التطورات العسكرية المهمة التي تشهدها الحرب في سوريا، اسهمت وبحسب بعض المراقبين بزيادة مخاوف وقلق اسرائيل التي تخشى ومع اقتراب زوال تنظيم داعش الارهابي، من تصاعد نفوذ طهران اهم واقوى حلفاء الحكومة السورية، خصوصا وانها اليوم تبسط سيطرتها على مناطق كبيرة في هذا البلد، هذه التطورات دفعت إسرائيل الى اعتماد خطط وإجراءات وتحركات جديدة، من اجل ابعاد الخطر الإيراني عن حدودها، وقد بعثت إسرائيل برسائل حادة عبرت فيها أن الوجود الإيرانى فى سورية ينطوى على تهديد لها. وفى المقابل بُذل جهد إسرائيلى لإقناع الولايات المتحدة بعدم التخلي عن الساحة السورية بصورة كاملة وتركها لروسيا، التي استطاعت وبعد تدخلها العسكري المباشر في هذه الحرب من تغير موازين القوى بشكل جذري.
والتدخل الإيراني كما نقلت بعض المصادر شرعى تماما، مثل التدخل الروسي بسبب دعوة نظام الأسد، حليفيه الاستراتيجيين، إيران وروسيا، للمساعدة في القضاء على زمر الارهاب والتطرف المدعومة من جهات ودول خارجية، فاستقرار الوضع في سوريا يعد مصدر قلق لاسرائيل التي تخشى ان تتحول إيران إلى لاعب قوي في المنطقة يهدد امن ومصالح خصومها، وهو ما قد يتسبب في خلق حرب جديدة خصوصا وان إسرائيل التي عمدت الى ضرب بعض المواقع والمقرات السورية، تمتلك قدرات عسكرية كبيرة بالإضافة إلى احتمال اندماجها كقوة مؤثرة في المعسكر الإقليمي المناهض للنفوذ الإيراني الآخذ في الازدياد في المنطقة.
لكن البعد الخفي في حرب النفوذ بين ايران وإسرائيل هو مخاوف الأخيرة من دعم أمريكا لاطهران وتحجيم تل ابيب بهدف الهيمنة على الشرق الأوسط سياسيا واقتصاديا لذلك استشعرت إسرائيل التضخيم الإيراني في المنطقة بعد هيمنة حزب الله وقرت نهاية داعش.
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف قال عاموس يدلين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان) وكما نقلت بعض المصادر، إن الضربة الإسرائيلية الأخيرة على سوريا لم تكن روتينية، وكشف عن أهداف الغارة. وزعم يدلين، وهو جنرال متقاعد ورئيس مركز دراسات إسرائيلي، في تغريدات نشرها على حسابه في موقع "تويتر"، أن الهجوم الذي وقع فجر بالقرب من مدينة مصياف في ريف محافظة حماة، كان "بيانا إسرائيليا أخلاقيا حول المجزرة بسوريا". ومن اللافت أن يدلين، إضافة إلى إصراره على كون منشأة مصياف مخصصة لإنتاج أسلحة كيميائية وبراميل متفجرة "قتلت آلاف المدنيين السوريين"، كانت تنتج صواريخ عالية الدقة وأسلحة أخرى "ستلعب دورا مهما في المرحلة القادمة من النزاع". واعتبر أن الهجوم حمل في طياته 3 رسائل مهمة، هي: ان إسرائيل لن تسمح بتعزيز قدرات (القوات الإيرانية) وإنتاج أسلحة استراتيجية وإسرائيل تنوي فرض خطوطها الحمراء رغم تجاهل القوى الكبرى لتلك الخطوط اضافة الى ان وجود الدفاعات الجوية الروسية لا يمنع وقوع غارات جوية إسرائيلية. وتابع يدلين أنه الشيء المهم حاليا هو الحد من التصعيد والاستعداد للرد من جانب سوريا وإيران وحزب الله وكذلك للمعارضة من جانب روسيا.
ويعيد هذا الحديث إلى الأذهان تصريحات نتنياهو حول إقامة منشآت صناعية إيرانية في سوريا ولبنان لإنتاج صواريخ عالية الدقة ستستخدم في حرب محتملة ضد إسرائيل. بدورها ذكرت مصادر في المعارضة السورية أن 4 طائرات حربية إسرائيلية شاركت في تنفيذ الغارة التي تعد الأولى من هذا القبيل منذ بدء سريان الهدنة في جنوب سوريا في يوليو/تموز الماضي.
قصف اسرائيلي
من جانب اخر قال الجيش السوري إن طائرات إسرائيلية هاجمت قاعدة عسكرية في غرب البلاد، وسط تقارير تفيد بوقوع غارة على موقع يشتبه بأنه لأسلحة كيمياوية. وقال بيان صادر عن الجيش إن صواريخ أطلقت من المجال الجوي اللبناني ضربت الموقع الموجود بالقرب من مصياف، وقتل في الهجوم جنديان. وتحدثت وسائل إعلام عربية وجماعة ناشطة معارضة عن استهداف منشأة لإنتاج أسلحة كيمياوية. ولم تعلق إسرائيل التي نفذت هجمات سرية على مواقع أسلحة في سوريا من قبل على تلك التقارير.
ورفضت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي مناقشة التقارير، قائلة إنها لا تعلق على الشؤون الخاصة بالعمليات. ويأتي الهجوم بعد يوم واحد من صدور تقرير دولي انتهى فيه محققون في مجال حقوق الإنسان تابعون للأمم المتحدة إلى أن طائرة سورية ألقت قنبلة تحمل غاز السارين للأعصاب على بلدة كان يسيطر عليها مسلحو المعارضة، في أبريل/نيسان وقتل في الهجوم 83 شخصا. وقال الرئيس السوري، بشار الأسد وقتها إن حادثة خان شيخون التي أدت إلى قصف الولايات المتحدة لقاعدة الشعيرات الجوية "ملفقة". وأضاف الأسد أن بلاده تخلصت من مخزونها من الأسلحة الكيمياوية بالكامل بعد اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا بعد هجوم بالسارين في ضواحي دمشق في 2013. بحسب فرانس برس.
وقال الجيش السوري إن صواريخ ضربت قاعدة عسكرية قرب مصياف، على بعد 35 كيلومترا غرب مدينة حماة، وأدت إلى "خسائر مادية" وقتل جنديين. واتهم الجيش إسرائيل بالهجوم "في محاولة يائسة لرفع المعنويات المنهارة" لمسلحي تنظيم داعش، محذرا إسرائيل من "العواقب الوخيمة لمثل هذا العدوان على أمن المنطقة واستقرارها". وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو جماعة معارضة تتخذ من لندن مقرا لها إن الصواريخ ضربت منشأة تابعة لمركز دراسات وأبحاث علمية، ومعسكرا قريبا كان يستخدم كمستودع لتخزين صواريخ أرض-أرض.
وقالت وكالة استخبارات غربية لبي بي سي في مايو/أيار إن ثلاثة فروع للمركز أحدها في مصياف، واثنان في دمّر، وبرزة، في ضواحي دمشق، استخدمت لإنتاج ذخيرة كيمياوية انتهاكا لاتفاق 2013. وتقول الحكومة السورية إن المركز هو معهد أبحاث مدني، لكن الولايات المتحدة تتهم المركز بأنه يركز على تطوير أسلحة غير تقليدية ووسائل استخدامها.
وكتب أموس يادلين، وهو رئيس سابق للاستخبارات العسكرية، تغريدة على تويتر يقول فيها إن غارة على مصياف "لم تكن روتينية"، وإنها استهدفت "مركزا سوريا عسكريا لتطوير وتصنيع صواريخ محكمة التوجيه، بين أشياء أخرى". وأضاف أن "المصنع الذي استهدف في مصياف ينتج أسلحة كيمياوية والبراميل المتفجرة التي قتلت آلاف المدنيين السوريين". وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد قال في 2016 إن إسرائيل نفذت عشرات الغارات في سوريا لمنع نقل أسلحة متقدمة إلى حزب الله.
صواريخ ايرانية
من جانب اخر ذكر تقرير تلفزيوني إسرائيلي، أن إيران تبني منشأة في شمال غربي سوريا لصنع صواريخ بعيدة المدى. وعرض تقرير القناة الثانية الإسرائيلية صورا، قال إن قمرا صناعيا إسرائيليا التقطها، تظهر موقع المنشأة المزعومة في شمال غربي سوريا، قرب مدينة بانياس على البحر المتوسط، قائلا إن بعض الإنشاءات تشير إلى أن متفجرات ستخزن هناك. وشبّه صور المباني، التي قال إنها لمصنع صواريخ قرب طهران، بمنشآت في الموقع السوري، وقال إن هناك وجها قويا للشبه بينها.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حذر من أن إيران تعزز موطئ قدمها في سوريا، بينما يجري طرد مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابي، وقال إن إسرائيل تتابع التطورات، وسترد على أي تهديد. وقال في خطاب: "سياستنا واضحة، نعارض بشدة الحشد العسكري لإيران ووكلائها، خاصة حزب الله، في سوريا وسنفعل أي شيء لحماية أمن إسرائيل". وينتقد نتنياهو بشدة الاتفاق النووي، الذي أبرمته القوى العالمية الست، ومن بينها الولايات المتحدة العام 2015 مع إيران، للحد من برنامجها النووي، مقابل رفع للعقوبات المتعددة الأطراف.
يشار إلى أن الولايات المتحدة فرضت، عقوبات اقتصادية على إيران، بسبب برنامج الصواريخ البالستية لديها، وقالت إن "الأنشطة الخبيثة" التي تمارسها طهران في الشرق الأوسط، قلصت أي "إسهام إيجابي" من اتفاق 2015. وكثيرا ما انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق، ووصفه بأنه متساهل أكثر مما ينبغي تجاه إيران، التي لا تزال تخضع لحظر سلاح تفرضه الأمم المتحدة، فضلا عن قيود أخرى.
مسألة وقت
على صعيد متصل قال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إن إيران تعمل ليل نهار لتحويل سوريا إلى قاعدة عسكرية تتمركز فيها بغية "استخدام سوريا ولبنان كجبهات حرب لازالة إسرائيل من الوجود". وأكد نتنياهو أن طهران تبني مصانع لإنتاج صواريخ دقيقة في البلدين، وهذا الأمر لن تسمح به اسرائيل. من جانبه، أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان أن إيران تستمر في محاولاتها تهريب أسلحة إلى لبنان وأضاف أن اسرائيل "مصممة على التصدي لجميع المخاطر التي تهدد أمن مواطنيها". وأضاف أن ايران تحاول عبر "الحرس الثوري الايراني خلق واقع جديد حول اسرائيل عن طريق إقامة قواعد بحرية وجوية ايرانية في سوريا والاشراف على الآلاف من المليشيات الشيعية والمرتزقة".
تلك التصريحات هي الأحدث في سلسلة طويلة من التحذيرات الاسرائيلية العلنية التي تهدف على ما يبدو إلى تهيئة الإسرائيليين والمجتمع الدولي لعمليات عسكرية إسرائيلية. وقبل ذلك بفترة قصيرة التقى نتنياهو على عجل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي بروسيا، وأعلن في نهاية اللقاء الذي استمر لمدة ثلاث ساعات أن ايران تسعى إلى لبننة سوريا. وأضاف في لقاء مع الصحفيين الاسرائيليين الذين كانوا برفقته "كما استولت إيران على لبنان بواسطة حزب الله تحاول تكرار التجربة في سوريا عبر عشرات الآلاف من المسلحين الشيعة الموجودين حاليا في سوريا". وأوضح نتنياهو، الذي رافقه في رحلته إلى روسيا رئيس الموساد يوسي كوهين ورئيس مجلس الأمن القومي الجديد ميئير بن شبات، أن محادثات مماثلة أجراها رئيس الموساد مع المسؤولين الأمريكيين تناولت الأمر ذاته.
مبعث قلق اسرئيل هو تصاعد نفوذ طهران في سوريا مع التغييرات الميدانية التي تشهدها لأن "داعش في طريقها إلى الزوال وهذا محل ترحيب المجتمع الدولي، لكن ذلك يخلق مشكلة أخرى إذ أن ايران تبسط سيطرتها على المناطق التي يتم استعادتها" حسب قول ليبرمان. كما نقلت بعض وسائل الإعلام أن الاسرائيليين أبلغوا الروس خلال لقاء نتنياهو ببوتين أنهم سيقصفون قصور الرئيس السوري بشار الأسد إذا لم يلجم التوسع الايراني في سوريا. بحسب رويترز.
كما هددت إسرائيل بوقف العمل بإتفاقية "منطقة وقف التصعيد" التي تم التوصل إليها مؤخرا في جنوب سوريا بين الولايات المتحدة والأردن وروسيا والتي تشمل محافظات درعا والقنيطرة والسويداء اذا لم تتوقف طهران عن توسيع نفوذها في سوريا. وأعلن ليبرمان أن إسرائيل لا تعترض على الهدن واتفاقيات وقف إطلاق النار التي يتم التوصل إليها في سوريا شريطة ألا تكون إيران أو حزب الله أطرافا فيها.
الزعيم الاسرائيلي المعارض يائير لابيد قال عبر صفحته على الفيسبوك حسبما قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية إن لقاء نتنياهو وبوتين كان عديم الجدوى. وأضاف قائلا: "اليوم قالت روسيا إنها ليست بصدد تغيير نهجها في سوريا وستستمر في التعاون مع ايران في سوريا والسماح لها بتأسيس قواعد على بعد 20 كم فقط من حدود اسرائيل مع امكانية اقامة قاعدة جوية وميناء بحري بجوارنا". ومنذ التدخل الروسي في سوريا أواسط 2015 استطاعت الحكومة السورية من استعادة مساحات هائلة كانت تحت سيطرة المعارضة وتنظيم داعش وتمكنت في اندفاعها شرقي سوريا من الوصول إلى حدود سوريا مع العراق.
وأقامت موسكو وتل أبيب خطا عسكريا ساخنا بين الجيش الاسرائيلي وقاعدة "الحميميم" الجوية الروسية في سوريا منذ وصول القوات الروسية الى سوريا لتفادي إمكانية وقوع أخطاء غير مقصودة اثناء قيام الطائرات الاسرائيلية بشن غارات على شحنات الاسلحة التي تنقل إلى حزب الله اللبناني. الشكوى الإسرائيلية لا تقتصر على دور إيران ، بل امتدت إلى لبنان حيث قال أكثر من مسؤول اسرائيلي إن قوات الامم المتحدة المنتشرة في جنوب لبنان للفصل بين اسرائيل وحزب الله منذ حرب تموز 2006 لا تقوم بالمهام المكلفة بها تماما وأن حزب الله مستمر بتخزين الأسلحة والصواريخ في هذه المنطقة.
ويقول المحلل العسكري الاسرائيلي ايهود ايلام إن مشكلة إسرائيل الأساسية ليست في سوريا بل في لبنان والسبب هو أن لدى حزب الله هناك "150 ألف صاروخ بعضها دقيق للغاية ويصل مدى بعضها الآخر الى أبعد نقطة في اسرائيل وقد يعمد حزب الله الى نشر بعض هذه الصواريخ في سوريا.
اضف تعليق