يعد الإعلام في العصر الحديث القوة الأولى والمسيطرة على الرأي العام في المجتمعات العالمية بصورة عامة، لأنه وبكل بساطة يعنى بتقوية الرأي العام وتضعيفه حسب المتطلبات السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية التي يفرضه الوضع في المنطقة.
فيعتبر الإعلام في الوقت الحالي جزءاً من حياة الناس والوسيلة التي تصل الإنسان بالعالم أجمع، لأنه قادر على تزويد الناس بالمعلومات وآخر التطورات التي تحصل في العالم بكبسة زر، فتمنح الخير اذ كانت واقعية، وتمنح الشر والانحراف إذا كانت مضلة وكاذبة.
وبعد الأحداث التي مرت على الوطن العربي من ثورات الربيع العربي وظهور داعش نستطيع ان نلاحظ قوة الإعلام وتأثيره الكبير على آراء الناس وافكارهم، فقد استخدمت الجهات الإعلامية قوتها الدعائية في نشر الخير والحماس في نفوس العالم، وفي المقابل هنالك جهات إعلامية مسيسة بثت العنف والشر في ربوع العالم، لأغراض خاصة ومصالح شخصية ربما تعود الى الانقسامات الحزبية او الأمور الطائفية بهدف تضليل الحقائق وإظهار الأمر بغير ما هو يبدو عليه، وافضل مثال على ذلك هو الإعلام الذي استخدمته عناصر داعش الإرهابية في نشر العنف والخوف في نفوس العالم لأهداف خبيثة وتكفيرية تحت مسمى الإسلام، واستطاعت بذلك نشر صورة مزيفة عن حقيقة الإسلام في العالم وكان تأثر المجتمعات الغربية واضحاً جراء ذلك، ولكن بعد ذلك كثفت القوى الإعلامية الإسلامية النبيلة جهودها في استنكار ما اتت به داعش، وجاهدت في نشر الصورة الإسلامية الصحيحة التي اتى بها الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الى عموم العالم.
ولأن دين الإسلام هو ذلك الدين العالمي الذي بعث به الرسول الكريم (ص) هدىً ورحمة للعالمين، يحمل في طياته اهدافاً سامية وقضايا إنسانية كبيرة وغاية موحدة في قطع دابر الظالمين في العالم والعمل على اخماد نار الفتن والطائفية وإشاعة القسط والعدل في ربوع المجتمعات، اذن نستطيع ان نجزم بأن الدين الإسلامي يعتبر حالة توسعية تقدمية نهضوية للإنطاق نحو التشريع الإنساني الذي نص عليه الله في تطبيق تشريعاته على نطاق العالم لتحقيق العدل الكوني وفق مبدأ الوحدة الإنسانية.
فان اول محور من محاور التشريع الإسلامي هو محاربة الشرك والسعي في إقامة دولة تقر بالوحدانية والعدالة، والتحرر من قيود التضليل التي تتغذى من موارد الجبت والكفر والتي غالباً ما تهدف الى اسقاط الإسلام وفق خطط وعمليات خبيثة أولها الإعلام.
وهذا التأثير الإعلامي ليس جديداً على الساحة، فقد عرف نابليون أثر الصحافة والإعلام والرأي العام فكان يقول: "أربع جرائد ترهبني أكثر من مائة ألف بندقية"، وقد اهتم جداً بإصدار الصحف في البلاد التي يحتلها سواء اوربا او البلاد الإسلامية لتعزيز موقفه وليصنع لنفسه قوة عسكرية وإعلامية كبيرة، لأنه كان واثقاً بأن الإعلام يمثل قوة كبيرة تمكنه من امتداد سيطرته وزيادة نفوذه في الدول.
فالقوة الناعمة هي المسيطرة الأولى على الساحات الحربية بصورتها غير المباشرة، والمعروف عن هذه القوة بأنها طويلة الأجل وعميقة التأثير اذن من المهم جداً التصدي لها والتماشي مع الأساليب الجديدة التي تطرح اول بأول، والتخطيط لمواجهتها بطرق ذكية وعدم السماح بتحقيق غاياتها الخبيثة في تغيير المفاهيم وتضعيف السلطة الإسلامية في العالم.
وإن هدف الإعلام الإسلامي هو تهيئة الأجواء الحرة وتوفير فرص كافية للرساليين ببلورة وطرح الثقافة الإسلامية بصورتها الصحيحة على الساحة العالمية، لأنها تتميز ببيان الحقائق وفق منهج سليم يستفيد منه أعداد كبيرة من البشر.
والتصدي الأول يكمن في مواجهة المعتقدات الخاطئة التي ترسخت في اذهان العالم على تصوير الدين الإسلامي في صورة الدين الجامد الذي لا يصلح لاستيعاب مفهوم التطوير والتجدد، ولا يصلح للتأقلم مع متطلبات العصر.
والتصدي لهذه الأفكار لا تأتي الاّ بترك الانطباع الايجابي في نفوس العالم بكل ما يتضمنه الدين من الحلال والحرام.
فحرية الإسلام هي حرية متطورة، ويعتمد عليها الإسلام بشكل كبير والعمل الإسلامي هو عمل أخلاقي يتسم بالصحة والواقعية والتسامح والحب، ولكن مع الأسف تجاوز الكثير من المسلمين عن المفاهيم السامية التي اتى به الدين الحنيف، كالصدق والأمانة والحرية، إضافة الى سلب حقوق المواطنين واستخدام سياسات بعيدة تماماُ عن سياسة القرآن.
ولكن يبقى انحراف بعض الحكام المسلمين عن إطار الإٍسلام الصحيح ليس من مسؤولية الإٍسلام بل من مسؤولية أنفسهم، لأن في كل الأحوال الدين الإسلامي لا يختص بالشرقيين او العرب فقط، بل هو دين عالمي للبشرية جمعاء بمختلف الوانهم والسنتهم وجغرافيتهم، وليس خاصاً بجماعة أو فئة من البشر.
ويقول الطبيب الفرنسي المشهور "موريس بوكاي" صاحب كتاب "الإعلام الإسلامي الدولي بين النظرية والتطبيق": (وسائل الإعلام الغربية تصوَّر العرب والمسلمين على انهم أناس متوحشون وجبناء ومنحطون، فيقدمون البدوي على شكل غير واقعي، وأنهم متعطشون للدماء والجنس، ويتحدثون عن شيوخ النفط الذين يمتلكون الجمال وسيارات الكاديلاك وإلى جانبهم شقراوات امريكيات، وفي احدى المسلسلات الأمريكية يظهر أحد الغرب المسلمين على صورة مشوهة، لقد اشترى خمس طائرات نفاثة، أربع طائرات بيضاء بعدد زوجاته، وجعلها ملكاً لهن، امّا الخامسة فزرقاء وهي ملك لأخيه، وسرعان ما يقدم الأخ على قتل أخيه طمعاُ في ماله وزوجاته، وفي إحدى الأفلام اظهروا الإنسان العربي إنساناً متوحشاً يهدد الحضارة الغربية، ويهدد البشرية بالقتل والدمار، وقد استنتج المعهد الأمريكي للإعلام السياسي في دراسة له، إن معلقاً واحداً من أصل ثمانية عشر معلقاً يكتبون من واشنطن أعطى صورة واضحة عن أهداف العرب ومشاكلهم، وقد جاء في كتاب مدرسي يدرس في المرحلة الابتدائية في الولايات المتحدة عام ١٩٧٠م أن الذباب ينتشر في كل مكان تزوره من الشرق الأوسط والعرب، يتمسكون بمشاعر قوية لجنسهم ويرغبون في إبقاء الشرق الأوسط منطقة عربية، الأمر الذي ادّى إلى قيام المشاكل، وهكذا نجد أن العلم يشوّه تحت شعار ما يسمى بالموضوعية، وذلك للنيل من الصورة النمطية العربية الإسلامية).
وفي النهاية تبقى هذه الإشكالات والدعايات المضللة ما هي الاّ وسائل رخيصة لتشويه صورة الإسلام الجليلة وعدم تقبله ديناً عالمياً موحداً، فجميع هذه الشوائب كذب وافتراء من صنع الغرب الاستعماري لتضعيف سلطة الإسلام والحد من التوسع الإسلامي الذي يهدد مصالحهم في المنطقة خوفاً من توحد المسلمين حول كلمة واحدة وإقامة القيامة على الاحتلال الصهيوني وتدمير الاستعمار بكل انواعه والوصول الى المبتغى الموعود.
وان بعض المنحرفين من المسلمين من الحكام والساسة التي تقودهم مصالح شخصية واهداف في غاية الخبث لزرع الطائفية والتفرقة بين المسلمين ضمن الأطياف والمذاهب المختلفة، هم أناس خونة ومجرمين، يعتبرون جزء من الحرب النفسية والناعمة التي يشنها الغرب ضد الإسلام والمسلمين في العالم، او بالأحرى ما هم الاّ احجار نرد يتحكم بهم الغرب حسب الأهواء الشخصية للنيل من الإٍسلام!.
ويبقى القرآن الكريم كتاب منزل من قبل الله (سبحانه وتعالى)، وصحته امر لا يمكن الشك فيه وإن محتواه قائم على المعطيات العلمية والأسس الاجتماعية الموجودة الآن في هذا العصر، وتعتبر غاية في الأهمية، لأنها بمثابة تحدي للتفسير الوضعي والتطور الحاصل الآن، وبما اننا نعتبر الآن في اوج التطور العلمي والسياسي والاجتماعي وأن اعتقادات البشر حالياُ قائمة على الدلائل العقلية اذن من السهل جداً تقديم عناصر الإقناع وفق المنهج الإسلامي الذي اتى به القرآن الكريم، وكسب جماهيرية كبيرة على نطاق عالمي واسع من خلال الإعلام الذي وفر وسيلة تخاطب مباشرة مع الناس، فالمهام تتوزع بين القنوات الفضائية والمواقع الاجتماعية إضافة الى الإذاعات والصحف، وحتى رواد الانترنت في مواقع التواصل الاجتماعي المتمثلين بالجنود الالكترونيين المسلحين بالمعلومات الصحيحة والعقيدة المثلى والاسلوب الحواري السليم والمقنع، لترتكز المهام بين مراقبة أداء الإعلام المسيس والتفاعل مع الاحداث التي تجري في المنطقة، وتقديم الصورة السليمة عن الإسلام وإبداء النصح وإظهار الحقيقة بطريقة شفافة ومسالمة، وتكمن الضرورة في تثقيف الأمة بإدارة الإعلام وتوسيع قاعدته الجماهيرية لمواجهة الإعلام الزائف والتصدي للهجمات الغربية بقوة أكبر فإن انشغال المؤسسات الإعلامية بإدارة المواضيع الإسلامية وطرحها بالصورة الصحيحة سيكون عاملاً فعالاً في توجيه المجتمع نحو المسار الصحيح وايصاله الى بر الأمان.
اضف تعليق