ما أن توفرت فرصة لشباب العراق بان ينطلق لاستعادة البلاد وبنائها، تغير كل شيء وأزاح العراقيون كابوس الارهاب ونظفوا أرضهم الطاهرة من دنسه وعاد العراق قويا ليس بمؤسسته العسكرية والامنية فقط، بل بتلاحمه الاجتماعي الذي اذهل العالم، بعد أن ظن كثيرون أن العراق الذي يعرفونه سابقا انتهى والى الابد...

في سني الارهاب الذي ارتدى لبوسا طائفيا، واشاع الخراب والجدب في اغلب ارجاء البلاد، صار كثيرون يتحدثون عن انتهاء العراق دولة وشعبا، وشاعت عبارة مثيرة للألم يقولها البعض تحت ضغط اليأس او التشاؤم هي (العراق بعد ما يرجع).

لكني وإن كنت مثقلا بالألم لما يحصل، كنت واثقا ايضا من ان هذه العاصفة الصفراء ستمر وتصبح من الماضي، وان كان لها ثمن دفعناه غاليا من ارواحنا واموالنا وزمننا المهدور. لم يعرف البعض أن سر قوة العراقيين يتمثل في قدرتهم على التحمل بسبب كون العراق وعلى مر التاريخ كان ميدانا لتحولات ثقافية كبرى، رافقتها صراعات وانتهت إلى تكريس ثقافة التجاور، التي تتجسد اليوم بكثرة الأديان والمذاهب في العراق.

وهذه الثقافة او النموذج الذي بات حضاريا بامتياز، جعل الشخصية العراقية متقبّلة للمختلف ثقافيا وتراه أمرًا طبيعيا، ولعل محافظة ميسان تعد نموذجا بارزا لهذا الواقع، حيث يتعايش فيها العراقيون من اليهود والمسيحيين والصابئة والمسلمين بمختلف مذاهبهم، ولم يعرف يوما أن جريمة حصلت فيها بسبب هذا الاختلاف، او أن أحدا من أي ديانة او مذهب اعتدى يوما على أخيه من ديانة او مذهب آخر. هذا ليس للتباهي او الاستعراض، وانما هو عرض لحقائق حيّة في اذهان الناس، وهذه الحقائق كانت وراء نهضة العراق الحديث بعد قيام الدولة العراقية مطلع عشرينيات القرن الماضي.

اذ بعد بضعة عقود أصبح العراق في مقدمة دول المنطقة وعلى مختلف المستويات، لا سيما الحلقات الرئيسة التي تصنع المستقبل، كمؤسسات التعليم والصحة والجيش، حيث اصبحت الاكاديميات العراقية المختصة بهذا المجال في الطليعة، وهذه لا تحتاج إلى شهادة من احد، على الرغم من أن العراقيين لم يكونوا راضين عن واقعهم السياسي وقتذاك، الذي شابه فساد وتفاوت طبقي، كان بالإمكان معالجته لوجود ثروة كبيرة تغطي شعبه وتزيد.  

وبعيدا عن الاسباب التي ادت إلى نكسات كبيرة في حياة العراقيين، لكن جذوة الابداع وقوة الامل ظلت تتقد في اعماق الشعب الذي لاقى صنوفا من محاولات الايذاء الذي وقفت وراءه جهات لا تريد له ان ينهض من جديد، بل ظن بعض المتشائمين في العامين 2006 و2007 ان العراق انتهى وسيصبح نتفا بعد أن يتمزق او أنه بدا وقتذاك ممزقا ومقطّع الاوصال. 

لكن ما أن توفرت فرصة لشباب العراق بان ينطلق لاستعادة البلاد وبنائها، تغير كل شيء وأزاح العراقيون كابوس الارهاب ونظفوا أرضهم الطاهرة من دنسه وعاد العراق قويا ليس بمؤسسته العسكرية والامنية فقط، بل بتلاحمه الاجتماعي الذي اذهل العالم، بعد أن ظن كثيرون أن العراق الذي يعرفونه سابقا انتهى والى الابد. وهكذا طويت صفحة سوداء وبدأت صفحة جديدة تحتاج منا إلى المزيد من الارادة لتفعيل قدرات هذا الشعب المكافح، الذي عاد لمختلف الساحات ليرسم صورته، ثقافيا وعلميا ورياضيا وفي كل المجالات.  

والوقائع تتحدث ولا تحتاج إلى من يشير اليها، شعب العراق ينطوي على طاقات ابداعية كبيرة، وانه مهيأ وبصدق لأن يكون في الصدارة دائما، وأن تفعيل الارادة المستمر هو المطلوب وبشكل مستمر أيضا.

اضف تعليق