يميل الأمريكيون إلى افتراض أن التاريخ يسير إلى الأمام وأن أداء أطفالهم سيكون أفضل من أدائهم. ويمثل ذلك عقيدة أساسية للحلم الأمريكي وناتجا أساسيا للاقتصاد على مدى معظم القرن العشرين. غير أن هناك انحرافات في بعض الأحيان.وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ازدادت ثراء على مدار الأربعين سنة الماضية، فلم يتم تقاسم المكاسب الناتجة عن هذا النمو. فقد أنتج الاقتصاد الأمريكي ما قيمته تريليون دولار من السلع والخدمات في عام 2016، أكثر من أي بلد آخر في ذلك العام في سنة متاح بشأنها بيانات. توضح البيانات زيادة الدخل قبل الضرائب بين عامي 1980-2014 بنسبة 61% في المتوسط، ولكن معظم هذه المكاسب كانت من نصيب الطبقة العليا، ولم تزد دخول أقل 50% من السكان الامريكيين دخلا الا بنيبة 1%، وزاد أعلى 1% منهم بنسبة 205% ولم تكن هذه النتيجة هي تلك المتوقعة في الحلم الأمريكي.
أن توزيع مكاسب النمو الاقتصادي اليوم يجعل الولايات المتحدة تبدو كبلد من البلدان النامية. وبالاستناد إلى نموذج القطاع المزدوج الذي أعده آرثر لويس في الخمسينات. وقد فحص لويس الاقتصادات النامية، وأشار إلى أن النمو الاقتصادي والتنمية لا يتفقان مع الحدود الوطنية. وقد وجد أن «التقدم الاقتصادي لم يكن موحدا ولكنه كان متفرقا» داخل البلدان. ويوضح نموذجه كيف تتطور التنمية إلى جانب عدم التنمية. ويشير لويس إلى أحد القطاعات باسم «الرأسمالي» وهو موطن الإنتاج المعاصر حيث لا تتقيد التنمية إلا بمقدار رأس المال. ويطلق على القطاع الثاني اسم «الكفاف» ويتألف من صغار المزارعين الذين يوفرون فائضا كبيرا من العمالة. وفي هذه العلاقة التكافلية بين القطاعين، ويسعى القطاع الرأسمالي إلى إبقاء الأجور منخفضة للحفاظ على مصدر مستمر للعمالة الرخيصة.
ويطبق تيمن هذا الإطار على الولايات المتحدة اليوم. ويدفع بأن «تلاشي الطبقة المتوسطة قد ترك اقتصادا مزدوجا.» والقطاعات المزدوجة التي يشير إليها هي التمويل والتكنولوجيا والإلكترونيات ما يشبه القطاع الرأسمالي للويس والعمل منخفض المهارات، مثل قطاع الكفاف الذي يتحمل عماله وطأة تقلبات العولمة. وكيف يسعى أعضاء قطاع التمويل والتكنولوجيا والإلكترونيات إلى الحفاظ على ضرائبهم منخفضة وقمع الأجور التي يدفعونها لتحقيق أقصى أرباح.
ويعمل الحبس الجماعي والفصل في السكن والحرمان على الحفاظ ضمن أمور أخرى على تبعية القطاع منخفض المهارات في السوق. وتتشكل هذه التطورات على أساس العنصرية التي وضعها تاريخ العبودية في البلد، والجسر الذي يفصل بين هذين الجانبين من الاقتصاد هو التعليم. فهناك مسارات لأطفال الأسر منخفضة الأجور للوصول الى مجموعة التمويل والتكنولوجيا والإلكترونيات الأغنى، وأن هناك العديد من العقبات الأخرى، وخاصة بالنسبة لأطفال الأسر الأفريقية الأمريكية، وهذا هو السبب في جعل أن التوصية الأساسية تتمثل في حصول جميع الأطفال على تعليم عالي الجودة في مرحلة ما قبل المدرسة والمزيد من الدعم المالي للجامعات العامة.
والتوصيه الثانية هي عكس السياسات التي تكبح الفقراء من أي عرق. وهو يدعو إلى إنهاء الحبس الجماعي والفصل في السكن بحيث يمكن أن تهرب الأسر من فخ انخفاض المهارات وتندمج بشكل أكثر اتساقا في الاقتصاد والمجتمع الأوسع نطاقا، ولكن لا تتمتع أي من التوصيتين بالقوة الكافية للتغلب على المشاكل الأساسية. فقد انحرف مسار التقدم الطبيعي للولايات المتحدة نحو المزيد من المساواة عن طريقه لعقود الآن. وقد تبدو فكرة أن الاقتصاد الأمريكي يسير على اتجاه مماثل بشكل كبير لاقتصاد بلد نام فكرة متناقضة مع الواقع، ولكن هذه بالضبط طبيعة هيكل التوزيع لأغنى اقتصاد في العالم.
ومن المؤكد أن الخطوات التي أتت بمزيد من المساواة في منتصف القرن العشرين شملت الاهتمام بالتعليم فقد كانت الولايات المتحدة من أول البلدان التي توفر التعليم الابتدائي للجميع في كافة أنحاء البلد وفتح قانون إعادة تأهيل الجنود بعد الحرب العالمية الثانية ولكن الأبواب أمام أجيال من الطلاب ولكن لم يكن هذا القانون هو السياسة الوحيدة. فمن بين أمور أخرى، شهدت العقود الوسطى من ذلك القرن ارتفاع الضرائب على العقارات والدخول العالية، وهي يمكن استثمارها في النمو الاقتصادي الاوسع نطاقاً، غير أن حالة الاثنين تدهورت بشدة على مدار العقود الأربعة الماضية. وإذا كنا نريد أن نعيد إحياء الطبقة المتوسطة الآخذة في التلاشي ، وأنه لأبد من بذل المزيد لتقويض هيكل الاقتصاد المزدوج كما يوضح بشكل دقيق للغاية.
اضف تعليق