لا توجد مقاييس تفرّق من حيث القيمة البشرية، بين إنسان وآخر، وإلا وُسِمتْ بالعنصرية، فطالما أنت إنسان لك حقوق مثل أي إنسان آخر، ولتكن رجلا أو امرأة، طفلا أو شيخا، معافى أو مريضا، الكل سواسية، هذا من حيث الرؤية المثالية التي يتمناه الدعاة الإنسانيون والفلاسفة الإيجابيون، أما المعروض علينا في واقع حركة الناس وعلاقاتهم والتضاد المنعكس من توجّهاتهم الفكرية والمبدئية والعملية، فإن الحال يختلف للأسف.
ما هي أوجه الاختلاف بين الرؤية الفلسفية المثالية للحقوق، وبين ما يندرج تحت بند الواقعي؟، يقول متابعون، إن الأسوار الشاهقة التي تفصل بين سقف الحقوق الفعلي، وبين المطلوب المثالي، تجعلنا نُصاب بخيبة كبيرة، فما يحدث للمرأة في مجتمعات تقول أنها تتصدر قيادة العالم حقوقيا، يجعلنا نصل درجة اليأس في عدم تصحيح الأمور، فالمرأة في الغرب تتعرض لأبشع درجات الاستغلال في الخفاء.
أما ما هو معلَن فلا يمكن أن يعوَّل عليه، لأنه لا يمثل الحقيقة ولا يعكس الحقوق الواقعية للمرأة في المجتمعات التي تدّعي تصدّرها لقيادة الكابينة البشرية برمتها، هل نتكلم عن الاستغلال الجنسي للنساء في الغرب، أم استغلالهن في شبكات وعصابات المخدرات، أم في حقوق العمل والاجتماعيات، إن التصوير الفعلي المعلن والرصد التطبيقي لما يجري في ميدان الحقوق النسائية سوف يصيبنا باليأس والقنوط.
والرجل الغربي الذي دأب على إعلان تمجيده لحقوق المرأة، هو نفسه من يقود سلسلة الخطوات التي تستغل جسد المرأة بأبشع الطرق والصور، وهو نفسه الذي يخطط لإخضاع المرأة لمآربه في هوليود مثلا، فهذه المؤسسة السينمائية الفنية العملاقة عالميا، تستقطب النساء الجميلات من أجل الإثارة وصناعة السينما الرائجة التي تعود على صنّاعها بمئات المليارات من الدولارات، ولكن ماذا نتوقع من رجال هذه المؤسسة، عندما نسمع تصريحا جارحا لإحدى الممثلات تقول فيه (إن أقرب طريق الى الشهرة هو فراش المخرج)!.
وإذا عرفنا وآمنا بأن (حقوق النساء على الرجال مماثلة لحقوق الرجال على النساء./ المصدر كتاب من عبق المرجعية) كما يؤكد المرجع الديني السيد صادق الشيرازي في قوله سابق الذكر، فإن كل ما يدعيه الغربيون يبدو كأنه نكتة سمجة، خصوصا أن مجريات الأحداث في المجتمعات الغربية، تزودنا على مدار الساعة بدلائل لا تقبل النقض عن تدمير شبه منظم لكينونة المرأة، صحيح هنالك منظمات حقوقية فاعلة، وهناك من يسعى لحماية المرأة، ولكن كفة الميزان تميل الى استغلالها.
بالطبع يغص العالم بالشعارات، ونحن نعيش أجواء اليوم العالمي للمرأة، الكل يرى فيها أيقونة ناصعة قد تصل لدى بعضهم درجة التقديس، ولكن ما يهمنا دائما الحقيقة التي تفضح الزيف، فما أن نسلّط حزمة ضوء كاشفة على هذا الواقع، وعلى حقيقة هذه الشعارات، لنكتشف بأسف شديد، أن ما يُقال عن المرأة لا يشبه مطلقا ما يحدث لها في الواقع، إنها مفارقة محزنة حقا.
في قول للمرجع الديني السيد صادق الشيرازي، نطّلع على طبيعة هذه الشعارات التي لا تعدو أكثر من ذر للرماد في العيون.. يقول سماحته: (عندما نأتي إلى قضية المرأة، نلاحظ أن الشعارات التي ترفع باسمها ليست سوى ظواهر وضجيج فارغ، فتحرير المرأة مثلاً كلمة جميلة، ولكن عندما تنبّش قلب هذه الكلمة لكي تعرف حقيقتها والواقع الذي تعيشه المرأة المعاصرة في ظلها تكتشف أن فيها تقييد المرأة وإذلالها وليس حريّتها كما يزعمون./ المصدر السابق نفسه).
هذا الكلام يعد بمثابة الضوء الكاشف لحقيقة ما يجري للمرأة المعاصرة، فهي تعاني من فقر الحقوق وضعفها، في معظم الميادين، نحن تعرضنا لمؤسسة هوليود الفنية كمثال ليس أكثر، مع العلم تعد هذه المؤسسة الفنية الضخمة الأكبر في العالم قاطبة، في أمكنة العمل كلها تتعرض المرأة الى مضايقات هائلة، وما حملات التحرش سوى علامة من عشرات العلامات الخارقة لتلك الحقوق.
في بعض الأفلام الواقعية التي ترصد أوضاع المرأة بصدق وواقعية، يشيب الرأس من تلك المواقف التي تتعرض لها النسوة في أماكن العمل وحتى الدراسة في المحافل الجامعية، نعم هو حال المرأة ليس في الغرب فحسب، فالشرقيون أيضا بارعون في تدمير شخصية المرأة، ولكن الغرب يختلف عن الشرق بحالة التبجح التي يعلنها على الملأ بأنه المخلّص للمرأة، فيما هو في حقيقة الأمر المارد الأكبر والمتجاوز الأول لحقوق المرأة.
كثيرون يعيبون على الإسلام دعوته لأهمية أن يكون العمل مناسبا لطبيعة المرأة التكوينية الجسدية والنفسية، هناك من يرى في هذه الدعوة خرقا لحقوق النساء، ولكن علميا هل يمكن أن تتساوى عضلات المرأة بالرجل، هل يمكن أن يتحمّل جسدها أعباء وقوى العمل نفسها؟، هذا يفرض علينا تفكيرا صحيحا ومناسبا، خصوصا أن التكوين العاطفي للمرأة يجعلها معاكسة للتكوين العقلي للرجل، فالمرأة العاطفية تختلف عن الرجل العقلاني.
ولكن هذا لا يمنع من أن يكمّل أحدهما الآخر، فلا يجوز للعقل أن ينتهك العاطفة ويتنمّر عليها، مثلما لا يجوز للعاطفة أن تترفع على العقل، العمل هنا تحكمه المشاركة التعاونية المثالية بين القطبين الأساسيين في الوجود ويُقصَد بهما الرجل والمرأة، إنهما في الحقيقة ليس ضدان لبعضهما، إنما الأصح هما مكملان لبعضهما، فما أكثر بؤس الحياة حين تخلو من العاطفة، وما أشدها خطرا حينما تخلو من العقل.
إذاً كلاهما قطب مهم لديمومة الحياة، بشرطية التعاون وليس التناقض، لهذا في عيد المرأة يجب الوقوف معها، وتذكيرها دائما بأنها النصف المهم الذي لا يمكن الاستغناء عنه، كونه المكمّل لوجود الرجل مثلما يستوجب النشاط البشري حتمية التشابك بين العقل والعاطفة، فالحياة لا تمضي قُدُما بالعقل وحده، ولا بالعاطفة وحدها، كما أنها لا يمكن أن تستمر بالرجل وحده أو بالمرأة وحدها وإنما بوجودهما معا وتعاونهما وفق قائمة ومقاييس الحقوق العادلة.
يضرب المرجع الديني السيد صادق الشيرازي مثالا معقولا عن هذه العلاقة أعلاه، فيقول سماحته: (من الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما، كما تختلف واجبات الغضروف عن العظم في بدن الإنسان، حيث استقامة البدن بالعظم، وحركته بالغضروف، ولو أردت أن تساوي بينهما فمعناه أنك شللت البدن).
وإذا كان الأمر كذلك، فإن حقوق الرجل لا تعلو على حقوق المرأة في أي حال، فمثلما للرجل حقوق عليها، هي تمتلك هذه الخاصية نفسها وسقف الحقوق نفسه، هذا التعادل والتقارب إذا ما تمكن المجتمع من تحقيقه، فإنه بلا ريب سوف يضمن توازنا اجتماعيا باهرا، ينهض على قاعدة حقوق متينة تضمن للمرأة عدالة مجتمعية متأصلة.
اضف تعليق