يوم بعد آخر يؤكد المجتمع الدولي تخليه عن حقوق الإنسان والدفاع عن الحياة البشرية، إذ كان من المفترض أن يؤدي مجلس الأمن الدولي الذي يمثل قلب المنظمة الدولية "الأمم المتحدة" دوره في حماية الأمن والسلم الدوليين وإن يقف بوجه الدول المارقة والمعتدية بعد الويلات التي عاشها العالم على خلفية حرب مدمرة كانت حصيلتها سقوط الملايين من الضحايا وكانت أوربا مسرحا لها، لكن الواقع الحالي يقول غير ذلك تماما، فقد صار التنافس على المصالح والنفوذ والصراع بين كبريات شركات النفط العالمية هو السمة البارزة لهذا العصر وهو الهم الوحيد الذي تسعى خلفه الدول الكبرى بالحصول على موطئ قدم وبخاصة في الدول المنتجة للنفط والغاز في العالم.
وبما إن منطقة الخليج تضم أكبر الدول المنتجة للنفط والغاز في العالم تسعى الدول صاحبة الشركات الكبرى للاستحواذ على أكبر الحقول المنتجة فيها، ورغم معرفة الدول العظمى التي تشكل أساس المجتمع الدولي بضلوع الأنظمة الحاكمة للدول المنتجة بالإرهاب فكرا وتمويلا ودعاية، إلا أنها تفضل غض الطرف عن كل ما تقوم به تلك الأنظمة من انتهاكات وقتل وتحريض على القتل مقابل حصولها على حصة الأسد في حقول النفط والغاز.
اليوم يشاهد العالم بأسره فداحة ما تقوم به السلطات السعودية من قتل يومي ممنهج عن طريق القصف الجوي والصاروخي العشوائي غير المبرر والذي لا يستند إلى أية شرعية دولية، والأكثر بشاعة هو ما أثبتته التقارير الدولية والإعلامية والإنسانية والتي تؤكد موت إنسان يمني في كل ساعة غالبيتهم من الأطفال والشيوخ بسبب مرض الكوليرا الذي تفشى بشكل كبير في اليمن، والأقسى من ذلك كله ما تقوله التقارير أنه من الممكن القضاء على هذا المرض بتوفير العلاج اللازم، لكن الحصار الذي تفرضه السعودية ومن يساعدها على اليمن هو الذي يمنع وصول الدواء والغذاء إلى الشعب اليمني.
لقد باتت الشعوب الفقيرة يائسة من مخاطبة الضمير العالمي ولم تعد هناك تثق بالشعارات التي ترفعها الأمم المتحدة أمام الإعلام أو في أروقتها الداخلية أو على لسان أمينها العام، بل إن ضمير المجتمع الدولي قد مات بفعل صفقات البترول الذي تقوده كبريات الشركات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، بسبب الوقوف إلى جانب القاتل على حساب الضحية وهم يشاهدون كل يوم إن الإنسان يقتل بدم بارد عن طريق القصف العشوائي الذي لا يفرق بين ثكنة عسكرية أو سوق شعبي أو مدرسة للأطفال أو دور للعبادة وبأسلحة يتم تصديرها من دول تشكل بمجموعها مجلس الأمن الدولي والذي يفترض بها أن تكون من أكثر الدول حرصا على السلام ووقف العدوان.
ارتكبت السعودية في حربها المستمرة ضد اليمن جرائم حرب وانتهاكات خطيرة للقانون الدولي دونما عقاب أو ردع أو إجراء من شأنه وقف القتل الجماعي في اليمن. فقصف التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، المستشفيات وغيرها من منشآت البنية التحتية المدنية، وشن هجمات عشوائية قُتل وأصيب خلالها مدنيون، وهكذا يكون الموت مصير الشعب اليمني بين قصف سعودي بلا هوادة ومرض يفتك بالجميع بفعل الحصار وضمير دولي مات من كثرة حبه للنفط والغاز والأموال.
فبريطانيا والولايات المحتدة لم تستجيب للدعوات التي طالبتهما بوقف بيع الأسلحة للسعودية، فقد أثار تقرير لجنة الأمم المتحدة التي تراقب الصراع في اليمن لصالح مجلس الأمن، دعوات من جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان إلى الولايات المتحدة وبريطانيا لوقف بيع أسلحة يمكن استخدامها في مثل تلك الهجمات، إلى السعودية. ووثقت لجنة الخبراء مئات الطلعات الجوية للتحالف السعودي "تتصل بانتهاكات للقانون الإنساني الدولي"، وقالت إن "كثيرا من الهجمات شمل ضربات جوية متعددة على أهداف مدنية عديدة". وبذلك إن جميع التقارير الدولية تعتبر السعودية تقوم بجرائم حرب ضد الإنسانية وتنتهك القانون الدولي دون رادع، وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، فإن الحرب في اليمن أوقعت آلاف القتلى معظمهم من المدنيين.
فيليب بولوبيون من منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان: "ينبغي لحكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا أن توقفا على الفور نقل أي أسلحة للتحالف الذي تقوده السعودية قد تستخدم في مثل تلك الانتهاكات .. كما ينبغي لهما أن تدعما تحقيقا دوليا في الانتهاكات من جانب كل الأطراف". كل تلك الدعوات وغيرها لم تجد آذان صاغية من قبل مجلس الأمن الذي انشغلت أركانه بمحاباة دول النفط على حساب الشعوب المقهورة والتي تصارع الموت يومياً.
أما على الصعيد الداخلي فلا تقل الجرائم التي يرتكبها النظام السعودي بشاعة عن الجرائم التي يرتكبها في اليمن، إذ يقود النظام السعودي حربا طائفية شرسة ضد المواطنين الشيعة في المنطقة الشرقية، فالقــوات السعوديــة التــي تشــن هجومــا واسعا عــلى بلدة العوامية في القطيف مستخدمة كافة الأسلحة والمعــدات الثقيلــة والمتوسطــة والأسلحة المحرمة وسط تحليق مروحيات عسكرية سعودية على مستوى منخفض في أجواء العوامية تستخدم القنابل والرصاص الحي على المدنيين، كما عمدت القــوات المهاجمة إلى إطلاق النار بشكل عشوائي على الأحياء السكنية. كما أشــارت مصادر محلية إلى وقوع أكثر من خمسة انفجارات متتاليــة في العوامية مسببة حالة من الخوف والرعب لأهالي البلدة خاصة الأطفال والنساء.
فبالتزامن مع الانتهاكات التي ترتكبها السعودية في اليمن من قتل وتدمير تقوم بالهجوم الواسع على بلدة العوامية، وقد أفادت مصادر محلية إن القوات السعودية جابهت المتظاهرين السلميين الذين رفضوا إخلاء منازلهم من دون وجه حق، تم مواجهتهم باستخدام كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وتقول المصادر أيضاً إن مروحيات عسكرية حلقت عــلى علو منخفض في أجواء البلدة المحاصرة القوات السعودية تستخدم القنابل الانشطارية المحرمــة دوليــا في هجومهــا الواســع عــلى بلــدة العوامية هجوم الكتروني واسع أطلقه الجيش الالكتروني السعــودي عبر أذرعته الإعلامية بهــدف تحريف الحقائق وتبرير جرائــم الإرهاب والإبادة الجماعية التي ترتكبها القوات السعودية بحق أبناء العوامية آلة القتل المجرمة لآل سعود تطال الأبرياء أينما كانــوا، إذ كمــا في الخارج، ســواء في اليمــن وسوريا والعــراق، ها هي أيضا في نفس الوقت تحصد أرواح الأبرياء في داخل المملكــة، كما تحكيه أحداث بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف حيث تبدو بلدة العواميــة هذه الأيــام ساحة حــرب حقيقية، حرب شاملة تخوضها القوات السعودية من طرف واحد ضد نساء وأطفال وشيوخ بلدة العوامية العزل، كما قامت السلطات بإدراج كل من يتظاهر في قائمة الارهاب ويتم محاربتهم وقتلهم تحت تلك الذريعة.
الهجوم الدامي الذي شاركت فيه مئات المدرعات وســط تحليق المروحيــات راح ضحيته عدد من القتلى وعــشرات الجرحى لم تسلم منه منــازل الآمنين ولا حتــى مساجد البلدة فقد طال القصف مسجد السيــد محمــد الــذي هــدم بالكامل فيمــا مسجد الفتيــه بحي الديرة تضرر بشكــل كبير، الأمر الذي كشف بعدا طائفيا حســب مراقبين لهجوم القوات السعودية على بلدتي العوامية والقديح، فمنذ بدء حصارها للبلدة عمدت القوات السعودية إلى قصف منازل المواطنين ومساجد البلدة وشبكة المياه التي تمد البلــدة بهدف الضغط على النــاس لتهجيرهم بطريقة تعسفية قسريــة دون ذكر أسباب واضحة الأمــر الذي بــدت فيــه القــوات السعودية وكأنها تنحــو نحــو ارتكــاب جريمــة إبــادة جماعية ضد أهالي العوامية وبذلك تنطبق على أعمالها جريمة الإبادة الجماعية التــي تعرفها المادة السادسة من نظام المحكمة الجنائية الدولية.
وعلى خلفية تلك الحقائق القاسية، يمكن أن نتساءل، هل من ضمير حي يهز الشعور الإنساني للوقوف بوجه كل الهجمات الوحشية التي تقوم بها السعودية وحلفاؤها من أعمال وحشية تستهدف حياة الإنسان في اليمن والمناطق الشرقية في السعودية وغيرها؟ وهل يمكن لبريطانيا والولايات المتحدة ودول الغرب وقف آلة القتل السعودي أو وقف إمدادها بوسائل القتل؟ وهل هناك أمل في إنعاش الضمير العالمي وعودته للحياة مرة أخرى؟ وهل يمكن أن تثق الشعوب المظلومة بدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا التي تستمر ببيع الأسلحة للدول المعتدية؟
.....................................
اضف تعليق