على الرغم من حجم الفضائح والقضايا التي يواجهها ترامب؛ وكسره للقواعد السياسية في قضايا بعيدا عن الأعراف الدبلوماسية والأخلاقية الموجودة في السياسات الدولية، إلا أن أحد السيناريوهات المتوقعة إمكانية فوزه لأربع سنوات قادمة. ما هو مستقبل عدد من القضايا الدولية التي يمارس قادتها سياسة الانتظار لنتائج مختلفة...
قد تبدو الانتخابات الأمريكية القادمة المزمع عقدها في الثالث من نوفمبر القادم الأكثر ترقبا من جميع دول العالم نظرا لشخصية دونالد ترامب وسياسته المثيرة للدهشة؛ تلك المنافسة الانتخابية التي تدور بينه وبين جو بايدن المرشح الديمقراطي؛ وعلى الرغم من حجم الفضائح والقضايا التي يواجهها ترامب؛ وكسره للقواعد السياسية في قضايا سياسية واقتصادية عالمية بعيدا عن الأعراف الدبلوماسية والأخلاقية الموجودة في السياسات الدولية والتي التزمت بها كل الادارات السابقة.
إلا أن أحد السيناريوهات المتوقعة إمكانية فوزه لأربع سنوات قادمة. وعليه ما هو مستقبل عدد من القضايا الدولية التي يمارس قادتها سياسة الانتظار لنتائج مختلفة. وسنورد أهمها في هذا المقال:
1. العلاقة مع الصين
من أكثر القضايا المثيرة للجدل في السياسية الخارجية الأمريكية علاقتها بالصين؛ والتي تُوجت بحرب تجارية شرسة في عهده، وأدت الى تأزم العلاقات بين الجانبين، ودشن ترامب سياسة صارمة تجاه الصين خاصة في المجال الاقتصادي؛ وقام بعدة إجراءات تجاهها وفرضت واشنطن رسوم جمركية على سلع صينية؛ وكذلك عقوبات على شركات صينية مثل شركة هوواي العملاقة، وكذلك قابلتها بكين بإجراءات اقتصادية مماثلة، وشن حملة على الصين في جائحة كورونا وحمل الحكومة الصينية السبب في أزمة كورونا واتهمها بالتهاون والإبطاء في وقف انتشاره في العالم مما أدى إلى تراجع الاقتصاد الأمريكي؛ وتعهد لناخبيه بأنه سيجعل الصين تدفع ثمن الأضرار.
وكان آخر هذه الإجراءات إغلاق القنصلية الأمريكية في مدينة شينغدو الواقعة جنوب غرب الصين في شهر يوليو/2020 بقرار صيني على أثر إغلاق الإدارة الأمريكية للقنصلية الصينية في هيوستن في وقت سابق بسبب سرقة الملكية الفكرية حسب تصريح بومبيو وزير الخارجية الأمريكي.
وفي ظل هذا الجو المشحون من العلاقات بين البلدين؛ فالسيناريو المتوقع في حال فوزه أن تكون العلاقة عدائية على المستوى السياسي؛ ولكن لن تتطور إلى حرب عسكرية كما يتصور البعض نتيجة التكلفة الباهظة للحرب على كلا الطرفين خاصة في ظل التراجع الاقتصادي الذى تشهده الولايات المتحدة نتيجة جائحة كورونا، وكذلك التداخل الاقتصادي ما بين البلدين؛ والتي ستدفعهم للمحافظة على الوضع الراهن بمعنى جولات من التصعيد والمشاحنات السياسية دون الوصول لحرب ومحاولات لحل القضايا بالطرق الدبلوماسية خاصة أن الولايات المتحدة تعتبر أكبر سوق تصدير للصين وسادس أكبر مصدر للواردات.
2. مستقبل حلف شمال الأطلسي
منذ تولي ترامب منصب الرئاسة وهو يثير الشكوك حول جدوى حلف شمال الأطلسي، وتساءل في عام 2018 لماذا يتوجب على أمريكا الدفاع عن دولة عضو صغيرة مثل الجبل الأسود والمخاطرة بنشوب حرب عالمية ثالثة، وهدد أن الحماية الأمريكية لن تكون مجانية ويجب عليهم أن يدفعوا المال خاصة أن أمريكا دفعت ما يعادل 3.39% من ناتجها الإجمالي وألمانيا فقط 1.23% مقابل أمريكا الشمالية وأوروبا توفران الأمن من خلال التضامن، وقد انتقد ترامب ألمانيا لأنها لم تتجاوز في التزامها المالي ما هو معمول به في الناتو وهو 2 في المائة.
وقد أثارت تصريحاته تخوفات من الانسحاب من الحلف بالرغم من تأكيده أنه لا يريد الانسحاب بشرط الالتزام بالمستحقات المالية، ومع تأزم العلاقات الألمانية الأمريكية بعد سحب جزئي للقوات الأمريكية من ألمانيا يتوقع وزير الخارجية الألمانية زيهوفر أن هذا قد يكون مقدمة لانسحاب أمريكي من حلف الأطلسي في حال فاز ترامب في الدورة الثانية. وترامب الذي لا تربطه علاقات جيدة مع أي من زعماء دول حلف شمال الأطلسي والذي دفعته سخريتهم منه الانسحاب من مؤتمر صحفي في قمة الناتو بلندن في ديسمبر 2019؛ قد يتخذ قرار الانسحاب من الحلف خاصه أن ما يميز علاقته بالناتو بسياسة مصالح واشنطن قبل مصالح الحلفاء.
3. الملف النووي الإيراني
يرى ترامب في إيران تهديدا للأمن في المنطقة وقد نفذ ما وعد به عام 2016 بالانسحاب من الاتفاق النووي؛ ثم شدد العقوبات المفروضة على طهران ومنعها من بيع النفط الخام والوصول إلى الأسواق المالية والدولية للحد من أنشطتها النووية والصاروخية، وقد تجاوزت العقوبات حملة اغتيالات لقادة إيرانيين وتجفيف أموال لكبح حضور إيران في المنطقة، وكذلك شهدت ايران تفجيرات وحرائق في مواقع عسكرية وصناعية من جهات خارجية تشير إلى أمريكا وحلفائها.
حيث يعتقد ترامب وإدارته بأن تشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني قد يؤدى إلى ازدياد الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات المطالبة بإضعاف النظام واسقاطه أو ارغامهم على التفاوض بشروطه، وفي حال فوزه سيبقى على هذه الإجراءات القاسية بحق طهران لإرغامها على الجلوس على طاولة المفاوضات الأمريكية لتقديم تنازلات ذات قيمة، ووقفها لدعم القوى المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين. وسيناريو الحرب مع إيران مستبعد فما يقوم به من إجراءات قد يفي بالغرض المطلوب؛ وقد لا يكون أمام إيران من خيار سوى الرضوخ وتوقيع اتفاق نووي بشروط أمريكية يضمن تفكيك الجانب العسكري من مشروعها النووي.
4. ترتيبات منطقة الشرق الأوسط
تتركز السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط على مجموعة من الثوابت؛ أولها حفظ أمن إسرائيل، والسيطرة على النفط، ومنع تطور الأسلحة النووية، وأهم ما يشغلها أمن إسرائيل وهى ترى أنه لن يتحقق إلا بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لدمجها في المنطقة وفتح العواصم العربية لإسرائيل للتطبيع وإقامة العلاقات؛ وهو ما حاولت حله كل الإدارات الأمريكية للحصول على دعم اللوب اليهودي المؤثر في الانتخابات ولكنها فشلت ولم تتمكن من إنهاء هذا الصراع القائم.
ولكن ترامب حاول أن يثبت أنه الأكثر إخلاصا لإسرائيل وقدرة على حل صراعها مع الفلسطينيين والعرب؛ لذا قام منذ توليه باتخاذ مجموعة من القرارات محاولة منه لتصفية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يتواءم والرؤية اليمينة اليهودية المتطرفة الحاكمة لإسرائيل؛ فقد قام بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان؛ وأعلن عن صفقة القرن كمسودة أساسية لأى مفاوضات قادمة مع الفلسطينيين، ولم يكتفي بذلك بل قام بزرع إسرائيل في المنطقة بشكل أكبر من خلال توقيع اتفاقيات سلام مع الدول العربية بدأها بالامارات العربية والبحرين والبقية قادمة كما صرح.
وفي ظل هذا الانحياز السافر مع اسرائيل السيناريو المتوقع في حال فوزه استمرار سياسته تجاه القضية الفلسطينية ومحاولته لمحاصرة القيادة الفلسطينية ماديا ومعنويا، وقد نكون أمام سيناريو أخطر بإيعاز للدول العربية بممارسة ضغوط شديدة على الفلسطينيين للعودة الى المفاوضات أو قيام الجامعة الدول العربية برفع الغطاء السياسي عن القيادة الفلسطينية في حال استمرار رفضها؛ وكذلك دعم قيادات بديلة تتساوق والمشروع الأمريكي لإنهاء الصراع بالرؤية الاسرائيلية.
وفي الختام... كافة محاولات الإدارة الامريكية لتمرير مشروع تصفية القضية الفلسطينية لن تنجح طالما أنها لن يحظى بأي موافقة فلسطينية رسمية، وقد ينجح ترامب في فتح كل العواصم العربية أمام إسرائيل وتوقيع اتفاقيات مع الجميع وفق سياسة العصا والجزرة الذى يجيد ممارستها للوصول لغايته بمجمل القضايا، ولكنه سيفشل مع الفلسطيني لأنه باختصار يراهن على مصير شعب حافظ على هويته رغم كل ضغوطات اللجوء والذوبان الذى تعرض لها، وما قد تجنيه سياسته نتائج آنية لن تصمد لأمد طويل لأنه يجهل طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمقوماته التاريخية والإنسانية والحضارية والعقائدية.
اضف تعليق