دأب العالم الغربي على إطلاق صرعات غريبة تختلف إحداها عن الأخرى لكي لا تبقى فئة ولا مكون من فئات ومكونات الشعوب لا ويشملها التوجيه، وتلك الصرعات كلها تتحدث عن خطر داهم يترصد أرضنا أو مناطق منها بعينها، يتهددها بالفناء، ولكي تصل صرعاتهم إلى درجة الإقناع كثر الحديث عن المخاطرة المرتقبة. والمخاطرة (Risk) هي: ربط بين احتمال وقوع حدث ما؛ والآثار المترتبة على حدوثه.

ولكي يصبح الأمر مقنعا للجميع، استنبطوا ما يعرف بإدارة المخاطر أو إدارة الخطر (RiskManagement) التي عرفوها بأنها: النشاط الإداري الذي يهدف إلى التحكم بالمخاطر وتخفيضها إلى مستويات مقبولة. وبشكل أدق: عملية التحديد والقياس والسيطرة وتخفيض المخاطر التي تواجه منطقة ما أو مشروع ما. وهي وإن كانت قد استنبطت للأغراض الاقتصادية وإدارة الشركات والمؤسسات إلا أنها عُممت على كافة أنواع المخاطر المحتملة، ثم ادعوا أن الغرض من التعميم هو انجاز عملية قياس وتقييم للمخاطر، وتطوير إستراتيجيات لإدارتها. يقصدون إمكانية نقل المخاطر إلى جهة أخرى أو النجاح بتجنبها، أو بتقليل آثارها السلبية، وقبول تبعاتها.

إن قائمة الصرعات التي أطلقوها تطول، فهي تتراوح بين مرض الإيبولا إلى مرض الايدز إلى أنفلونزا الطيور إلى أنفلونزا الخنازير إلى حطام أحد الأقمار الفضائية الذي سيخترق الغلاف الجوي إلى كوكب تائه مبتعد عن مساره متجها إلى الأرض، وأشياء أخرى.

وقد كثر التركيز على المخاطر التي تتهدد الأرض ابتداء من الحديث عن النيازك التي تقترب من الأرض، إلى الانفجارات البركانية المدمرة، إلى الأوبئة العالمية الانتشار، إلى الحروب النووية، إلى التغيرات المناخية الحادة، إلى ما يمكن أن يحدث من طفرات وراثية في الإنسان والحيوان والنبات بسبب الهندسة البيولوجية، إلى مخاطر النانو التكنولوجي الذي قد ينتج روبوتا مدمرا يتفوق على البشر، إلى الانهيار البيئي، إلى انهيار النظام العالمي، إلى إمكانية سيطرة إحدى القوى الدموية المتطرفة على مقاليد حكم العالم، وأخيرا تهديد العواقب غير المعروفة ومنها الملوثات التي تفرزها العمليات الصناعية وغيرها.

لقد كثر ذكر المخاطر بما يبدو من خلال حديثهم عنها أن مستقبل البشرية محفوف بالمخاطر، وأن البشرية غير محصنة من وقوع سيناريوهات مأساوية وأقدار مجهولة تنهي الحياة على هذا الكوكب.

الغريب أن بعض أكبر وأشهر العلماء، أسهموا في الترويج لهذه المخاوف، فالبروفيسور المشهور (ستيفن هوكينج) أدلى بعدة تصريحات عن مفاجآت منتظرة تتعلق بقضية وجود البشر على وجه الأرض، ومنها قوله: إن الجنس البشري يمكن أن يُمحى في غضون 100 عام من الآن، وأن القرن القادم سيكون الأخطر في التاريخ، وأن التقدم العلمي والتكنولوجي قادر على إنشاء عدد من السيناريوهات المتعلقة بنهاية الكون، فالأسلحة النووية والفيروسات المصنعة تشكل تهديدًا خاصًا. كما أخذت بعض المؤسسات العلمية الشهيرة على عاتقها تنويع الاحتمالات لكي يبقى باب التهديد مفتوحا على مصراعيه، حيث أعد علماء (معهد مستقبل الإنسانية والتحديات العالمية) بجامعة أكسفورد قائمة باثني عشر سبباً محتملاً يتهدد الأرض ذكرنا قسما منها في أعلاه.

ومن بين هذه المخاطر جميعها تم التركيز على كويكبات ادعوا إنها من غير البعيد أن تنحرف عن مسارها إلى الداخل بفعل جاذبية الشمس والكواكب الداخلية، وتتخذ مدارات عشوائية حول الشمس تكون قريبة من مدار الأرض أو تتقاطع معه، فتشكل تهديدا محتملا للأرض، مثل حديثهم عن الكوكب المجهول الذي تحدث عنه أجدادنا السومريون، وتوقعوا أن يمر قريبا من الأرض فيغير أجواءها أو يصطدم بها فيدمرها!. أو اعتمادا على انتهاء التاريخ الذي ورد في التقويم الفلكي لشعب (المايا)، الذين أشاروا إلى أن نهاية العالم ستكون عام 2012، ذلك الحدث الذي روجت له وكالات الأنباء وتحدثت عنه مراكز البحوث، ثم لم يتحقق، أو بالرجوع إلى تأويلات العراف الشهير نوستر اداموس الذي عاش في القرن الخامس عشر!.

بمعنى أن جميع استنتاجاتهم بنيت على أساطير قديمة، وطعمت بنكهة الحاضر لكي تلقى القبول، ولذا فشلت توقيتاتهم، ولم تتحقق توقعاتهم. أما النكهة التي أضافوها، فأطلقوا عليها اسم نيبيرو Nibiru)) وهو كوكب مجهول رصد كما يدعون لأول مرة في أوائل ثمانينات القرن الماضي خلف الحدود القصوى للنظام الشمسي. وقد تم العثور عليه عن طريق استخدام أجهزة رصد تعمل بالأشعة تحت الحمراء، حيث كان قابعاً في حزام من الكويكبات يدعى (حزام كوبر)، ولاحظوا ـ كما ادعوا ـ أن هذا الكوكب يقترب الآن مسرعاً باتجاهنا، وسيدخل المنظومة الشمسية الداخلية أي الكواكب القريبة من الشمس وهي كواكب عطارد، الزهرة، المريخ، الأرض في عام 2012، وأنه سوف يتسبب بأحداث كارثية منها اشتداد الاحتباس الحراري وازدياد حدة وعدد ودرجات الزلازل فضلا عن رياح شمسية قاتلة يسببها عندما ينفجر في نواة نظامنا الشمسي، وان ذلك سوف يتسبب في نهاية الحياة على الكرة الأرضية. ومثلما قلنا، تبخرت جميع أقوالهم حينما مر عام 2012 على خير ولم يتحقق شيء من تلك التوقعات.

واقعا أنا لا أجد صعوبة في ربط مجمل هذا الحديث بحديث آخر لهم، أرادوا من خلاله توهين قصص القرآن بالإدعاء أن قوم عاد وثمود وجيش أبرهة الحبشي وقوم نوح وغيرها من قصص الهلاك الجمعي، لم تكن أكثر من ظواهر طبيعية، كانت ولا زالت تحدث بدرجات متفاوتة، وأنْ لا علاقة لغضب الرب بها! ناسين أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في البر والبحر، وأنه خلق كل شيء بقدر، وأنه هو الذي سخر الرياح والطير الأبابيل. وغير مدركين ما ورد في سورة العنكبوت من قوله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وجاهلين الرؤية العلمية في الحديث عن الأسباب والمسببات.

هذا الجهل بالحقائق، جعلهم يتحدثون عن الكوكب التائه خارج القدرة الإلهية، فالكوكب قد يكون السبب في عودة الحياة إلى ما كانت عليه من قبل أن تكون؛ بأمر الله تعالى كما في سورة الأنبياء: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} لا بقدرة الكوكب، فالكوكب قد يكون هو المسخر للقيام بهذا العمل بأمر الله تعالى في الوقت المعلوم لا تبعا لتوقيتات شعب المايا وغيرهم، وقد يكون مجرد وهم لأن الأمر الإلهي بفناء العالم لم يصدر بعد!.

قصدي مما تقدم أن هناك مشاريع جبارة ألبست ثيابا من العلمية والعقلنة وزوقت لكي لا يشك بها أحد من الناس، فنالت قبول ورضا العلماء قبل غيرهم وهي بالأساس مجرد تخمينات بنيت على ما ورد بأساطير وخرافات شعبية قديمة، ولذا لا يمكنك أن تقتنع بكل ما تسمع، أو تأخذ بنتائج كل ما يطرح، أو تستمع لكل ما يقال، وليبقى عقلك وعلمك وثقافتك وإيمانك هو المقياس والمعادل الموضوعي لما تسمع وترى، فبين الحق والباطل أربعة أصابع لا أكثر، وأنت تحتاج إلى مستوى جديد من النضج يسمح لك بأن لا تتخذ قراراً خاطئا بالمرة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق