q
الامام الحسين لم يدع مجالا من مجالات الايثار ونكران الذات الا وشغله، لذا فقد حباه الله بهذه الثلة المؤمنة من الاتباع والانصار التي أصبحت على استعداد لتقديم ارواحها فداء لنصرة الدين والقيم السامية التي بوجودها يزدهر المجتمع ويعلوا شأنه، فلا غرابة ان تجد من سار على النهج الحسيني...

تكرس القنوات الفضائية وتحديدا في الثلث الثاني من شهر صفر عملها لشرح وايضاح مبادئ القضية الحسينية، وتناول زيارة الأربعين، بجميع ابعادها، اذ تحتوي هذه الزيارة على ابعاد كثيرة لا يمكن حصرها او تناولها بصورة سريعة، فهي جسدت جميع المبادئ الإنسانية السامية، وسلطت الضوء على الاشراقات المنيرة لهذا الحدث المليوني.

ومن بين المهام التي تضطلع بها وسائل الاعلام بجميع صنوفها هو ابراز مظاهر الخدمة الحسينية وما تقدمه الأهالي لزائري الامام الحسين عليه السلام منذ الساعات الأولى لبزوغ الشمس حتى غياب القرص المستدير، فتقوم بإجراء لقاءات مع أصحاب المواكب والهيئات الحسينية والحديث يطول عما يُقدم للزائرين من وجبات طعام وغيرها من الخدمات المادية والمعنوية.

كثيرة هي الأشياء التي تستحق الوقوف عندها في ركب الخدمة الحسينية، لكن اخترنا لكم احبتي القراء قضية نكران الذات التي يتحلى بها خدام الامام الحسين عليه السلام، الذين يقدمون الغالي والنفيس لإسعاد الزائرين وتوفير أجواء الراحة لهم، ويتحقق ذلك عبر فتح أبواب البيوت والحسينيات والجوامع وبناء العديد من السرادق المجهزة بما يحتاجه الزائر القاضي أشواط عديدة في السير على طريق الخلود.

ونجد في مضمار الخدمة الحسينية من يحمل شهادة البروفيسور في مجالات علمية شتى، الى جانب القاضي والطبيب والعالم باختصاص من الاختصاصات العلمية المتنوعة، لكنه يجهد نفسه لخدمة الزائر الصغير قبل الكبير، فهل هناك أكثر دلالة على نكران الذات من ذلك؟

جميع من يقدمون الخدمة للزائرين وعلى مدار العام نراهم يضعون مسمياتهم الدنيوية ويكتفون بلقب خدام الامام الحسين، فهم يفتخرون بهذه الخدمة التي ستحيط بهم وتشفع لهم يوم الحساب، فهم يرجون من سيد الشهداء عبر التقرب اليه ان يكون منقذا وشفيعا لهم يوم تخف الموازين، ويوم يتبرأ المرء من اهله وزوجته وبنيه، وتصبح الاعمال هي جواز السفر للعبور الى ضفة النجاة والعيش الكريم الذي وعد به الله عز وجل المؤمنين الذين التزموا طريق الحق ولم يحيدوا عنه ابدا.

فالشريعة الإسلامية حثت مرارا وتكرارا ودعت عبر أحاديث كثيرة الى نكران الذات والتضحية في سبيل الله جل وعلا، اذ حببت العطاء دون مقابل، العطاء غير المشروط، العطاء الذي يقرب الانسان من الله أكثر فأكثر، فهي نفسها ارادت للإنسان ان ينكر ذاته ويبتعد عن الانا المدمرة لكيان الفرد، وتجعله غارق في دائرة الماديات التي تُبقي صاحبها مقيد الإرادة قابع في محيط ضيق بعيدا عن الفضاء الرحب من الحرية وتحقيق الذات الحقيقية.

فنكران الذات الذي تحلى به اهل البيت عليهم السلام وتضحيتهم في سبيل الآخرين والإنسانية، جسدها الامام الحسين صلوات الله عليه في واقعة كربلاء، اذ قدم اهل بيته وصحبه قربانا لوجه الله واعلاء للحق الذي طُمس في الحقب الظلامية والتي اُنتهكت فيها حقوق الانسان وسادت شريعة الغاب على ايدي من ينادون بالإسلام ويدعون لتطبيق قواعده وشريعته.

وجزاه الله على ذلك حين جعله قبلة للثوار واحرار العالم الذين تعلموا من الحسين عليه السلام، قواعد الوقوف بوجه الظلم والظالمين، ومنهاج الرد على المعتدين، فبقيت واقعة كربلاء خالدة في اذهان المناصرين للحق والواقفين الى جانبه رغم ما تعرضوا له ويتعرضون في سبيل ذلك.

وعند الحديث عن نكران الذات لا يصح اغفال قمر بني هاشم عليه السلام الذي تمكن من الماء ولم يذقه ناكرا لذاته لأجل أخيه أبا عبد الله عليه السلام الذي استشهد عطشانا هو واهل بيته واصحابه ظهيرة عاشوراء الأليمة التي حفرت بجبين الدهر اقوى مواقف العزة والإباء.

الامام الحسين لم يدع مجالا من مجالات الايثار ونكران الذات الا وشغله، لذا فقد حباه الله بهذه الثلة المؤمنة من الاتباع والانصار التي أصبحت على استعداد لتقديم ارواحها فداء لنصرة الدين والقيم السامية التي بوجودها يزدهر المجتمع ويعلوا شأنه، فلا غرابة ان تجد من سار على النهج الحسيني ان يتصف بصفات ملهمه وسيده الامام الحسين عليه السلام وقد اتخذ مناسبة زيارة الأربعين سبيل لنكران الذات.

اضف تعليق