إن كنت تبحث عن حبيب يشعر بك ويعرف أدقّ تفاصيلك ويملأ الفراغ الموجود في ثنايا قلبك، عليك أن تختار قارئ الكتب كي يصبح شريك ذكرياتك، لأن القارئ يخوض في معارك كثيرة، وغالبا ما تكون لديه ألف قصة وعبرة ليحكيها لك، كما بحكم هذه الهواية، يمتلك خيالاً يسع الكون، فيعيش تارة في زمن الديناصورات ويتحمل أن يأكل الخضراوات معك، وتارة أخرى يعيش مع قيس وليلى ليجرب الحب العذري، وأحياناً أخرى يسافر عبر الزمن ويصطحبك معه حيث التطور والسرعة، إنه يتمسك بحضارة وثقافة الشعوب، ومن يصاحب أحدا سيصبح مثله، إذاً ما بال من يصاحب الشعوب والأمم ويتعرف على خصائصها وأسرارها؟.
لا عجب في أن يكون قارئ الكتب أفضل من غيره، لأنه جرّب أن يعيش بكيفية أخرى غير تلك التي يعتادها عامة الناس، إنه تعلم أن يعيش بعيون لا مرئية وجرب أن يخوض تجارب لم يلمسها في حياته الطبيعية، لكنه وصل إلى حياة المغامرة عبر الكتب من دون أن يعيشها في الواقع.
ومن صفات قارئ الكتب، أن تكون لديه صلة بمئات العقول وآلاف الأرواح، إنهم يعرفون أموراً ليس باستطاعة غيرهم تخيلها حتى. هم يشعرون بذلك الألم الموجع عند قبض الأرواح من الأجساد ووجع المخاض عند الولادة وغربة المشاعر، عند الفراق والوداع يبكون أحياناً ويضحكون أحياناً أخرى، يجمعون بين الابتسامة والبكاء.. مرة إلى الشرق حيث الإشراق والأمل، ومرة يسافرون إلى الغرب حيث الغروب والوداع، وحده قارئ الكتب يعرف معنى التحديق في جمال القمر أثناء ليلة حالكة الظلام، حين يبدأ بقراءة ألف قصيدة شوق، ذلك لأنه يمتلك القدرة على أن يشعر بأدق تفاصيلك ويجزّئ مواجعك واحدة تلو الأخرى ويقضي عليها، فهو باستطاعته أن يفصل الأمور ويعطي الحلول الجديدة للمشاكل الصعبة.
لذلك حين سُئِل أرسطو كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: أسأله كم كتابا قرأ وما نوع الكتب التي قرأها؟.
القراءة غذاء النفوس
يُحكى أن أول مكتبة وضعها الفراعنة تحت رعاية آلهتهم كتبوا على بابها “هنا غذاء النفوس وطب العقول، وكيف لا تكون كذلك وهي تأخذ بيد الإنسان إلى عالم المعرفة وتفتح له آفاقا واسعة لحياة أجمل بل تكون كبصيص نور ينشر الأمل في القلوب.
لم يتفوق شخص على شخص آخر إلا عن طريق القراءة وإدراك ما يقرأه، لذلك أول كلمة نزلت على قلب نبينا صلى الله عليه وآله كانت كلمة "إقرأ" ويقول أمير الكلام علي عليه السلام: نعم المحدث الكتاب.
وهناك نماذج كثيرة منها لعلمائنا الأعلام والكتاب العظماء والأدباء كما ورد في أحوال (طه حسين) بأن ذلك الأديب لم يصل إلى العظمة بلا مقابل، بل كان يقرأ لمدة عشر ساعات يوميا مع إنه كان ضريرا، ولكن كان لديه من يقرأ له.
فرانكلين دي روزفيلت
يعتبر أسرع الرؤساء قراءة ونهما للقراءة، وقيل أنه كان يقرأ فقرة كاملة في لمحة واحدة وينتهي من قراءة الكتاب في جلسة واحدة، بدأ بالقراءة بالسرعة المعتادة وشعر بأنه لابد من تطوير قراءته وزيادة سرعتها، وتمثلت خطواته الأولى في الوصول إلى أربع كلمات في وقفة العين الواحدة، ثم ستة، ثم ثمانية، بل إنه درب نفسه على قراءة سطرين في المرة الواحدة ثم تطور إلى القراءة في خط متعرج نزولاً إلى آخر صفحة ثم قراءة فقرة صغيرة بحركة عين واحدة، وكان منهجه في كل ذلك مماثلاً للرواد الحاليين في العصر الحديث.
جون ستيورات ميل
يُقال أن الفيلسوف البريطاني الذي كان يؤمن بمبدأ المنفعة، والذي كانت ترتيبه 90 على قائمة العباقرة، إنه قرأ العديد من الكتب بإلقاء نظرة واحدة داخل صفحات كل كتاب. وتلقى قصة (ميل) الضوء على أهمية التشجيع والتحفيز في سنوات المبكرة، كان والده أستاذاً في الجامعة وكان يعطيه كتاباً ويطلب منه التوجه إلى غرفة أخرى لفترة قصيرة من الوقت ليقرأ الكتاب ثم يعود ليناقشه فيما استوعبه منه.
أهداف القراءة
- أهداف وظيفية: كمن يقرأ في صلب تخصصه وطبيعة عمله.
- أهداف تطويرية: وهي قراءة ما يصقل الشخصية ويعزز المواهب.
- أهداف ثقافية ومعرفية: مثل القراءة العامة للمعرفة والإطلاع وزيادة المخزون الثقافي.
- أهداف ترويحية: إذ القراءة بحد ذاتها إيناس للنفس فكيف إن كان المقروء من النوادر والملح والحكايات المستطرفة والأعاجيب.
- أهداف واقعية: بالتفاعل مع الواقع كالعروس تقرأ قبل الزواج أو من يسمع عن منظمة التجارية الدولية فيقرأ عنها.
لماذا نقرأ؟؟
- لنكتشف العالم.
- لنبدع أشياء عظيمة.
- لنزرْ أماكن جديدة.
- لنستمتع بأوقات فراغنا.
- لنخطط لمستقبلنا.
- لنفهم الماضي.
- لندرب عقولنا ونطورها.
- لنضع قرارات صائبة.
نقرأ لأننا نستطيع أن نقرأ، ونقرأ لأن الكتاب أوفى صديق كما قال الجاحظ:
أوفى صديق إن خلوت كتابي *** ألهو به إنْ خانني أصحابي
لا مفشيا ســــــــــــــــــــرا إذا أودعته *** وأفوز منه بحكمة وصــــــــوابِ
اضف تعليق