اتسعت رقعة التظاهرات في تونس الى اغلب مدن البلاد، احتجاجا على غلاء اسعار بعض السلع وفرض ضرائب جديدة، وأدت هذه الحركة الشعبية الى جرح عدد من المحتجين في المواجهات التي وقعت بينهم وقوات الامن، فيما وصفت صحف عربية ما يحدث في تونس بانه "الربيع العربي الثاني" بينما يقول مراقبون ان شهر كانون الثاني هو شهر التظاهرات السنوية في تونس لاسباب تتعلق بالموازنة العامة للدولة.
واشتبكت مع محتجين على الحكومة في العاصمة تونس وعدد من المدن الأخرى، مساء الثلاثاء، مع اندلاع مظاهرات جديدة ضد إجراءات التقشف بعد يوم من مقتل محتج في الاضطرابات. بحسب وكالة "رويترز".
واندلعت الاحتجاجات فيما لا يقل عن 12 مدينة تونسية، منها سوسة والحمامات، بسبب رفع أسعار بعض المواد الاستهلاكية والبنزين، وفرض ضرائب جديدة؛ في محاولة من الحكومة لخفض عجز الموازنة وإرضاء المقرضين الدوليين.
وفي تونس العاصمة ذكر شاهد عيان أن "الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع في منطقتين، وعلى مجموعة اقتحمت متجراً لسلسلة كارفور".
وذكر شهود أن "اشتباكات جديدة اندلعت أيضاً في مدينة طبربة (غرب العاصمة) حيث قتل محتج الاثنين الماضي، وشوهد جنود هناك".
وقبل ذلك بساعات دعا حمة الهمامي، زعيم الجبهة الشعبية الذي يقود المعارضة، في مؤتمر صحفي بالعاصمة تونس، إلى مواصلة الاحتجاجات إلى أن تلغي الحكومة قانون المالية الذي وصفه بـ "الجائر"، والذي يشمل زيادة الأسعار والضرائب.
وأضاف: "اليوم لدينا اجتماع مع أحزاب معارضة أخرى لتنسيق تحركاتنا، ولكننا سنبقى في الشارع وسنزيد وتيرة الاحتجاجات حتى نسقط قانون المالية الجائر الذي يستهدف خبز التونسيين ويزيد معاناتهم".
وتصاعد الغضب الشعبي منذ أن رفعت الحكومة ابتداء من الأول من يناير الجاري، أسعار البنزين وبعض السلع، وزادت الضرائب على السيارات والاتصالات الهاتفية والإنترنت والإقامة في الفنادق وبعض المواد الأخرى، في إطار إجراءات تقشف اتفقت عليها مع المانحين الأجانب.
اتهامات للمحتجين
ورفض رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الثلاثاء، 9كانون الثاني، وصف ما حدث بالاحتجاجات، مشيرا إلى تسجيل عمليات نهب وتخريب خلال الأحداث. لكن الشاهد اعتبر الوضع الاقتصادي صعبا في تونس، معبرا عن أمله بأن ينتهي هذا الوضع قريبا.
الى ذلك ذكر المتحدث باسم وزارة الداخلية خليفة شيباني، إن نحو 50 ضابط شرطة أصيبوا بجروح في الاشتباكات مع المتظاهرين. ولم يذكر المتحدث عدد من أصيب من المحتجين. وكانت الاحتجاجات قد بدأت عقب إعلان الحكومة التونسية عن زيادة في أسعار بعض السلع الاستهلاكية والوقود وضريبة المبيعات.
ونقلت وكالة رويترز عن المتحدثة باسم الداخلية، أن 44 شخصا اعتقلوا بسبب حملهم أسلحة مثل السكاكين، وإشعال النار في مبان حكومية، ونهب المحال التجارية أثناء الاحتجاجات. من جانب آخر نفت السلطات أن يكون مصرع شخص خلال الاحتجاجات مساء الاثنين، جاء نتيجة دهسه بالسيارة.
وقال الشيباني في تصريح لقناة "روسيا اليوم"، إن وفاة المحتج تسبب فيها ضيق تنفس، وليس الدهس بالسيارة. وأصدرت الداخلية التونسية بيانا مساء الاثنين، أكدت فيه أن القتيل توفي بسبب مرض مزمن، "خلافا لما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال ليلة 8 يناير بخصوص وفاة شخص بجهة طبربة من ولاية منوبة نتيجة دهسه من طرف سيارة أمنية".
ووفقا للبيان "تُعلم وزارة الداخلية أن القسم الاستعجالي بالمستشفى المحلي بطبربة تولى قبول شخص من مواليد 1972 حيث أكد الطاقم الطبي بالمستشفى المذكور أن المعني في حالة غير طبيعية ويعاني من مرض مزمن "ضيق التنفس"، ولا يحمل أية آثار عنف أو دهس، ومنه تم نقله إلى مستشفى الرابطة بالعاصمة، ورغم تقديم الإسعافات اللازمة له إلا أنه توفي هناك.
وكان وائل نوار، القيادي في حملة "ماذا ننتظر" بتونس، أكد مقتل أحد المحتجين اسمه خميس بن صادق يفرني، مشيرا إلى أن القتيل دهسته سيارة شرطة أثناء محاولتها تفريق المحتجين. وأضاف نوار أنه تقرر تنظيم مسيرة احتجاجية الثلاثاء في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة احتجاجا على مقتل الشاب.
شهر الاحتجاجات
وأكّد عبد الحميد الجلاصي، القيادي في حركة النهضة، أن التحرّكات الاحتجاجية الأخيرة التي تعيشها عدد من المدن التونسية لم تكن مفاجئة؛ بسبب استشعار الجميع الصعوبات التي تعانيها العائلة التونسية في تدبير أمورها، وتراجع مستوى العيش، وتضرّر الطبقة الوسطى.
ورأى الجلاصي، في حوار مع موقع "الخليج اونلاين" أن "شهر يناير هو تاريخياً شهر الاحتجاجات الاجتماعية في تونس؛ لأنه الشهر الذي ينطلق فيه تطبيق قانون المالية بعد إقراره في شهر ديسمبر الماضي، وقد يتضمّن ذلك إجراءات تؤثّر في المقدرة الشرائية للمواطنين، وقد حصل هذا سنة 1978 وسنة 1984، كما حدثت تحركات اجتماعية كثيفة منذ سنتين في المثلث التقليدي للاحتجاج (قفصة والقصرين وسيدي بوزيد)".
النهضة تتفهّم الاحتجاجات
وعن موقف حركة النهضة من هذه الاحتجاجات قال الجلاصي: "من حيث الموقف منها نحن نتفهّمها، فلا يمكن أن تلوم أحداً خرج محتجّاً على ضنك العيش، كما أن الحق في التعبير عن وجهة النظر والحق في الاحتجاج كفله الدستور، ولا مجال لمناقشة الحقوق التي أقرّها الدستور وحصل عليها التونسيون نتيجة ثورة قّدموا فيها شهداء، ونتيجة مسار نضالي تواصل عقوداً".
وأضاف: "الاحتجاج صرخة، إذن السؤال يجب ألا يوجه للمحتجين وإنما لمجمل النخبة السياسية والاجتماعية بحاكميها ومعارضيها، بأحزابها ومنظماتها وجمعياتها؛ لماذا دفعتم الناس للتظاهر؟ هناك مشكلة ما في النظام السياسي وفي العلاقة بين عالم النخبة والشارع، هذا هو السؤال الحقيقي".
وأوضح عبد الحميد الجلاصي أن "هناك خشية من أن تنحرف التحركات عن منحاها السلمي المقبول فتهدد المؤسسات والممتلكات والمكتسبات، وترهق جهاز الأمن المستنفر في الحدود الجنوبية والمتحفّز في الحدود الغربية".
ولفت إلى أن "المطلوب الآن محافظة الاحتجاجات على سلميتها، وهنا يتمثّل دور الشارع في صناعة القرار، وتفاعل الحكومة بالتواصل والاستماع واتخاذ الإجراءات، وتفاعل أحزاب الحكومة من خلال ترشيد السياسات، وتفاعل المعارضة من خلال المؤسسات بتقديم المقترحات البديلة، وهو ما يكسبنا خبرة في إدارة الأزمات في سياق ديمقراطي بتفعيل كل الآليات، كل من موقعه وحسب خصوصياته ومصالحه أيضاً".
الجبهة الشعبية متورّطة
وحول إن كانت هناك أطراف حزبية بعينها تقف وراء هذه الاحتجاجات، استبعد عضو مجلس الشورى لحركة النهضة ذلك، مشيراً إلى أن لـ "الاحتجاجات دوافع حقيقية، إضافة إلى أن الشعب التونسي أظهر صبراً خارقاً على نخبته".
واستدرك قائلاً: "لكن في المقابل توجد أطراف حزبية تحاول الاستفادة من التحركات وتوظيفها، والفاعلون في هذه التحركات أصناف ثلاثة؛ فئات محبطة من المنجز التنموي إجمالاً خلال السنوات الأخيرة، أو متضرّرة من الزيادات الأخيرة في الأسعار، وجهات حزبية تستثمر في الغضب وتعيش ازدواجية بين وجودها في مؤسسات الدولة وتوظيف الشارع، وفي حسابها تحقيق مكاسب انتخابية".
وبيّن أن "أكثر هذه الأطراف صراحة هي الجبهة الشعبية، وأهم مكوّناتها تنظيمات شيوعية عاجزة عن الخروج من ثقافة الاحتجاج، ولكن توجد تنظيمات أخرى توظّف التحرّكات، خاصة في عدد من الجهات تعتبرها معاقلها".
وتابع: "هناك أيضاً جهات إجرامية ومنحرفة بعضها ينفّس عن كتلة الغضب على مجمل الوضع، وبعضها يوظفه كبار المهربين والمحتكرين لاستنزاف المجهود الأمني، أو ثني الحكومة عن المضيّ في محاربة الفساد، رغم أن الخطوات خجولة لحدّ الآن، في وقت يُخشى فيه أن يدخل المكوّن الإرهابي على خط هذه الخريطة".
جهات أجنبية تستثمر الاحتجاجات
وعن اتّهام دولة الإمارات بالوقوف بطريقة أو بأخرى خلف هذه الاحتجاجات التي خرجت عن طابعها السلمي، أكّد القيادي بحركة النهضة أن لـ "الاحتجاجات أسبابها الموضوعية، ولكن من غير المستبعد من زاوية التحليل وجود جهات أو دول تستثمر ذلك في المقابل، فالجميع يعرف وجود دول من أبناء العمومة أو من الأباعد لا يسعدها كثيراً تقدم الديمقراطية في المنطقة أولاً، واندراج حركة النهضة فيها".
وبيّن أن هذه الجهات "سعت لإرباك المشهد في البلاد ولا نتمنّى لها أن تتواصل، فالتونسيون لا يقايضون في سيادة بلادهم واستقلال قرارها الوطني، وحتى من أخطأ في وقت ما لعله انتبه إلى أنه قد يربح مكاسب من هذه الجهة الخارجية أو تلك، ولكنه في النهاية يخسر سمعته والناخب التونسي".
عبد الحميد الجلاصي أقرّ في حواره مع "الخليج أونلاين" بأنّ الأوضاع في تونس صعبة، ولكنّه لم يخفِ يقينه بأن كل الأطراف السياسية سيكون لها من العقلانية بحيث تفهم أنها في نفس المركب، وأنه مطلوب منها إيجاد الحلول لا الاستثمار في الأزمات.
الاولى من نوعها
ولئن كانت تونس شهدت الكثير من احتجاجات أهالي الجهات الداخلية والاحياء الشعبية خلال السنوات السبع الماضية فإن هذه الاحتجاجات تعد الأولى من نوعها سواء لجهة نسق تصاعد سخط الأهالي أو لجهة مساندة غالبية الأحزاب وقوى المجتمع المدني لها وفي مقدمتها المركزية النقابية.
وقال مراقبون إنه من الإجحاف اختزال الاحتجاجات في مجرد احتقان طارئ، مشددين على أن تونس باتت تعيش أزمة اجتماعية تضاف إلى الأزمة السياسية وهو ما يستدعي من الدولة ومن القوى السياسية والمدنية التعاطي مع أوضاع البلاد بناء على أنها تحولت إلى أزمة هيكلية إذا ما أضفنا إليها الأزمة الاقتصادية.
ويقول الملل السياسي نزار بن عبدالله "إن الأزمة الاجتماعية تغذت من الأزمة السياسية لا فقط بشأن تدني أداء الحكومة في فتح الملفات الحارقة وإنما أيضا بشأن أداء ومواقف الأحزاب" مشددا على أن "القوى السياسية والمدنية تساند الاحتجاجات تحت عنوان الإصغاء للتونسيين متجاهلة أنها وقعت هي نفسها على قانون المالية الذي استوجب إجراء إصلاحات من بينها الترفيع في الأسعار".
ويضيف بن عبد الله في تصريح لموقع "ميدل أيست أونلاين" إن "أزمة الطبقة السياسية سواء منها المؤتلفة في الحكم أو المعارضة أو حتى المستقلة ألقت بظلالها السلبية على الأوضاع الاجتماعية التي باتت فرصة لعدد من الأحزاب التي تسعى إلى توظيفها سياسيا لغايات انتخابية خاصة وان البلاد قادمة على الاستحقاق البلدي".
المدنية تمارس الشعوبية
ويحمّل مراقبون الأطراف الداعمة للاحتجاجات مسؤولية ما ستنجر عنه الأزمة الاجتماعية من تداعيات على الاستقرار والأمن وأيضا على المسار الانتقال الديمقراطي، مشددين على هكذا مساندة سياسية تفهمت مطالب المحتجين ولكنها لم تتفهم لا إمكانيات تونس المحدودة ولا طبيعة الإصلاحات التي تستوجب التضحيات.
ووصف بن عبد الله الأحزاب السياسية والقوى المدنية وفي مقدمتها المركزية النقابية بـ"ممارسة الشعبوية السياسية في تعاطيها مع الاحتجاجات" وبتجريد نفسها من دورها في تهدئة الأوضاع لا في تأجيجها بخطاب استهلاكي لا يخلو من الانتهازية.
وأضاف يقول "هناك استخفاف مقيت من قبل القوى المساندة للاحتجاجات، استخفاف قد يقود إلى تعميق الأزمة السياسية والاجتماعية" لافتا إلى أن "تونس تقف اليوم على مشارف انتفاضة ثانية ولكن هذه المرة قد تأتي على الأخضر واليابس وتجهز على التجربة التونسية سياسيا وتنمويا وتزج بالبلاد في المجهول".
وأعادت الاحتجاجات إلى أذهان بعض التونسيين ما يعرف بانتفاضة الخبز العام 1984 التي فرضت على الزعيم الحبيب بورقيبة التراجع عن قرار الترفيع في أسعار الخبز.
ورأى رياض الردادي أستاذ علم الاجتماع أن الاحتجاجات "مشروعة" لا فقط على غلاء الأسعار وإنما على فشل الحكومات المتعاقبة في توفير الحلول للمعضلات التنموية والاجتماعية وغياب سياسة تواصلية ناجعة مع الجهات والأحياء الشعبية".
غير أنه طالب بالمقابل الأحزاب والقوى المدنية إلى النأي بنفسها عن تأجيج المظاهرات وتوظيفها لغايات سياسية خاصة وأن البلاد تمر بأزمة هيكلية باتت تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني، داعيا إياها إلى التنقل إلى الجهات والاحياء الشعبية ومساعدة الدولة على التهدئة من خلال عقد اجتماعات مع المحتجين للتخفيف من سخطهم.
انتهازية سياسية
وقال أحمد السماوي محافظ منوبة إن الاحتجاجات تم إخراجها من طابعها السلمي وتحولت إلى محاولات للتخريب والنهب من خلال استهداف مقر المعتمدية وعدد من المحلات التجارية داعيا الأهالي إلى التهدئة.
واذا ما رأت اتجاهات في الرأي العام أن الاحتجاجات السلمية مشروعة باعتبارها تعكس السخط على ارتفاع مشط للأسعار وتدهور المقدرة الشرائية وغياب التنمية، فإنها تشدد بامتعاض على أن عددا من الأحزاب التقطت مشروعيتها في مسعى إلى توظيفها سياسيا لإسقاط حكومة الشاهد.
وتقول زينب الماكني إحدى المحتجات "من حقنا أن نطالب الحكومة بالتراجع عن قرارها ومن حقنا أن نعبر عن همومنا بطريقة سلمية. نحن لا نطالب بإسقاط الحكومة بل ندعمها وإنما نطالبها بتوفير لقمة العيش الكريم".
وقال زوجها علي الرياحي لموقع "ميدل ايست اونلاين"، "كلما خرجنا إلى الشارع لمطالبة الحكومة بتوفير مقومات الحياة الكريمة، سارعت الأحزاب إلى سرقة مطالبنا وتحويل وجهتها إلى غايات سياسية ووظفتها في أعمال نهب وعنف، نحن نتظاهر سلميا ويبدو أن هناك من يندس بيننا في كل مرة لتشويه حقنا في الاحتجاج".
ويظهر إشعال فتيل الاحتجاجات وتأجيجها من قبل أحزاب أنها ما انفكت تمارس سياسة الانتهازية والمساومة والضغط على الحكومة وحتى ابتزازها.
ويرجح مراقبون وسياسيون أن تقود الأزمة السياسية والاجتماعية إلى إسقاط حكومة يوسف الشاهد، على الرغم من أن الرجل أبدى خلال فترة رئاسته للحكومة نوعا من الحزم في إدارة الشأن العام وبدا في إجراء إصلاحات تهدف بالأساس إلى مقاومة الفساد والتهريب وإنعاش الاقتصاد وتوفير التنمية. بحسب موقع "ميدل ايست اونلاين".
وفي ظل النسق التصاعدي للأزمة سياسيا واجتماعيا لا يستبعد المراقبون أن ترفع حركة النهضة غطاءها السياسي عن يوسف الشاهد الأمر الذي سيقود بالنداء نفسه إلى اضطراره رفع هكذا غطاء بعد أن تجردت الحكومة من هويتها الوطنية في سيناريو مشابه لسيناريو حكومة الحبيب الصيد التي سقطت بعد رفع كل من النداء والنهضة غطاءهما السياسي وتحميل الصيد شخصيا المسؤولية.
اضف تعليق