q
الأزمة النفطية المفتعلة الأخيرة بين روسيا والمملكة السعودية والتي لعبت فيها الولايات المتحدة الأمريكية ولأول مرة دور الوسيط المحايد وكأنها تعلن عن نفسها لاعبا مهما جديدا في سوق تصدير النفط العالمي؛ لاعب اقتصاديا مصدر لا مستورد كما عهده السوق الدولي للخام؛ لاعب له مصالحه الاقتصادية...

منذ قرن من الزمن ومنطقة الخليج العربي تعتبر أحد أهم مناطق العالم حيوية، وذلك كونها قلب طاقة العالم النابض والذي يضخ دماء الاقتصاد العالمي المتمثل في النفط الخام؛ ومن المتوقع أن يبقى كذلك لعقود قادمة في ظل غياب أي بديل عنه كمصدر طاقة لتحريك عجلة الاقتصاد العالمي.

من هذا المنطلق مثلت منطقة الخليج العربي الغنية باحتياطيات نفطية كبيرة نفوذ مهم للغرب، وباعتبارها أهم منطقة حيوية للاقتصاد الأمريكي والعالمي تخضع للنفوذ الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ وتعتمد عليها الولايات المتحدة لإدارة عجلة الصناعة الأمريكية. وقد أبرمت الولايات المتحدة عدة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وضمنت بموجبها موطئ قدم عسكري فاعل على الأرض للدفاع عن مصالحها الاقتصادية في المنطقة، وهو ما أدى إلى انتشار العديد من القواعد العسكرية البرية والبحرية في منطقة الخليج ومياهه، وقد اتضح هذا النفوذ جليا خلال الحروب التي حدثت في المنطقة في العقود الماضية.

وبقي الحال على ما هو عليه في تلك المنطقة باعتبارها أهم مناطق النفوذ الأمريكي في العالم؛ لكن تطور تكنولوجي حدث في الولايات المتحدة العام 2014 غير الكثير من المعادلات والحسابات الاقتصادية الاستراتيجية وتغيرت معها الحسابات والاستراتيجيات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية؛ ولاحقا لهذا التطور التكنولوجي تمثل في ابتكار شركات النفط الأمريكي لتقنيات جديدة لاستخراج النفط الصخري على وقع الارتفاع في أسعار النفط التي شهده العام 2013؛ والذي تجاوز خلاله برميل النفط حاجز 100 دولار. هذه التقنيات يتم بموجبها استخلاص النفط من طبقات صخرية صماء تحوي مخزونا من خام النفط الخفيف بتكلفة أقل من 50 دولار للبرميل.

ومن هنا بدأت ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة التي تحوى احتياطيا كبيرا من هذا النفط في الطبقات الجيولوجية بها؛ ومع اقتراب عقد من الزمن على هذا التاريخ شهدت خلاله هذه التقنية مزيدا من التقدم التكنولوجي في صناعة النفط الأمريكي أدت إلى تخفيض كلفة الانتاج للبرميل من النفط الصخري ليقترب شيئا فشيئا من كلفة النفط العادي وحتى أن بعض الدراسات رجحت أن تصل كلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط الصخري مستقبلا إلى أقل من 10 دولارات. وأصبح لدى الولايات المتحدة اكتفاء ذاتي من النفط وتحولات خلال السنتين الأخيرتين إلى مصدر للنفط الخام ينافس أسواق العالم ويريد موطئ قدم في سوق التصدير للخام بجانب الأوبك وروسيا الاتحادية.

وهو ما تجلى واضحا في الأزمة النفطية المفتعلة الأخيرة بين روسيا والمملكة السعودية والتي لعبت فيها الولايات المتحدة الأمريكية ولأول مرة دور الوسيط المحايد وكأنها تعلن عن نفسها لاعبا مهما جديدا في سوق تصدير النفط العالمي؛ لاعب اقتصاديا مصدر لا مستورد كما عهده السوق الدولي للخام؛ لاعب له مصالحه الاقتصادية التي قد تتضارب مع حلفائه التاريخيين بعدما تحول من مستورد مستفيد إلى مصدر منافس، لكن هذا التدخل الأمريكي والذي أتى في توقيت يبدو مخطط له بإحكام بعد انهيار أسعار الخام عالميا وتوقعات خبراء الاقتصاد أن يصل سعر الخام مستقبلا إلى صفر دولار إذا ما استمرت أزمة المضاربة في زيادة الانتاج التي تبنتها السعودية للضغط على روسيا.

هذا التدخل الأمريكي الناجع والذي أدى إلى حلحلة الأزمة بين روسيا والسعودية ونقول حلحلتها وليس حلها؛ هذا التدخل يذكرنا بالتدخل الأمريكي الحاسم في أزمة السويس 56 من القرن الماضي؛ والذي كان بمثابة تنصيب الولايات المتحدة الأمريكية الوريث الوحيد والراعي الرسمي للمصالح الغربية خلفا للمملكة المتحدة.

والسؤال المطروح اليوم من سترث الولايات المتحدة الأمريكية في سوق النفط العالمية بعدما تحولت من مستورد إلى منتج للنفط الخام؛ وما هو مستقبل دول الخليج النفطية في ظل واقع كهذا يفقد فيه برميل النفط نصف سعره؛ علما أن هذه الدول تعتمد بما يزيد عن 60% في أحسن الأحوال من موازناتها السنوية على عائدات تصدير النفط الخام، وما هو مستقبل أمن منطقة الخليج والذي لا ينفصل بالمناسبة عن أمن منطقة الشرق الأوسط وأوروبا في ظل تغير اقتصادي جذري من هذا القبيل، وهل من الممكن أن تتحول منطقة الخليج إلى منطقة فوضى مفتعلة واقتتال قد تصل إلى حالة بعض الدول المحيطة لكى تفسح المجال للعملاق الأمريكي ليتربع على عرش أسواق تصدير الخام بعدما فقدت المنطقة أهميتها الاقتصادية للولايات المتحدة، وهو ما سيترتب عليه تغيرات كبيرة قد تبدو دراماتيكية في المنطقة برمتها في ظل تنامى قوى إقليمية ودولية في المنطقة تسعى وبكل قوتها لإيجاد قاعدة نفوذ لها.

والسؤال الأهم ما علاقة كل هذا بما يعرف بصفقة القرن والتي تسعى لشرعنة وجود إسرائيل في المنطقة وتموضعها في القطاعات الاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها؛ والتي هي جزء من الترتيبات الأمريكية الاستراتيجية طويلة الأمد للنفوذ الأمريكي في المنطقة؛ والذي من الواضح أنه سيختلف شكلا ومضمونا عن ما كان سائدا لقرن من الزمن. وأين هي المصالح العربية المشتركة في كل هذا القادم؟ وهل ثمة وجود لمصالح عربية مشتركة في كل ما نرى؟؟؟

* أستاذ علوم سياسية

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق