من المعروف ان الدولة هي نتاج الأمة، وإن الكثير من حركات النهوض الإسلامية فشلت لأنها عانت من تقصير أهم شريحة في المجتمع ألا وهي المرأة، وتقصير هذا المكون المجتمعي المهم والتغاضي عن قدراته الذاتية في خدمة الأمة سبّب خللاً ديناميكياً في ترابط نواة المجتمع، مما أدى الى ضعف القوى المجتمعية وعدم تعزيزها للدخول الى الساحات العالمية وتبيان الصورة السليمة والمشرِّفة للمرأة المسلمة على نطاق عالمي واسع.
وجميع الشعوب في العالم سواء المسلمة أو غير المسلمة وحتى الفئات الملحدة، تقرّ بأن المرأة هي اهم ركيزة من ركائز الأمة، فمن تمثل نصف المجتمع ونواته قادرة على تنشئة جيل كريم ومناضل من اجل حقوقه وحرياته، ففي كل الأحوال ستكون المرأة هي القائدة الأولى والمؤثرة الكبرى على بني جنسها وعلى الجيل الناشئ المتمثل بالأطفال الذين ستتولى تربيتهم، إضافة الى شريحة الرجال، فقد أكد علم النفس على التأثير الكبير الذي يتركه كلام المرأة على عقل الرجل، فالمنظرون والحضاريون وحدهم الذين عرفوا مدى أهمية وخطورة المرأة في انبعاث الحضارات او انهيارها.
ومن الواضح بأن من اهم أسباب تقدم الغرب على المجتمع العربي، هو اننا نقوم على رجل واحدة، ونبصر بعين واحدة، ونصفق بيد واحدة، ونعمل بنصف الطاقات التي نملكها، متناسين تماماً الطاقة المهمة التي ترتكز عليها المجتمع ألا وهي المرأة، او بالأحرى هي من قيدت نفسها بين تربية الأطفال والبيت فقط، وتناست بأن لها طاقات عظيمة تستطيع تسخيرها في بناء الأمة والوصول الى اهداف الإسلام السامية.
وفي ظل هذا التطور السريع المقترن بالوضع الإسلامي، فمن المهم جداً ان تعزز المرأة نظرتها الشمولية على المستوى العالمي، وتكابد من اجل فهم الوضع الإسلامي ومواقف الشعوب في المنطقة وتعمل على سد ثغور الاستفهامات التي تحيط بالساحة الاعلامية، وبلا شك لن يتم ذلك إلاّ إذا تحلّت المرأة بالوعي السياسي.
لأن نهضة الأمة الإسلامية الرشيدة لن تتحقق إلا بتكاتف كل الايادي وتكامل كل طاقات المجتمع. والمرأة دورها لا يقتصر على الزواج وتربية الاولاد فقط، ولا حتى على التحريض والتشجيع والدعم، وإنما يتعدى ذلك ليصل الى الخوض المباشر في العملية والتصدي للثغرات السياسية. وهكذا كانت الفُضليات من النساء السابقات في هذه الأمة كالسيدة الزهراء (سلام الله عليها)، وبنتها العقيلة السيدة زينب (عليها السلام)، فقد كان لهما دوراً سياسياً كبيراً جداً، وشهد لهنّ التاريخ التحليلات السياسية العميقة والاستنتاجات الفذة التي كنَّ يتوصلنّ اليها.
فقد ناهضت السيدة زينب (سلام الله عليها) بأعباء الحركة السياسية الإصلاحية الكبرى، وكانت من المحدثات الرائعات اللاتي يمتلكن أسلوب وعقل سياسي فذ، وقد شهدت الميادين لها بذلك، لتبقى السيدة (سلام الله عليها) على أثره أعظم نموذج للمرأة المسلمة السياسية في أروقة التاريخ.
فإن نساء اليوم لا يُقصرن عن مثل ذلك، وخصوصاً لو كانت السيدة زينب (عليها السلام) هي القدوة النسوية في محورهنَّ الحياتي، ولكن انعدام الوعي وتحيّز الشعور بالمسؤولية تجاه الإسلام والأمة، وتراجع الروح الرسالية إضافة الى الحواجز النفسية التي صنعتها الثقافة الجاهلية جميعها كانت عوامل مساعدة في خلق هذا البرود الفكري الذي شجع النساء على البقاء بعيداً عن الخوض في الساحات السياسية، لتُصد المرأة عن تفعيل دورها الرسالي في المجتمع.
فحينما تنهض المرأة تعطي زخماً مماثلاً لنهضة الأمة، بينما لو تعطلت عن ذلك لأضحت عقبة في طريق تطور ونهوض الأمة، وعلى النساء اليوم التفاعل اكثر في الميادين السياسة وإبراز الأفكار والتحليلات العميقة التي سترفع من شأن المرأة وتعود بالنفع على المجتمع الاسلامي، ولكي تعود المرأة الى الميادين السياسية بقوة اكبر يجب تذكيرها بالمسؤولية الكبيرة التي تحملها على عاتقها تجاه الإسلام، خصوصاً مع الوضع والتصديات التي نعيشها في الوقت الراهن، والخسارات الكبيرة التي ستلحقها بالأمة والإسلام في حال استمرت على منوال الجهل وعدم ادراك الوضع السياسي الذي تمر به المنطقة، خصوصاً بعد نبذ العلمانية والإصرار على الارتباط العميق الذي يربط الدين بالسياسية.
وحتى نكون منصفين أكثر فأن اللوم وحده لا يقع على عاتق المرأة فقط، بل ان للمجتمع ذنب كبير في ابتعاد المرأة عن الساحة السياسية على مبدأ أن المرأة خلقت من اجل الزواج وتربية الأطفال فقط، وانها لا تملك القدرة الكافية بإعطاءها الآراء السياسية المنطقية التي تحدد من مصير الدولة وتؤثر على قضايا الأمة، مع العلم ان الله سبحانه وتعالى يذكر في كتابه العزيز: "فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض" (سورة آل عمران/ الآية ١٩٥). والأمة العربية أو بالأحرى العقول الشرقية خالفت هذه السُنة وعادت الى الجاهلية تحت غطاء العادات والتقاليد الزائفة التي أنهكت كاهل الدين وعطلت مساره.
ويوم كان رسول الله (ص) في مكة أعلن عن منهجه في اشراك المرأة كما أشرك الرجل، في القضايا التي تهم الأمة وتمس مصالحها العليا وهو ما متعارف عليه اليوم بالعمل او النشاط السياسي، فحينما أقبل وفد الأنصار لمبايعة رسول الله (ص) وإعلان تأييدهم له، كان معهم ثلاث نساء: نسيبة بنت كعب، وأسماء بنت عمرو، وام منبع، فبايع النبي الأعظم النساء كما بايع الرجال في بيعة العقبة.
والبيعة كما هي معروفة تعني الولاء للقيادة والدولة، ويترتب عليها حقوق الافراد على القيادة والواجبات التي عليهم نحوها. وهي بمثابة الانتخابات التي تجري في عصرنا الحاضر وأشرك الرسول (ص) النساء في البيعة لتكون حجة على الأمة في أهلية المرأة في المشاركة في صنع القرار السياسي.
والشورى هي ايضاً لون من ألوان المشاركة في إبداء الرأي واتخاذ القرارات التي تهم مصلحة الأمة، وقد اشرك النبي الكريم (ص) النساء في الشورى في المصالح العامة وفيما يتعلق بشؤون الأمة، كدليل على أهلية المرأة في إعطاء المشورة وتنفيذ ما تشير به، ان كان الرأي ينسجم مع المصلحة العامة، كما هو الأمر في استشارة الرجل. (المرأة في نهج البلاغة/ ص ١٤٦)
ولكن مع تفشي العادات المتخلفة فإن ما ينقص المجتمع في الوقت الحالي هو ناشطون إسلاميون يتحملون المسؤولية في قيام ثورة فكرية على جميع تقاليد الجاهلية الموروثة والعودة إلى حقائق الدين في انتشال المرأة من واقعها المرير وانتزاع القيود المجتمعية الخاطئة التي حدّت من عطاءها السياسي واستهانت بعقلها النسائي الفذ، لجعلها أمام مسؤولياتها ومواجهة التقاليد الرجعية والعمل بما يريده الله منها نصرة للإسلام ونهوضاً بواقع الأمة.
وليس من باب الصدفة أن يذكر الله لنا أسماء النساء في كتابه الكريم عند ذكر الأنبياء، فحواء مع آدم، وأم موسى، وأم عيسى، وزوجات الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، فقد ذكرهن الله سبحانه وتعالى ليذكرنا بدور المرأة الكبير في احداث التاريخ.
وليس من باب الصدفة ايضاً ان يكون ٥٠ شخص من أصل ٣١٣ من نواب الامام المنتظر (عليه السلام) من النساء!، فالإمام يحتاج الى نساء سياسيات واعيات في غيبته وظهوره فلو كانت المرأة غير قادرة على تحمل هذه المسؤولية لما أعطاها الله سبحانه وتعالى هذه المنزلة لتكون قائدة جنباً بجنب الرجال في حكومة المهدي (عليه السلام) وتساهم في اصلاح الأرض وتحارب بوادر الظلم والجور في حكومته الجليلة!.
وفي النهاية لو ان الأمة نهضت فإنها ستنهض بكافة ابعادها الثقافية والعسكرية والاقتصادية، الاّ ان العالم ينظر إلى القوة السياسية على انها النافذة الأولى التي تعبّر عن قوة الأمة، فلو تكاتف المجتمع وأخذت المرأة دورها القويم في المجتمع وأجادت الخوض في العملية السياسية بنجاح فإننا أنصفنا الحقيقة التي تنص على ان نهضة الأمم هي بنهضة روحها التي تتمثل بمكوناتها الأساسية في النضال المستمر من اجل نيل هدف الإسلام الموحد المنشود ونشر رسالته السامية في الساحة العالمية على أفق الملأ بصورة صريحة وقويمة.
اضف تعليق