أصبحنا مع الزمن نعرف ماذا سيقول هذا المحلل السياسي حين يظهر في برنامج معين، وماذا يقول الآخر الذي يظهر معه في البرنامج نفسه أو غيره حين يكون الحديث عن أمر يختلف عليه الأسياد، والأمر لا يختلف مع فيسبوك ومنشورات البعض ممن صاروا معروفين بما سينشرونه عند كل حدث أو موقف!...

من الأمور التي أفرزتها ثورة الإعلام والاتصال الحديثة المتمثلة بالفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) و(يوتيوب) وغيرها، كثرة المعتلين لهذه المنابر، التي بات من الصعب ضبط الكثير منها لتكون رصينة ولو بالحد الأدنى، بسبب استقطاب العديد من المؤسسات والقوى السياسية وحتى الشخصيات العامة، لمن هم مستعدون ليؤدوا الدور المطلوب منهم من خلال تلك المنابر.

وبما أن الساحة اليوم باتت مفتوحة مع هامش حرية يتيح لهؤلاء الحديث بما يحلو لهم، صرنا أمام أشكال مختلفة من الجيوش الإعلامية والإلكترونية التي تتقاتل في ما بينها، لتكون صدى لصراع الجهات، التي تقف وراءها، حتى أصبحنا مع الزمن نعرف ماذا سيقول هذا (المحلل السياسي) حين يظهر في برنامج معين، وماذا يقول الآخر الذي يظهر معه في البرنامج نفسه أو غيره حين يكون الحديث عن أمر يختلف عليه الأسياد. 

والأمر لا يختلف مع (فيسبوك) ومنشورات البعض ممن صاروا معروفين بما سينشرونه عند كل حدث أو موقف!.

المعروف للجميع أن مهمة المحلل، سواء كان لموضوع سياسي أو علمي أو رياضي أو أي شيء آخر، هي إضاءة ما لا يستطيع الناس غير المختصين الوصول إليه، من خلال المعلومة المفيدة التي يحملها لتجعل المشاهد أو المستمع أو القارئ يفهم ما حصل أو ما سيحصل.

لكن الأمر اختلف تمامًا مؤخرًا، وهذا ليس بالإطلاق طبعًا، لأن هناك محللين من مختلف الاختصاصات يمارسون دورهم بمهنية ورصانة عالية .

أقول اختلف الأمر عندنا، فهناك عدد غير قليل من المحللين أو ممن يصفون أنفسهم كذلك، صاروا يمارسون دور المحامين، فتراهم يدافعون وبحماسة عن أي نشاط للجهة أو المسؤول الذي جندوا أنفسهم للدفاع عنه، سواء كان على صواب أو خطأ، لدرجة أن الفضائيات باتت تعرف هؤلاء، وحين يحصل خلاف بين جهتين سياسيتين، فإن ضيوف الفضائيات معروفون ومعروف ما سيقولونه مسبقًا، أي أنهم لم يأتوا لتحليل الحدث بل للدفاع عن الأطراف التي تقف وراءه. 

وبذلك لم تعد الناس تهتم كثيرًا بالاستماع إلى هؤلاء أو تأخذ كلامهم مأخذ الجد، كونهم فقدوا مصداقيتهم وأفقدوا بعض الفضائيات مصداقيتها أيضًا، لاعتمادها إياهم ضيوفًا شبه دائمين على شاشاتها. وهذه مشكلة ايضا، إذ إن بعض الفضائيات باتت هي الأخرى مجندة بشكل مباشر أو غير مباشر لتبني خطابًا معينًا أو جهة ما، ليغدو هذا المرفق الحساس الذي يعمل على صناعة الرأي العام، أشبه بإقطاعيات متصارعة، وضحيتها الحقيقة دائمًا.

الشيء المؤلم أكثر، هو أن هؤلاء المجندين، سواء في التحليل السياسي أو غيره، وكذلك ممن يسمون بالجيوش الإلكترونية، يتغير خطابهم مع تغير أهواء من يحركونهم. فتراهم يومًا ضد جهة معينة أو شخصية ما وبقوة، وبعد أن يتغير مزاج أسيادهم تتغير لهجتهم بطريقة آلية. 

وبذلك مسخوا أنفسهم بقدر ما فقدوا مصداقيتهم ولم تعد الناس تهتم لما يقولون أو يطرحون، بل إنهم أصبحوا عبئًا على من سخّرهم لذلك، وصاروا يتسببون بنتائج عكسية، كونهم غدوا مؤشرين ومفضوحين وتسخر الناس منهم، بعد أن جعلوا من أنفسهم بلا وزن ولا قيمة. 

وقد كشفت التحولات السياسية السريعة في المنطقة وتقلباتهم معها عن خوائهم الأخلاقي والمعرفي وغياب روح المسؤولية، التي يجب أن يتحلى بها المتصدي للمسؤولية الإعلامية، سواء كان محللًا أو متحدثًا بموقع لليوتيوب أو من نشطاء التواصل الاجتماعي.

اضف تعليق