نهاية الانقسام فعليا وبشكل حقيقي تبدأ بنظام سياسي فلسطيني رشيد وغير تقليدي قادر على مواجهة النموذج المقابل والتفوق عليه حضاريا، ولأن البديل لذلك أسوء مما قد يتصور بعض الحالمين؛ فنحن ببساطة أمام خيارين لا ثالث لهم على هذه الأرض فإما أن نكون عبيد أو أسياد...
تعكس حادثة تفجير موكب رئيس وزراء حكومة الوفاق الفلسطيني رامي الحمد الله وتداعياتها؛ هشاشة الوفاق الفلسطيني بين طرفي الانقسام؛ علاوة على هشاشة مسيرة إنهاء الانقسام التي أظهر الحادثة؛ بما لا يدع مجال للشك أنها تفتقد إلى أحد أهم أسسها الطبيعية؛ ألا وهو عامل الثقة بين الطرفين؛ وهو ما يضع علامات استفهام كبيرة على قدرة الطرفين على تنفيذ أي اتفاق مستقبلا وصولاً لإنهاء حقيقي للانقسام الفلسطيني؛ والذي من الواضح أنه ضرب جذوره بأعمق مما يتصور البعض ليس على الأرض فحسب بل في السيكولوجيا السياسية لكلا الطرفين، وهو ما يستلزم إعادة النظر في أدبيات وآليات إنهاء الانقسام، والتي أثبتت تجربة عقد من الزمن فشلها الذريع، ورغم ذلك لا زلنا نحاول بنفس الأدوات والأدبيات أن نعيد التجربة؛ وعبثا نتوقع نتائج مختلفة؛ فنحن نعالج العرض ولا أحد يتطرق للمرض.
أحد أهم أسباب محاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني، وكذلك أسباب الانقسام الحقيقية وبكل وضوح تكمن في خلل مسكوت عليه في النظام السياسي الفلسطيني، والذي لم يفلح في الانتقال من مفهوم الثورة إلى مفهوم الدولة في إدارة الشأن السياسي الفلسطيني على الصعيد الداخلي، ويرجع ذلك في الأساس إلى طبيعة الكيان الفلسطيني المشوه؛ والذي تشكل نتيجة عدم التزام إسرائيل بما تم الاتفاق عليه باتفاقية أوسلو، ومماطلتها المستمرة طوال سنوات المفاوضات وتهربها من الاستحقاقات الفلسطينية، والتي فرضت على الواقع السياسي الفلسطيني حالة اللادولة واللاثورة، وعلينا أن نعترف نحن الفلسطينيين أننا عجزنا على إبداع نموذج يستطيع تغيير تلك الحالة المشوهة لكياننا الوليد في تدعيم ما تبقى لنا من ثورة للوصول بكياننا إلى حالة الدولة، والحديث يدور هنا عن الوضع السياسي الداخلي الفلسطيني بمفهوم الدولة، وليس على مفاهيم السيادة للدولة على الأرض، والذي بقى بيد إسرائيل.
لا أحد ينكر صعوبة مهمة من هذا النوع، لكن في المقابل لا أحد بمقدوره القول أنها مهمة مستحيلة، لكنها مرتبطة بتغيير عميق وجذري في الثقافة السياسية الفلسطينية لمفهوم النظام السياسي الفلسطيني لأي كيان سياسي هنا على هذه الأرض بخصوصيتها التاريخية والروحية والحضارية وبديمغرافيتها وجغرافيتها السياسية المتحركة قسراً على مر التاريخ وطبقا لقوانينها الخاصة، والتي لا تمنح مكان تحت الشمس عليها إلا للأفضل ومن دون الأفضل فلا مكان له ها هنا؛ اللهم إلا في سوق النخاسة السياسية، وهو ما يعني ببساطة أننا كفلسطينيين محرم علينا أن نستنسخ النموذج العربي السياسي التقليدي في إدارة نظامنا السياسي لأن ما قد يصلح في أي مكان في هذا العالم العربي والاسلامي لا يصلح هنا؛ خاصة في وجود دولة صهيونية كإسرائيل تخوض معنا صراع وجود طويل الأمد.
وعليه فإن علينا كفلسطينيين أن نبدأ مسيرة حقيقية وفعلية في إعادة صياغة نظامنا السياسي الفلسطيني، لأن نهاية الانقسام فعليا وبشكل حقيقي تبدأ بنظام سياسي فلسطيني رشيد وغير تقليدي قادر على مواجهة النموذج المقابل والتفوق عليه حضاريا، ولأن البديل لذلك أسوء مما قد يتصور بعض الحالمين؛ فنحن ببساطة أمام خيارين لا ثالث لهم على هذه الأرض فإما أن نكون عبيد أو أسياد.
ودولة غزة التي ترسى دعائمها وترسم حدودها اليوم في واشنطن لن تكون دولة المدينة؛ ولن تحاكي سنغافورة كما يروج لها، فهي لن تكون أكثر من مستودع للعبيد يساقون منه صباحا إلى حيث يكدحون في الأعمال التي يأنفها السادة ويعودوا له في المساء؛ لينعم السادة بالسلام الاقتصادي المجاني، ولتبتلع إسرائيل ما تبقى من الضفة طوعا وبالرضى، فما سيتبقى لنا منها لن يكون بمقدوره الحياة بمعزل عن إسرائيل التي تحيط به كإحاطة السوار بالمعصم.
إن فشلنا كفلسطينيين في إنهاء الانقسام وإدارة نظامنا السياسي الداخلي؛ وإبقاء الحال على ما هو عليه؛ فلن يطول بنا الوقت كثيرا لنجد أنفسنا أمام تدويل الشأن الداخلي الفلسطيني بدعم أمريكي إسرائيلي، وهو ما بدأ فعليا بمؤتمر أمريكي في البيت الأبيض لبحث الوضع الانساني لقطاع غزة؛ وهي خطوة أولية لفصل غزة سياسيا عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ونقلها للخانة الانسانية، وهو ما يفتح الباب واسعا لنقل قضية غزة لمجلس الأمن كقضية إنسانية وليست سياسية؛ تشكل خطرا على الأمن والسلم الدولي، وهو ما يعني أن العالم سيفرض التغيير في غزة وسينهي الانقسام الفلسطيني بالانفصال التام لغزة عن الضفة، ولا يستبعد أن يكون ذلك طبقا للبند السابع، وهو ما سيمهد الطريق للتطبيق العملي لصفقة القرن؛ والتي تمثل غزة فيها مركز الدولة الفلسطينية المقترحة.
علينا جميعا أن نمنع وقوع هذه الكارثة؛ وأن نستفيق من الوهم ونواجه الواقع، وإلا فإننا لن نورث أبنائنا والأجيال القادمة غير العبودية.
اضف تعليق