في كل عام وانت تسير في طريق المشاية تلاحظ اسلوبا جديدا يضاف الى أساليب تقديم الخدمة الحسينية، فالابتكار لا يشمل فقد العلوم العلمية الصرفة، بل امتد الى ابعد من ذلك وشمل المنظومة الخدمية التي كونتها الأفراد لتقديم ما تستطيع على تقديمه للزائر المحلي الى جانب العابرين للحدود من اصقاع العالم المختلفة...
يواظب ابا محمد في كل صباح على فتح باب منزله امام الزائرين الوافدين لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين عليه السلام في العشرين من شهر صفر الخير، فحال ابو محمد يشاركه فيه الملايين من العراقيين الذين تقع منازلهم على الطريق المؤدي صوب كربلاء حيث مرقد أبا الأحرار عليه السلام.
لقد ميز الله الفرد العربي بكرم الضيافة وفن اكرام الضيف، فالعراقيين في المناطق الوسطى والجنوبية ومنذ ولادتهم يترعرعون على خدمة الزائرين الذين يواصلون مسيرهم ليلا مع النهار حرصا منهم على الوصول مبكرا الى كربلاء والتبرك بزيارة سيد الشهداء وأخيه قطيع الكفين عليهم السلام، اذ تتدفق الملايين من كل حدب وصوب مشكلة بحركتها لوحة فنية عنوانها الولاء لسيد شباب اهل الجنة.
وعلى اختلاف مستوياتهم المعيشية يتزاحم الموالون على تقديم الخدمات المتنوعة للزائرين، اذ تجد من يقدم الخدمات الطبية، الى جانب الكثير من الخدمات التي تهدف لتوفير اجواء الراحة للوافد نحو كربلاء، وأشعاره بأقصى درجات الطمأنينة في طريق الرحلة الحسينية.
لي شخصيا معرفة ببعض الذين يشمرون عن سواعدهم للمشاركة في الخدمة الحسينية وهم لا يملكون سوى قوت يومهم، نتيجة امتهانهم مهن بسيطة لا تتجاوز مردوداتهم المالية متطلبات حياتهم اليومية، ومع ذلك نجدهم يوقفون مصالحهم وتصبح مصلحتهم الأولى وهمهم الأول هو تقديم الخدمة بأسلوب يتناسب مع راحة الزائر بشكل او بآخر.
لم ينفك الفرد العربي عم الاهتمام بالضيوف بصورة عامة، فنرى المواطن العراقي يبذل ما بوسعه من اجل الشعور بالراحة النفسية لما يقدمه لزائري ابا عبد الله الحسين عليه السلام، الذين تجاوز عددهم أضعاف المشاركين بمواسم الحج طيلة السنوات الماضية.
لو تأملنا قليلا بعدد الزائرين الذين يفدون الى كربلاء في كل عام، نجد أعدادهم تتجاوز العشرة ملايين زائر، وجميعهم يحضون بعناية ورعاية متساوية في المأكل والملبس وغيرها من الخدمات الضرورية لراحتهم، وهذا ان دل على شيء إنما يدل على التحكم والتوجيه الإلهي لهذه الجموع المليونية المشاركة في احياء الذكرى الخالدة لأربعين الأمام عليه السلام.
في كل عام وانت تسير في طريق المشاية تلاحظ اسلوبا جديدا يضاف الى أساليب تقديم الخدمة الحسينية، فالابتكار لا يشمل فقد العلوم العلمية الصرفة، بل امتد الى ابعد من ذلك وشمل المنظومة الخدمية التي كونتها الأفراد لتقديم ما تستطيع على تقديمه للزائر المحلي الى جانب العابرين للحدود من اصقاع العالم المختلفة.
فالوافدون لبلاد الرافدين يجدون القلوب مشرعة لاحتضانهم، والقلوب تواقة لاستقبالهم، وليس غريب عليهم فهو ديدنهم في احسان مثوى الضيوف، واي ضيوف هم؟ ضيوف من رسم ملامح الوجود بدمه الزاكي، وأرسى قواعد احترام الذات البشرية وعدم التعدي على حقوق التي حفظتها الشريعة السماوية.
التعود على العطاء لم يكن بمحض الصدفة، بل له جذور غرسها الإمام الحسين عليه السلام الذي وضع أسس الكرم وشرع قوانين السخاء، حين أعطى اعز ما يملك الفرد قربة لله تعالى، فالدماء التي سالت على رمضاء كربلاء لم تذهب سدى.
اذ نراها أينعت وأزهرت كرما وعطاء جسدها أنصار النهضة الحسينية على مدار القرون المنصرمة بعد واقعة عاشوراء عام 61 للهجرة، فلا تزال حرارة هذه الدماء تلهب حماس الملايين من اجل تقديم ألغالي والنفيس لمن ساروا بطريق الهداية والصلاح الذي حثوا عليه اهل البيت عليه السلام، وشددوا على أهمية التمسك به لضمان النجاة وعدم الهلاك.
عام بعد عام والأجيال تحرص على حمل لواء الخدمة الحسينية، فهاهم يتسابقون على تجويد الخدمات وإضافة اللمسات التي تبرهن حبهم وولائهم لآل البيت عليهم السلام، فلا تهدأ شرارة الخدام التي أوقدها باذخ العطاء يوم كربلاء ولا يمكن لعاشق ان يتخلف عن الركب الحسيني الذي يعد طريق الوصول صوب شاطئ الأمان.
اضف تعليق