قدم مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ورقة في ملتقى النبأ الاسبوعي حاول التسليط الضوء من خلالها على "حقوق الإنسان في النهضة الحسينية".
وقال الباحث في المركز الدكتور علاء الحسيني في الورقة البحثية التي أعدها بمناسبة أيام عاشوراء استشهاد الامام الحسين بن علي عليهما السلام ان:
موضوع حقوق الإنسان من أكثر المواضيع التي أثارت وتثير الجدل على المستوى المحلي والعالمي ونحن اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى الوقوف عند ماهيتها وتحديد ضماناتها وآليات تفعيلها.
وفي معرض الحديث عن تطورها وجذورها لابد من المرور على المنبع الصافي الذي أرسى صورها وتطبيقاتها الحقيقية ألا وهو النبي الإنسانية الأكرم محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكرام.
ويعد الامام الحسين عليه السلام امتداد للسلوك المحمدي ومن أوائل المدافعين عن حقوق الإنسان والحريص كل اشد الحرص على الدفاع عن المظلومين، فقد جسد سبط رسول الله القيم النبيلة المتمثلة باحترام الإنسان بما هو إنسان، ولنا من حياته العطرة أن نمر سريعاً على ما أرساه من مبادئ سامية في أخر يوم من حياته المباركة عام (61).
وأضاف الحسيني: إن تحليل سلوك الأمام الحسين ع يوم العاشر من المحرم بحد ذاته أرث حضاري للأمة الإسلامية وللإنسانية جمعاء، عليها أن تتفاخر به وترفع هامتها عالياً، إذ سبقت هذه التطبيقات كل الوثائق المعول بها اليوم والتي تعد أساس قانوني لحقوق الإنسان عالمياً ومحلياَ، فمن المعلوم إن أوربا والغرب عموماً الذي يعد مثالاً يحتذى به في ملف حقوق الإنسان عانى الأمرين طوال عدة قرون من الحروب والإنتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان، إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما بدأت مرحلة تدوين مبادئ حقوق الإنسان بشكل وثائق عالمية بعد أن كانت مجرد مبادئ وطنية تضمنتها الوثائق الدستورية كإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789 وإعلان فيلادليفيا الأمريكي لعام 1776، فظهر للوجود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 والعهدين الدوليين 1966 ثم تلى ذلك العديد من المعاهدات والاتفاقيات التي تختص بشأن معين كتحريم جميع أشكال التمييز العنصري أو التمييز ضد المرأة وحقوق الطفل وغيرها.
ونحن في أيام شهر محرم نستذكر الملهم في ميدان الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ألا وهو الأمام الحسين ع في يوم عاشوراء، الذي مثل القيم العليا وجوهر حقوق الإنسان، فحق الحياة والمساواة والأمن والحرية في الرأي والعقيدة وجدت من يعطيها معنى حقيقي ويطبقها عملياً على أرض الواقع.
فقد حرصت الشريعة الخاتمة على تنظيم علاقة الفرد بربه وبأخيه الإنسان ومنعت أن تحكم الأهواء الشخصية والمصالح الذاتية الضيقة للحكام وأصحاب النفوذ، الأمر الذي غاب عندما تسلم بني أمية السلطة السياسية في الأمة الإسلامية في منتصف القرن الهجري الأول فكان لابد من وجود من يقف في وجه هذا الانحراف الخطير والانحطاط الخلقي الذي شوه صورة الدين ناصعة البياض فكان الإمام الحسين ع سليل الشجرة النبوية الأجدر بهذه المهمة.
وأضاف الحسيني: وللوقوف على حقوق الإنسان في كربلاء يوم العاشر من المحرم وفهمها بشكل جيد نعقد مقارنة بين النصوص المكتوبة بلغة العصر سواء المحلية منها أو العالمية والتطبيقات العملية لها في نهج الأمام الحسين عليه السلام وكالآتي:-
أولاً// الحق في الحياة والحق في الأمن الشخصي:- تناولت المادة (15) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 هذه الحقوق وجرى نصها بالآتي ((لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة )) كما أشارت المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 بان لكل شخص الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية.
والثابت إن الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان العديد من النعم وأسبغ عليه الكثير من الهبات ومن أثمن ما أعطى الله سبحانه للإنسان نعمة الحياة فهي أهم الهبات وأعلاها شأناً وحق الحياة لا قيمة له ما لم يأمن الإنسان على نفسه وماله قال تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً"، والذي حصل إن السلطة غير الشرعية المتمثلة في الحاكم الأموي يزيد بن معاوية سلبت الناس حقهم في الحياة والأمن ولم ترعى حرمة النفس والمال التي أرستها الشريعة الإسلامية، واستنكر عليهم الأمام الحسين عليه السلام ذلك وعبر بشكل جلي عن تمسكه بهذه المبادئ السامية ومما جاء في حديثه لجيش الكوفة "وأراكم اجتمعتم على أمر أسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وأمنتم بالرسول محمد (ص) ثم أنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم..".
والامام الحسين عليه السلام عندما رأى السلطة الاستبدادية تعتدي على حرمة النفس والمال بلا رادع وتسلب الناس أمنهم لأسباب واهية، وقف بوجه الظلم والحيف وقال عباراته الخالدة " يزيد شارب للخمر وقاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله"، وقال أيضاً "أني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالما ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (ص) أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".
ثانياً// الحق في الحرية والمساواة والكرامة:- وهي من الحقوق المؤكدة التي أشار إليها الدستور العراقي لعام 2005 بالمادة (14/العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية..) والمادة (37 / حرية الإنسان وكرامته مصونة) وحرص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن يؤكد هذه الحقوق في مادته الأولى "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق".
كما أرست الشريعة المحمدية دعائم هذه المبادئ القيمة منذ اليوم الأول للبعثة النبوية المباركة قال تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، وقال "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" وحرص القرآن الكريم على المساواة في خطابه للناس وللمؤمنين، ومن هذه القيم الراسخة انطلق الأمام الحسين عليه السلام فخاطب القوم يوم عاشوراء بقوله" أن لم يكن دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم.."، بل أعطى درساً في الحرية لأصحابه وأهل بيته فقال "هؤلاء يطلبونني فأن أصابوني شغلوا عن غيري هذا الليل قد غشيكم فليأخذ كل واحد منكم بيد أحد من أهل بيتي واسلكوا بين هذين الجبلين".
وكان سلوكه في المعركة سلام الله عليه نبراساً في الهداية، إذ ساوى بين الجميع وكان في جيشه من غير العرب ومن مختلف المشارب فتعامل معهم على قدم المساواة وحرص على حرمة الاعتداء، فلم يبدأ القوم بالقتال وما برح يذكر بحقوق النساء والاطفال، وفي جيشه عليه السلام قاتل الجميع بلا تمييز فهذا جون مولى ابي ذر وهو رجل أسود عندما أستشهد حمله الامام الحسين ووضع خده المبارك على خد جون وصنع الأمر ذاته مع ولده علي الأكبر وهذا مصداق المساواة الحقيقية، فلا تمييز في قاموس الأمام الحسين (عليه السلام) بين الجميع.
وحافظ أبو عبد الله على الكرامة وحرص على عدم إهدارها لأي سبب كان ولو كانت التضحية من أجلها بالنفس والمال، فقال "لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد"، وذكر الناس بالحرية وأنها قيمة عليا تستحق السعي إليها في جميع الأحوال فقال "ألا وان الدعي أبن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وأنوف حمية ونفوس أبية على أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".
ثالثاً// الحق في الجنسية:- الإنسان بطبعه كائن إجتماعي لا يطيق العزلة وتقوم كل دولة على أركان واحداً من أهمها الشعب الذي يعني مجموعة من الأفراد يحملون جنسية هذا البلد وتربطهم به علاقة قانونية سياسة ويترتب على ذلك تمتعهم بجملة من الحقوق وتحملهم الواجبات العامة.
والواقع أن الفرد لا يحس بالأمن إلا ان كان يحمل جنسية دولة معينة تتولى حمايته على أراضيها بمؤسساتها المختلفة وخارج أراضيها عبر الحماية الدبلوماسية، لهذا حرص الدستور العراقي لعام 2005 على إيراد نص المادة (18/ الجنسية العراقية حق لكل عراقي وهي أساس مواطنته) وأشار للأمر ذاته الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة (15) منه، ومن أهم أثار اكتساب الجنسية تمتع الفرد بحق المواطنة، أي إكتساب الحقوق المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية، وهو ما حرص القرآن الكريم على تأكيده إذ قال تعالى "وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ".
غير إن الحكم الأموي وخصوصاً في عهد يزيد بن معاوية ركن إلى سلب حق الجنسية من كثير من الناس ومنهم الأمام الحسين عليه السلام بالادعاء زوراً وبهتاناً أنه خارج عن الدين حيث دأبت الدعاية المضللة للأمويين على التأكيد على ذلك لإعطاء سلوكهم الدموي في قتل الناس وتشريدهم نوع من المقبولية، فبدأت حملة التشويش على الرأي العام وتشويه صورة الأمام الحسين ع سليل النبوة قبل خروجه من المدينة باتجاه مكة ثم الكوفة..
ثم سأل الباحث..
س// ما هي الدروس المستقاة من مواقف الأمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء في الدفاع المقدس عن الحقوق والحريات الأساسية؟
س// كيف يمكننا كمجتمع مسلم أن ننقل للعالم تجربتنا الإسلامية الرائدة في إقرار الحقوق والحريات الأساسية التي سبقت المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات العالمية بما يزيد عن ألف عام؟ بل أن ما ورد في هذه اللوائح "المواثيق الدولية والعهد الدولي" هو مجرد إعادة صياغة بلغة عصرية مفهومة من قبل الجميع باختلاف لغاتهم.
المداخلات
الشيخ مرتضى معاش تطرق إلى الجانب النظري والجانب العلمي في سلوك الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء.
وأضاف، الجانب النظري هو الكلمات التي ألقاها الإمام سلام الله عليه والتي طالب بين فيها حرمة الدم وحرمة انتهاك النفس المحترم والتأكيد على الناس بان يكونوا أحرارا في مواقفهم وأن لا يكونوا عبيدا للسلطة.
أما الجانب العملي، فهو تجسيد تلك المفاهيم على أرض الواقع من خلال السلوك الإنساني الذي قام به الإمام (عليه السلام) قبل المعركة وأثنائها.
وقال يجب التأكيد على أساسين مهمين، أولهما أساس الحرية لأنها ترتبط بصلب حقوق الإنسان، وثانيهما هو المطالبة بالحقوق مستشهدا بقول الإمام الحسين (عليه السلام) "أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، وهذا معنى المطالبة بالإصلاح والحفاظ على الحقوق.
واسترسل قائلا، إن الفساد هو الذي يؤدي إلى هدر الحقوق وضياعها وأكبر الفساد هو فساد السلطة، وبالتالي حينما رأى الإمام الحسين (عليه السلام) فساد السلطة الذي يؤدي إلى ضياع الحقوق قام ونهض لطلب الإصلاح.
الأستاذ باسم عبد عون الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية قال، إن سبب الفساد الذي مارسته السلطة في ذلك الوقت بسبب حب التفرد بالسلطة من قبل الحاكم الأموي كان له الأثر الأكبر في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، كما ربط بين واقعنا الحالي والسلطة في ذلك الوقت وكيف لنا أن نستلهم من ثورة الإمام الحسين ع تلك الدروس في المطالبة بالحقوق.
الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية قال، إن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) جاءت من منطلق حقوقي شامل على إعتبار إن حقوق الإنسان منظومة متكاملة مترابطة لا يمكن الفصل بينها، إذ لا يمكن الفصل بين الحق في الحياة عن الحق في الحرية أو الحق في التعبير عن الرأي أو الحق في الكرامة الإنسانية، حيث لا يمكن أن يشعر الإنسان بطعم الحق في الحياة أذا حرم من باقي الحقوق وبالتالي فإن كل حق من تلك الحقوق يكمل الآخر.
وأضاف الحسيني، إن طريق الإصلاح هو ليس بالطريق السهل أو اليسير، بل هو طريق شاق إذ لا يمكن أن يصل الإنسان إلى الإصلاح بدون تقديم التضحيات وهذا ما فعله الإمام الحسين عليه السلام فقد وصل به الأمر إلى التضحية بنفسه وعائلته وأصحابه من أجل الإصلاح والمطالبة بالحقوق وعدم الركون إلى الظالم، واسترسل قائلاً إن المقصود من طلب الاصلاح هو إصلاح الحاكم باعتبار ان صلاح الحاكم هو ضمانة لحفظ جميع الحقوق.
الأستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية تطرق إلى الفهم الخاطئ من قبل المجتمع لحركة الإمام الحسين ع الإصلاحية وهل نحن اليوم نسير على ذلك النهج الذي اختطه الإمام الحسين (عليه السلام) أم لا؟ باعتبار إن الإمام الحسين (عليه السلام) نادى يوم عاشوراء بقول "هل من ناصر ينصرنا" والنصرة هنا تعني السير على المنهج.
الأديب عادل الصويري، قال إن الموضوع يحتاج إلى الكثير وبخاصة في البعد الإنساني من خلال سلوك الإمام ع مع شهداء الطف فما فعله مع ولده علي الأكبر فعله مع جون الأسود وهو مولى له.
التوصيات
ومن أجل أن نُفِهمَ الآخرين بالمضامين الحقوقية لتلك النهضة المباركة أوصى الحضور بـ:
1- قراءة التاريخ قراءة واعية تستحضر معها جميع القيم والمبادئ الإنسانية التي خرج من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام).
2- عقد جلسات خاصة تجمع أصحاب المنابر مع أصحاب الفكر والمؤرخين لتلاقح الأفكار وصياغة خطاب جديد لا يبتعد عن الجانب العاطفي والتراجيدي ولكن بلغة العصر، وإبراز مظلومية شعوب العالم مع مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام).
3- إعطاء حقوق الإنسان جانبها الأخلاقي حتى لا تصبح مجرد حقوق شكلية، لأن الأخلاق ركن أساس من أركان الحقوق، وبالتالي لا يمكن تصور حق يخالف الفطرة البشرية أو النواميس الطبيعية وهذا ما تفعله بعض الدول الغربية بإقرار حقوق خلاف تلك النواميس.
4- وضع منهج لحقوق الإنسان يتضمن كل ما جاءت به النهضة الحسينية وتدريسها للطلاب المدارس من الابتدائية إلى الجامعة، لأن مناهج حقوق الإنسان التي تدرس في الجامعات غير صالحة في كثير منها لمجتمعاتنا أو إن قسم منها يخالف تعاليم الشريعة السماوية.
5- استغلال ما تقوم به المنظمات الإرهابية من أعمال تنتهك حقوق الإنسان وإبراز وجه الإسلام الناصع الذي يحترم جميع الحقوق ويدافع عنها كما فعل الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته المباركة.
اضف تعليق