الحملة التي قادتها الحكومة العراقية ضد تنظيم "داعش" المتطرف في مدينة "تكريت" (تبعد 160 كيلومتر شمال العاصمة العراقية بغداد)، التي تعتبر احد اهم معاقل التنظيم في صلاح الدين والمناطق الغربية، توقفت خلال الساعات الماضية، بعد ان تمكنت من السيطرة على العديد من المدن على جانبي نهر دجلة، اضافة الى عشرات القرى، التي اعلنت جهات رسمية ان بعضها لم تدخلها القوات العراقية منذ عام 2003 حيث كانت معاقل رئيسية لتنظيم القاعدة قبل ان تنتقل لتنظيم داعش، وبمساعدة قوات "الحشد الشعبي" (التي شكل مقاتلوها الشيعة نسبة 90% من المشاركين في معركة تحرير مدينة تكريت) ومقاتلين من عشائر سنية ثارت ضد التنظيم، تمكنت القوات الحكومية خلال الاسبوعين الماضين من التوغل الى وسط تكريت ومحاصرتها من اكثر من جهة، وبحسب التصريحات الرسمية لقادة موجودين على خط التماس، فان ما يقرب من 150 الى 200 مسلح تابع للتنظيم متحصنين في بعض المباني الحكومية وسط تكريت، وان القوات النظامية غير مستعجلة في اقتحام المدينة وسط قتال شوارع ( بعد ان استعادت 80% من مدينة تكريت بسرعة خاطفة)، سيما وان التنظيم قد فخخ اغلب البنايات وزرع الالاف العبوات الناسفة، اضافة الى نيران القناصة المنتشرين في اعلى البنايات، والتي يمكن ان تسفر عن سقوط ضحايا قد تنغص فرحة الانتصار.
طبعا السؤال الذي يمكن طرحة حول التوقف المفاجئ للعمليات العسكرية الجارية عند وسط تكريت، هل كان امرا اعتياديا؟
وهل هو في صالح العمليات العسكرية التي يمكن ان تكون كمقدمة صحيحة لتحرير مدينة الموصل؟
الاجابة يمكن اختصارها بطبيعة الخطط العسكرية التي لا تريد استعجال الامور والتخطيط بحرفية ومهنية لتقليل حجم الخسائر في الارواح والمعدات والابنية، لكن هل هذا كل شيء!
الغريب ان هناك حملة اقليمية ودولية مزروعة بالشكوك رافقت الحملة العسكرية في مدينة تكريت، حتى اصبحت الشغل الشاغل لوسائل الاعلام والمتابعين ودول المنطقة، فضلا عن اهتمام الولايات المتحدة الامريكية التي لم يطلب منها المساعدة (حتى اللحظة) في العمليات الجارية منذ أكثر من اسبوعين وحررت مئات الكيلومترات من الاراضي الخاضعة لسيطرة التنظيم، ويمكن الاشارة الى بعضها:
1. البيان المثير للجدل لشيخ الازهر (اكبر مرجعية سنية في مصر) احمد الطيب والذي "ندد فيه بما وصفها بـ"المجازر التي ترتكب ضد أهل السنة" في العراق خلال المواجهات مع داعش، واصفا مرتكبيها بأنهم "مليشيات شيعية متطرفة" (والتي يقصد فيها قوات الحشد الشعبي)، كما طالب "بضرورة التحرك العاجل لوقف المجازر التي ترتكب ضد أهل السنة في العراق"، مضيفًا أن تلك التنظيمات ترتكب "جرائم بربرية نكراء في مناطق السنة التي بدأت القوات العراقية بسط سيطرتها عليها، خاصة في تكريت والأنبار، وغيرها من المدن ذات الأغلبية السنية"، وهو امر اثار ردود افعال واسعة النطاق، وصلت حد التصريح (من قبل شخصيات بارزة في مصر) بتعرض شيخ الازهر الى ضغوط اقليمية (السعودية) من اجل التصريح بهكذا بيانات تتناقض مع التصريحات السابقة لشيخ الازهر في ضرورة مكافحة الجهات المتطرفة من جهة، ولا تصب سوى في مصلحة المتطرفين من خلال تأجيج الطائفية والتفرقة في الشرق الاوسط من جهة ثانية.
2. الاتهام الذي جاء متناغما مع تصريحات الازهر، لكن من قبل مسؤولين امريكيين حول روايات تتعلق بحرائق اضرمها المقاتلون (الشيعة) في منازل تعود لمواطنين (سنة) اثناء تقدمها لمدينة تكريت، وعلى الرغم من عدم تمكنهم من الجزم بحدوث حالات انتهاكات خلال الهجوم، او تحديد هوية الفاعل، الا ان المسؤولين الامريكان اعربوا عن قلقهم من هذه التقارير، طبعا هذا القلق جاء بعد حملة واسعة لوسائل الاعلام الغربية (ومنها صحيفة "التايمز" البريطانية) التي تحدثت عن اعمال مفترضة بالاستناد الى صور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
3. في المنطقة الغربية، لكن في الانبار، استشهد أكثر من 22 جندي عراقي بضربات جوية نسب "لنيران صديقة"، وقد تعددت الروايات بشأن مصدر النيران، الا ان الرواية الاكثر تكرارا اتهمت الطائرات الامريكية التابعة لقوات "التحالف الدولي"، وفي حال كانت هذه الرواية واقعية فان الغرابة والغموض تزداد مع وقت وزمان هذه الضربة، علما ان القوات المتقدمة نحو تكريت لم تطلب مساعدة الولايات المتحدة الامريكية في الاسناد الجوي.
4. الامر الاخر الذي رافق الحملة العسكرية ضد "داعش" في تكريت وجرى التركيز عليه بشكل كبير، هو وجود قيادات عسكرية بارزة من ايران الى جانب القادة العراقيين الذين يديرون المعركة، بعد ان صورت على شكل مخاوف طائفية في استهداف الاقلية السنية داخل العراق، على الرغم من وجود الالاف الجنود والمستشارين من الولايات المتحدة الامريكية والجنسيات الغربية الاخرى في وسط وغرب وشمال العراق، والتي تقدم بدورها الاسناد والتدريب والاستشارات العسكرية للقوات الحكومية، اضافة الى قوات "البشمركة" الكردية.
وحتى لا نذهب بعيدا بتأويل هذه الاحداث الغربية بأكثر من حجمها الطبيعي، ينبغي الالتفات جيدا الى العامل المحلي والاقليمي والدولي الذي يحاول تشتيت الجهد الحكومي في تحقيق النجاحات السريعة، وتضخيم الاحداث، واللعب على العامل الطائفي، الذي ذاب في معركة تكريت من خلال مشاركة ابناء العشائر السنية مع ابناء الحشد الشعبي، وهو جهد سياسي في المقام الاول، ينبغي على الحكومة العراقية ان تمارسه في هذه المرحلة الحرجة، لإثبات الواقع الذي يحاول الغير تحريفه عن مساره الحقيقي، مع ان الجميع يعلم ان معركة تكريت باتت شبه محسومة لصالح القوات العراقية، التي يمكن ان تتقدم باتجاه الموصل بنفس الروحية والهمة العالية، الا ان التصيد في الماء العكر ميزة يمكن ان يمارسها الخصوم في قلب الاوضاع، وهذا ما يخشاه الجميع على مستقبل العراق الجديد والمرحلة القادمة لطرد عناصر التنظيم من جميع مناطق العراق.
اضف تعليق