هل كان توقيت الاحتجاجات في ايران محرجا لقوى دولية واقليمية بقدر ما كان مناسبا لأخرى؟
قد يبدو السؤال فائضا عن الحاجة، في ضوء ما تشهده المنطقة من صراعات، افرزت خنادق متقابلة، وهو ما لم يعد خافيا على احد، لاسيما في السنوات الاخيرة. لكن الذي اردناه من طرح السؤال، هو حساسية توقيت هذه الاحتجاجات ومدى تأثيرها على مجريات الاحداث المختلفة اقليميا.
بعيدا عن وجود مؤامرة من عدمها، فان ما تشهده ايران اليوم، هو نتاج اوضاع اقتصادية صعبة، يعرف الجميع انها باتت تشكل عبئا على المواطن هناك، نتيجة الحصار والكلفة العسكرية الثقيلة التي تدفعها ايران في اكثر من منطقة، تجد الحكومة الايرانية، ان حضورها في ميادينها الملتهبة، يمثل دفاعا عن امنها القومي، وانسجاما مع قناعاتها العقائدية والسياسية.
لا شك ان المنطقة تشهد محاولات دولية جادة لحسم ملفات ساخنة، مثل الملف السوري واليمني والقدس وكذلك الملف الكردي، اذا جاز لنا ان نفصله عن اعماقه المتعددة. وكل جهة دولية او اقليمية، لها حساباتها الخاصة، وتصوراتها للشكل النهائي الذي تريده لكل ملف. وفي جردة حساب سريعة للاسباب التي تقف وراء المواقف المتعارضة من احداث ايران، نجد ان المحور الاميركي، يريد ان يحسم هذه الملفات تحت ضغط الواقع الجديد، او اذا ما وصلت الاحتجاجات مرحلة محرجة للنظام، او تحدث واقعا مخلخلا هناك، لان هذا سينعكس بالتأكيد على الملف السوري ويربك الاوضاع في اكثر من جهة مدعومة ايرانيا، ويقوي جبهة واشنطن على حساب الجبهة الروسية، بالاضافة الى الملف الكردي، الذي تدفع اميركا الى تفعيله في ايران لاكثر من سبب، اولها تقوية موقف اقليم كردستان العراق في مفاوضاته مع الحكومة المركزية في بغداد، وابقاء الاقليم والكرد الايرانيين ورقة قوية في يدها لابتزاز ايران وتركيا معا.
تركيا التي تعاونت مع منافستها الاقليمية ايران في هذا الملف، وتحديدا بعد الاستفتاء على استقلال اقليم كردستان العراق في ايلول الماضي، وعملتا على تضييق الخناق عليه، لتحجيم دوره او حتى الغائه ككيان سياسي، كانت اول الداعمين لطهران بعد الاحتجاجات لحساباتها هذه اكثر من غيرها، ليقينها ان تداعيات الوضع في ايران يعطي المعارضة الكردية الايرانية المدعومة اميركيا او التي ستدعم مباشرة لاحقا، زخما مضاعفا على مختلف المستويات، ما يعني ان المعادلة الاقليمية ستتغير وتتغير معها المعادلة الدولية، وهذا سينعكس على دور روسيا التي تخشى ضعف حلفائها او اضعاف موقفهم في المنطقة، آخذين بنظر الاعتبار، ان تركيا بعد ان رأت انحياز واشنطن للاقليم الكردي، ومحاولة جعله كيانا شبه مستقل عن الدولة العراقية، مالت باتجاه المحور الاخر، ولو تكتيكيا، لاحراج واشنطن وحلف الناتو، بغية اعادة النظر بالموقف من الاقليم، ونزعته الى الاستقلال. نحتاج إلى التذكير ايضا بأن الحركة المسلحة الكردية في ايران (حزب الحياة الحرة) المدعومة من حزب البارزاني، قامت بهجمات، انطلاقا من الاراضي العراقية، واثارت مسالة ضبط الحدود بين البلدين وضرورة تواجد القوات الاتحادية، بغية الحد من هذه الاعمال، لتجنب المشاكل مع دول الجوار.
العراق، بدوره سيتأثر بالتغييرات في ايران ان حصلت، حتى وان لم يتغير النظام هناك، أي ان واقعا مرتبكا في ايران شبيه بما حصل لسوريا، قد يفرض على العراق استحقاقات قاسية، لان حدوث منطقة فراغ سياسي في منطقة كردستان ايران، سيخلق تداعيات جديدة يصعب التكهن بنتائجها.
اغلب دول الاتحاد الاوروبي سارعت الى اتخاذ مواقف اجرائية غير منحازة، مثل ضبط النفس وحق التظاهر وحقوق الانسان، مما يحصل في ايران، لعلمها ان مثل هذه الاحداث تمثل ثغرات خطيرة امام الانشطة السرية لأجهزة المخابرات المعنية، للدفع باتجاه اهداف سياسية خارج تطلعات المحتجين او علمهم حتى، سواء في ايران او غيرها. وهو ما تدركه ايضا جميع الدول المعنية بأمر ايران، والمدركة لاهمية وحدتها بالنسبة لها، وتحديدا في هذه المرحلة بالذات.
دعوة واشنطن مجلس الامن الى عقد جلسة طارئة لإدانة النظام وتشديد الخناق عليه، لا تأتي فقط في سياق موقفها المعروف من النظام في طهران، بل لاستثمار الفرصة وحسم الملفات العالقة التي اشرنا اليها. بينما ياتي موقف روسيا لحساباتها الخاصة ايضا، خشية ان ينتهي الامر بمحاصرتها جيوسياسيا، بعد ان تغدو ايران ساحة مفتوحة لمناورات سياسية ذات طابع استراتيجي في حال خرجت الاوضاع عن السيطرة بعد تدخل المحور المضاد.
كل هذا يبقى رهن تطورات الاحداث في ايران ومدى قدرة الحكومة الايرانية في السيطرة عليها من عدمها، وهذا هو العامل الحاسم الذي يقطع الطريق على كل هذه الاجندة او يفتحها ايضا!
اضف تعليق