يتقوقع الفكر في المحيط المنغلق، ويطفو الجهل متقدماً على سواه، يحدث ذلك حاليا في مجتمعات عربية وإسلامية، المسؤولية في بثّ الوعي مناصفة بين العالِم المتعلم، ولكن العالِم يتقدم في السعي والتنبيه وإظهار الاستعداد على المتعلم، والأخير تدوَّن عليه مسؤولية لا تقل عن العالم، بالخصوص إذا أبدى العالم رغبته في التعليم وبادر الى ذلك، لكن بعض المحتاجين الى التعليم قد يتعاملوا بتلكّؤ مع الأمر، هنا تكون المسؤولية وما تحمل من عواقب من حصة هؤلاء ولا تمس العالِم الذي يبدي استعداده لأداء دوره التعليمي.
يقع على الطرفين نسبة من المسؤولية، فلا يتحملها أحدهما، ولا يُعفى من عواقبها الاثنان، العالِم عليه أن يعلن أنه جاهز لعملية التعليم، والمتعلّم عليه أن يتعامل مع هذا الاستعداد بروح متفاعلة تمنح هذا الطرح ما يستحق من تقدير، فيكون الطرفان مستعديْن لإتمام مشروع التعليم، وأي تنصّل من هذه المهمة، لأي سبب كان يتم تحديد الطرف المعرقِل حتى يكون الطرف الثاني في منأى عن تحمّل أية نسبة من مسؤولية التعليم.
هذا الشرح الدقيق لهذه العملية التعليمية، يهتم بها المرجع الديني السيد صادق الشيرازي، فسماحته يستذكر مهمة التعليم في كلماته وخطبه وجلساته، ولا يكّل ولا يملّ من تكرار طلب الاهتمام بالشباب وتعليمهم ما يستحقون من المستوى العلمي، ويحدد السيد المرجع مسؤوليات التباطؤ او الاستخفاف أو الانصراف غير المبرَّر عن التعليم، فلا العالِم مسموح له ذلك، ولا المتعلِّم، ولكن تكون الأسبقية في المبادرة للعالِم في إعلان الشروع بالتعليم، فإذا رفض المتعلّم ذلك يكون العالم في حل من مسؤوليته.
هذه القواعد والأخلاقيات تنظّم مشاريع التصدي للجهل، نقرأ حول ذلك:
(يقول الحديث الشريف: إنّ الله لم يأمر الجهّال أن يتعلّموا إلاّ بعد أن أمر العلماء أن يعلّموا. وهذه المسؤولية هي على الجميع. فعلى العالِم مسؤولية التعليم، وعلى الجاهل مسؤولية التعلّم والعمل. علماً أنّ مسؤولية العالم مقدّمة على مسؤولية الجاهل/ المصدر: كلمة حول مسؤولية التعليم للسيد صادق الشيرازي).
وحتى يكون المتعلِّم مندفعا أكثر للتعليم، نحتاج الى تحديد المسؤولية في إطارها المحدَّد، فحينما يعرف الأخير بأنه يقع تحت رحمة عواقب وخيمة في حال تركه للتعلّم، فإنه سوف يفكر ألف مرة قبل أن يواجه تلك العواقب، بالخصوص إذا كان العالِم موجودا ومبدياً استعداده للبدء بمشروعه التعليمي، فما هو عذر المتعلِّم في رفضه للتعليم إذا كانت جميع الظروف تصطف الى جانبه،
الخطوة الأهم في مشروع التعليم، أن يُظهر العالِم رغبة في التعليم، هذا هو الاشتراط الذي يمنح الجانبين أرضية من التناغم النفسي، فالمتعلّم إذا أيقن برغبة العالم ولمس استعداده سوف يكون أكثر اندفاعا للولوج في المشروع التعليمي على يد العالم، هذه القواعد الأخلاقية الدقيقة تكون مفيدة إذا تم وضعها موضع التطبيق، ودائما على من يحمل العلم والمعرفة في جعبته أن يكون مهيّأ لتعليم من يستحق التوعية والتثقيف، والعالِم مسؤول عن تعليم كل من يحتاج الى ذلك ضمن محيطه المكاني والجغرافي الذي يمكنه أن يصل إليه.
أما إذا رفض المتعلِّم الانخراط في المشروع التعليمي فعليه أن يتحمل بنفسه عواقب هذا الرفض غير المقْنِع بتاتا، فيما يكون العالم في حلّ من المسؤولية، لأنه ليس سببا في إجهاض هذه المبادرة، إنما الشخص الذي يحتاج الى التعليم وفي نفس الوقت لا يريد أن يتعلم.
يوضّح سماحة المرجع الشيرازي هذه الإشكالية بين العالِم والمتعلم فيقول: (إذا الجاهل يعصي الله في منطقة فيها العالم، أو في الإطار الذي يعيش فيه العالم، وفي حدود العالم، فسيحمّل الله عزّ وجلّ العالم معصية الجاهل. فإذا كان العالم قد بلّغ، والجاهل لم يأخذ، فسيكون العالم معذوراً).
في عالم اليوم المحتقن، وموجات التطرف الفكري التي أشعلها المتطرفون هنا وهناك، أصبحنا في حاجة تفوق الدرجة القصوى للعلم، فالمتطرفون لا ينجحون إلا في أوساط الجهل، فتصبح مسؤولية العالِم كبيرة بل لا مهرب منها، علينا (نحن العلماء) أن نمحو الجهل أو نقلل منه الى الحد الأدنى، بعضهم من العلماء يتساءلون.. هل نحن في حرب مع التطرف؟، فيأتيهم الجواب من واقعنا المرتبك، نعم إننا داخلون في حرب شعواء ضد التطرف، ليس هذا فحسب، نحن مسؤولون عن ردم فجوات الجهل الفاصلة بين إنساننا وعناصر العصر وملامحه وإيقوناته، لا نريد للجهل أن يتفوق على عقولنا، فتقع علينا مهمة محو الجهل.
لدينا شريحة الشباب، يؤكد عليها السيد الشيرازي كثيرا، لماذا هذا التركيز على الشباب؟، إنهم عيوننا التي نرى بها، وأيدينا التي نمسك بها أقلامنا، إنهم عقولنا، وهم مستقبلنا، هذه هي أهمية شبابنا، من هذه التوصيفات ينطلق سماحة السيد صادق الشيرازي، فيعيد ويكرر دعواته للاهتمام بالشباب، وتوفير الركائز العقائدية العلمية الثقافية التي تحميهم من موجات التجهيل الوافدة من ثقافات العالم الذي بات عاريا أمام الجميع، لكن هذا لا يلغي مسؤولية المتعلم في التعليم بل تكون مناصفة بين الطرفين، أما أسباب التركيز على العلماء، فهذا يعني أنهم حاملو العلم والثقافة والوعي، وهم الأقدر من غيرهم على البدء بعملية وعي وتعليم كبرى، تمحو الجهل وتصنع الأجواء المناسبة للشباب المتعلِّم الصالح.
هذا المعنى نراه في كلمات المرجع الشيرازي حين يقول: (عندما نقول العالم مسؤول، فيعني أنّ العالم بإمكانه خلق الأجواء الصالحة في محيطه ومجاله، وذلك حتى ينشأ الشباب في هذه الأجواء صالحين).
اضف تعليق