ما حدث ويحدث في المجتمعات الانسانية، ظلم واستعباد وجور تقف خلفه اسباب عدة من بينها ولعل اهمها هو الابتعاد عن النهج والفكر القويم الذي اراد اشاعته الامام الحسين من خلال ثورته في كربلاء، اذ نجد الافراد يظلمون بعضهم بعض ويتاهفتون على ملذات الحياة الزائلة...
بعد ان يتوفى الانسان تأخذ ذكراه تبتعد محطة بعد اخرى، حتى تكاد تتلاشى بمرور الزمن، ولكن هذا من المستحيل ان يتكرر مع شخصية رسمت للانسانية منهجا متكاملا وجعلت من دمها سراجا ينير طريق الاحرار فكيف لا، وهي منحدرة من سلالة بيت النبوة ومهبط الوحي انه سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين عليه السلام الذي تتجدد ذكرى اربعينيته في كل عام منذ ألف وأربع مئة عام وتعيد للقلوب احزانها.
فعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه الزائرين في الطريق من بينها التغيرات المناخية كالحر والبرد القارس، نرى الاطفال الى جانب النساء والشباب الى جانب الكبار يسيرون على الاقدام يقطعون عشرات الكيلومترات، فلو تاملنا بهؤلاء نجدهم وكأنهم خرجوا من هذا العالم المادي الذي نعيش فيه وهاجروا الى عالم آخر، عالم ترفرف على اجزاءه راية النهضة الحسينية ويملأ سماءه الفكر الحسيني.
فمن الملاحظ عندما تخرج الجموع المليونية تختفي الكثير من الممارسات والعادات، فقد يترك بعض من الزائرين حياة الترف التي اعتاد عليها طيلة ايام السنة ويندمج مع العامة، فيمكن ان تجد البرفسور يسير جنبا الى جنب مع الامي جمعهم حب الحسين ووحدهم نهجه الوضاء.
كما يمكن ان نشاهد اختفاء بعض الممارسات غير المتماشية والتعاليم الاسلامية والمنظومة الاخلاقية خلال المسير، فمثلا يمكن ان تختفي الجريمة بشكل اشبه بالتام، كما تختفي الكثير من الاشياء المنبوذة في سائر الايام كالكذب والخداع وتفضيل المصلحة الشخصية على العامة، فبهذه الايام يصبحون البشر أقرب الى الحالة المثالية.
هذه الحالة المثالية لا يمكن ان نعدها جاءت بمحض الصدفة بل بالتأكيد انبثقت من ملامح ثورة عاشوراء التي ارادت للانسانية ان تكون في المراتب العليا مبتعدة عن الرذائل وكل ما يحط من مكانة الانسان الذي خلقه الله في أحسن قوام، وحباه بنفس محبة للخير.
ما يلفت النظر بصورة مذهلة هو حالة نكران الذات من قبل الجميع خلال تلك المناسبة العالمية، فنجد بعض الاشخاص في الايام العابرة لا يتمكنون من حمل ابسط الاشياء لكن الغريب ذاتهم يساهمون بتقديم الخدمة للزائرين دون كلل او ملل، يتساعدون على تقديم المعونة لبعضهم، مستلهمين الدروس والعبر من نبي الرحمة الذي غرس المبادئ السماوية في نفوسهم وعمق الصفات الحميدة في تصرفاتهم.
فالزيارة الاربعينية ماهي الى عهد بقاء للسير على نهج الامام الحسين عليه السلام والعيش بحياة الثورة الخالدة، لكي يبقى سيد الشهداء حيّا فيما بينهم وداخلهم ولتبقى كل افكاره، وكل حركة ثورته، وكل اصحابه، وكل معركته، مستمرة ونابضة ومشتعلة مع حركة الانسان والحياة والعالم اليوم وغدا وهذا بالتمام ما يقوم به اليوم المشاة.
الحسين عليه السلام عندما ضحى بدمه كان يريد تثبيت منظومته الاصلاحية في الاوساط المجتمعية، تلك المنظومة القائمة على الاسس الاخلاقية والمبادئ السماوية، وهذا ما ظهر جليا في مسيرة الاربعين المليوينة التي اعطت للعالم اجمع رسالة مفادها ان الحسين قدم القرابين لانقاذ امة من الجهل والظلم والاستعباد.
ما حدث ويحدث في المجتمعات الانسانية، ظلم واستعباد وجور تقف خلفه اسباب عدة من بينها ولعل اهمها هو الابتعاد عن النهج والفكر القويم الذي اراد اشاعته الامام الحسين من خلال ثورته في كربلاء، اذ نجد الافراد يظلمون بعضهم بعض ويتاهفتون على ملذات الحياة الزائلة ذاهبين صوب ارضاء الغير على حساب ارضاء الله جل جلاله.
جميل ان يعيش بني البشر في الفة ومودة تامة كما هو الحال خلال زيارة الاربعين التي جسدت الفضائل الربانية والاخلاق المحمدية، نرى الكبير يعطف على الصغير، والسليم يمد يد العون لمن يحتاجها.
اكاد اجزم ان في هذه الايام لا ينام أحد وهو جائع، الجميع يبذل ما بوسعه من اجل اطعام الجميع دون غاية او مصلحة تذكر سوى التقرب من الله والظفر برضوانه.
لو أردنا ان مواصلة الاحوال بهذه الشاكلة فأن المهمة لم تكن صعبة للغاية اذا ما ادت جميع الجهات دورها بشكل صحيح، فعلى سبيل المثال لو تحملت المؤسسة الدينية مسؤولية التثقيف والتوعية المستمرة طيلة ايام السنة، لكانت النتيجة افضل والحصول على مجتمع متماسك الى حد ما، وهذا يعتمد على التجديد في الخطاب والابتعاد عن القالب القديم الذي اثبت عدم مقبوليته وجموده امام تجدد مظاهر الحياة بصورة شاملة.
ما نتنمنى استمراره بقادم الايام هو اكمال المسير بنفس الروحية والتحلي بذات الاخلاق التي رافقت المتوجهين صوب كربلاء، كون هذا التمسك هو الانعكاس الحقيقي والتجسيد الكامل لقضية كربلاء الخالدة، فالحسين عليه السلام بذل ما بوسعه واعطى غاية العطاء ليكون المجتمع واع قادر على مواجهة الانحرافات.
اضف تعليق