المنبر الحسيني يمتلك من الأدوات (الفكرية، المعرفية، العاطفية، التاريخية) ما يؤهله لممارسة الأدوار التربوية والاصلاحية والمعرفية وغيرها من الأدوار التي يمكن ان يساهم فيها، لكن مع وجود الإرادة الحقيقية التي يمكنها تحريك هذه الأدوات والاستفادة من رمزية هذا المنبر وقضية الامام الحسين في ابعادها المختلفة.
المنبر الحسيني يمتلك من الأدوات (الفكرية، المعرفية، العاطفية، التاريخية) ما يؤهله لممارسة الأدوار التربوية والاصلاحية والمعرفية وغيرها من الأدوار التي يمكن ان يساهم فيها، لكن مع وجود الإرادة الحقيقية التي يمكنها تحريك هذه الأدوات والاستفادة من رمزية هذا المنبر وقضية الامام الحسين (عليه السلام) في ابعادها المختلفة.
وقد أشار المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي الى هذا المعنى بالقول: "علينا أن نبذل جهدنا في اقامة الشعائر الحسينية بشكل أحسن، وبصورة أكبر، وبشمولية أوسع، وان نعتني بمجالس العزاء والمنبر الحسيني عناية كبرى، ونرفع من كمها وكيفها باستمرار ودوام، وذلك بان نقيم المجالس اقامة حسنة، وان نراعي فيها الكيفية المطلوبة لدى الناس، وخاصة ما يفيد الشباب والناشئة، وان ندعو الخطباء البارعين، والمبلغين الحسينيين المبرزين، لإدارة المنبر والخطابة في الناس، وإلقاء المحاضرات المفيدة والقوية عليهم، متضمنة متطلبات العصر، وملبية لحاجيات المجتمع، ومتفاعلة مع النفوس والقلوب، والافكار والعواطف".
وهنا يحدد سماحته جملة من المتطلبات:
1. بذل الجهد بشكل أحسن وبصورة أوسع وبشمولية
2. توسيع مجالس المنبر الحسيني كماً ونوعاً
3. مراعاة اهتمام المنبر بالشباب والناشئة
4. اهتمام المنبر بالعصر وحاجات المجتمع
5. ضمان تفاعل الناس مع المنبر فكرياً وعاطفياً
ويضيف (رحمه الله): "فان في سيرة أهل البيت (عليه السلام) وسنة رسول الله (صلى الله عليه واله) وكتاب الله (عز وجل) ما يروي العطشان الضامي ويشبع السغبان الجائع، إن فيها الدنيا والآخرة، والعقل والعاطفة، والقوة والمنطق، والميزان والحكمة، والسلم والسلام، والتعاون والتعاطف، والألفة والمحبة، والتقدم والرقي، والرفعة والازدهار، وبكلمة واحدة فيها كل ما يحتاجه الإنسان في مسيرته الإنسانية، ورحلته التكاملية وحياته اليومية، من سلامة روحه وجسمه، وسعادة حياته، ورغد عيشه، وأمن سفره وحضره، وصلاح دنياه وآخرته".
لكن استخراج كل المعاني السامية والنبيلة التي ذكرها السيد الشيرازي تحتاج الى خطيب متمكن قادر على "أن يستخرج كل هذه الكنوز والدفائن، ويتعرف على ما يتطلبه المجتمع وما يحتاج إليه، ثم يطرح شيئاً من ذلك الكنز على ساحة الأفكار والآراء، وفي معرض الأسماع والأبصار ليأخذ منها كل واحد منهم حاجته، وليقتطف من ثمارها ما يعجبه، وبذلك نكون قد أدينا واجب المجلس، وقمنا بمسؤولية المنبر، ولصار هذا سبباً لالتفاف الناس حول المجلس والمنبر، واعتنائهم بهما أكثر فأكثر".
إذا كان المنبر الحسيني يمتلك كل هذا الحجم الهائل من التأثير الإيجابي في النفوس والعقول والقلوب:
فلماذا لا نستفيد منه في حل قضايانا الاجتماعية الراهنة؟
والجواب ببساطة: لا يوجد أي مانع (عقلي او شرعي) يمنع من استخدام المنبر الحسيني في حل مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية وغيرها في مجتمعاتنا، بل لا يوجد أي مانع او عائق يمنع من استخدام هذا المنبر لخدمة الإنسانية وقضاياها دون تحديد او تمييز، فالإمام الحسين (عليه السلام) خرج لإحقاق الحق وابطال الباطل خدمة للإنسانية جمعاء وليس لفئة دون أخرى.
ويقع على عاتق الخطيب الناجح الاحتكاك مع الناس والاطلاع على مشاكلهم المختلفة ليتسنى له معرفة اهم القضايا التي يعاني منها المجتمع او الإشكالات التي يقع فيها الشباب وغيرها من الأمور حتى يعرف كيف يتعاطى معها، يقول السيد محمد الشيرازي ان: "الناس جبلوا على حب الاطلاع على ما يدور فيما حولهم كما جبلوا على حب الاطلاع على اخبار الماضين، وعلى استطلاع المستقبل، ولذلك كلما كان الخطيب اعرف بالأمور التي تجري في البلاد كان أقرب الى التأثير في النفوس".
مشكلات وحلول
لا توجد مشاكل ليس لها حلول، وانما يعجز الانسان او المجتمع عن إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تعصف به او بالمجتمع ككل لأسباب ذاتيه او خارجية (يمكن شرحها لاحقاً)، لكن لو تمت الإحاطة بالأسباب التي أدت الى وجود المشكلة ودراستها واقتراح حل او بدائل تساعد على تخفيف حدة المشكلة حسب طبيعتها وحجم الاضرار التي سببتها وطريقة معالجة اثارها وغيرها من التفاصيل التي تدور حولها، فان المشاكل سوف تنتهي تدريجياً وستنتهي معها اغلب مخلفاتها الضارة مع الزمن.
ان مساهمة المنبر في حل او معالجة حاجات المجتمع المختلفة مساهمة فاعلة وضرورية، لان المنبر:
1. على تماس مباشر مع المجتمع
2. على دراية ومعرفة بأغلب حاجات المجتمع
3. الجمهور يثق بالحلول التي يتم طرحها من خلال المنبر
وعلى هذا الأساس يمكن ان يستفاد من الإمكانات والمساحة الجماهيرية والموثوقية التي يوفرها المنبر لمختلف الجهات الإصلاحية في عملية معالجة حاجات المجتمع الملحة.
امثلة من الواقع
من مصاديق إمكانية مساهمة المنبر الحسيني في حل المشاكل التي تواجه الانسان والمجتمعات والحكومات على وجه العموم، وفي العراق على وجه الخصوص:
1. مشكلة العشوائيات السكنية:
المشكلة التي عصفت بالعديد من دول العلم على وجه العموم، وفي العراق على وجه الخصوص، حتى باتت من القضايا الحساسة التي تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد والعمران وحقوق المواطن وغيرها، بالإضافة الى ما خلقته من صراع وضغط بين الحكومة والمواطن... وبعبارة ادق بين تطبيق القانون والنظام وبين مراعاة حقوق المواطن وصيانة كرامته داخل بلده.
ويمكن للمنبر الحسيني المساهمة الفاعلة في حل مشكلة العشوائيات السكنية من خلال:
ا. قانون حيازة المباحات
يمكن ان يستند الباحث او الخطيب او المبلغ على جملة من القوانين الإسلامية في تدعيم حلوله ومقترحاته التي تصب في سبيل حل مشكلة العشوائيات "ومن تلك القوانين الإسلامية التي يجب اعادتها إلى التطبيق الخارجي، والتنفيذ العملي في حياة المسلمين: هو قانون حيازة المباحات، وقانون الاستفادة بحرية من المنابع الطبيعية، من البحار، والغابات، والأرض".
"فكما ان لكل إنسان الحق في أن يستفاد من الهواء والماء، فكذلك لكل إنسان الحق في أن يستفاد بقدر لا يضر حق الآخرين من البحار بصيد السمك، ومن الغابات بأخذ ما يحتاجه منها، ومن الأرض بحيازة ما يستطيع من عمرانها، سواء عمرها بالزراعة أو بالغرس، أو بالبناء أو بالمشاريع الانتفاعية أو الخيرية، فان هناك بالنسبة إلى حيازة الأرض قانون شرعي يقول: (الأرض لله ولمن عمّرها) وبالنسبة إلى المباحات الأخرى قانون شرعي يقول: (خلق لكم ما في الأرض جميعاً)".
"فالاستفادة من الأرض ومن سائر المباحات جائزة لكل إنسان ضمن حدود نظيفة ونزيهة، وذلك بأن يحوز منها بمقدار لا يتعدى فيه على حقوق الآخرين، فلا يتملك منها ما هو أكثر من قابليته، ولا ما يوجب ضياع حق غيره، كما قال تعالى: (خلق لكم) يعني: للجميع، على نحو العدل والقسط".
ب. قانون السبق
كما يوجد قانون اخر يسمى (قانون السبق) الذي يعتمد على قاعدة (من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به).
ويطرح السيد محمد الشيرازي مثال على ما سبق بالقول: "إذا سبق أحد إلى أرض موات فعمرها واكتشف فيها النفط فاستخرجه منها، أو سبق إلى أرض فيها الملح فاستخرجه منها، أو غير ذلك من سائر المعادن الموجودة في الأراضي الموات، التي هي ملك لله ورسوله (صلى الله عليه واله)، وقد وهبها الرسول (صلى الله عليه واله) للمسلمين، إن حاز أحد منهم شيئاً منها وعمّرها، فإنها تكون له".
ويضيف: "فالمسلمون بالنسبة إلى هذه المباحات على حد سواء، لهم حيازة ما يحتاجون إليه، وما يريدونه بشرط عدم التجاوز على حقوق الآخرين، وذلك بلا حاجة إلى جواز عمل، أو ترخيص رسمي، أو دفع رسوم وضرائب، أو ما أشبه ذلك".
2. مشكلة البطالة لدى الشباب:
اغلب دول العالم تعاني من ارتفاع نسب البطالة وخصوصاً لدى شريحة الشباب، وترتفع هذه النسبة في الدول التي تعاني من اقتصاد ريعي احادي المصدر (النفط) او استهلاكي غير منتج كاقتصاد العراق، حيث ترتفع نسب الهدر بالطاقات الشابة، خصوصاً لدى الخريجين، مع ضعف إمكانية استيعابهم داخل مؤسسات الدولة، مقابل ضعف او انعدام وجود قطاع خاص او فرص استثمارية تمتص الاعداد الكبيرة للعاطلين.
ويمكن من خلال المنبر اجراء التالي:
1. الضغط على أصحاب القرار السياسي والاقتصادي في السعي الحقيقي لتغيير الواقع الاقتصادي الريعي بواقع اقتصادي منتج.
2. التعاون مع الخبراء والباحثين والمراكز البحثية المختصة في إيجاد حلول واقعية وعلمية لهذه المشكلة وطرحها على المنبر امام الجمهور من اجل تعريف المجتمع بهذه الحلول.
3. الاستفادة من النموذج الاقتصادي العالمي الذي طرحه الدين الإسلامي وكيفية معالجته للمشاكل التي تعاني منها اغلب النماذج الاقتصادية العالمية الأخرى.
4. اقتراح وبالتعاون مع المؤسسة الدينية ومؤسسات الدولة ذات العلاقة، تطبيق بعض النماذج (المشاريع المنتجة) الاقتصادية الصغيرة الكفيلة باستيعاب جزء من الطاقات الشبابية المهدورة وتعميمها في حال نجاحها.
اضف تعليق