في شؤونها.
اضف تعليق