عندما نتمسك بمنهج عاشوراء الأخلاقي القائم على نشر المودّة والتعاون والتكافل والتفكير بالآخر مثل التفكير بالنفس، ولو طبقنا هذا المبدأ العظيم، مبدأ أهل البيت (ع): (أحب لأخيك مثلما تحب لنفسك)، في سلوكنا واقوالنا وتفاصيل حياتنا، لن نخيب أبدا، حيث الاخلاق ستكون نبراسا لنا جميعا...
القيم الأخلاقية تشبه العمود الرئيس الذي ترتكز عليه الخيمة، فعندما يبدأ بناء الخيمة يتم تثبيت هذا العمود، بعد ذلك يتم تثبيت الأوتاد الفرعية على أطراف الخيمة، ثم يبدأ العمل على نشر سقف الخيمة وجوانبها، فيكون الحمل كله على العمود المرتَكز، لهذا إذا سقط هذا العمود تسقط الخيمة كلها، فلا تعود هناك فائدة للأوتاد الفرعية والجانبية وغيرها.
هذا الاستهلال الوصفي، يقودنا الى دور الأخلاق في المجتمع، فالأخلاف هي بمثابة العمود الرئيس الذي يرتكز عليه تماسك المجتمع، واذا تخلخل او سقط (عمود الاخلاق)، يسقط المجتمع كله، هذه بالضبط هي مكانة وأهمية الاخلاق لأي مجتمع كان، لهذا قالوا، لا وجود لمجتمع ولا حياة له من دون وجود الأخلاق، فالمجتمع غير الخلوق يصبح في عداد الموتى أو اللاشيء.
نحن كعراقيين نعاني من هذه المشكلة، هكذا يؤكد أهل التخصص، من علماء الاجتماع والمتابعين من خطباء ورجال دين ومفكرين مهتمين بأحوال الشعب العراقي، إنهم يؤكدون على قضية الاخلاق، وأهمية تعضيدها، كونها المرتكز الذي يتماسك من خلاله المجتمع.
في هذه الحالة تتوافر لنا فرصة ذهبية نحن العراقيين، اننا نحتضن في ارضنا مراقد أشرف خلق الله طرّا، انهم أئمة أهل البيت، دماؤهم واجسادهم وارواحهم الطاهرة، وقبل هذا كله لدينا شفاعتهم، وبين ايدينا فكر اهل البيت عليهم السلام، فإذا قام العراقيون بما يلزم من جدية باستثمار هذه الثروة الاخلاقية العظيمة التي تتوافر لهم، فإنهم سوف يصبحون سادة الناس في الاخلاق والقيم والتقدم.
كيف يمكن أن يتحقق مثل هذا الهدف الأخلاقي الكبير؟، وهل العراقيون قادرون على تحقيقه، وقبل ذلك هل هم بحاجة الى (الأخلاق) كعمود أو مرتكز يتماسك من خلاله الشعب كله، في ظل التحولات والمتغيرات والهزات التي تتعرض لها المنطقة الاقليمية والعالم أجمع؟.
الجواب نعم العراقيون يحتاجون الى مرتكز الأخلاق، وايضا هم قادرون على تحقيق هذا الهدف، ولكن ينبغي اجتراح الدافع الحقيقي المساعد لإنجاز هذا الهدف، وهو يتمثل بتجسيد المنهج الحسيني في هذا المجال، أي أننا نحتاج الى التعلم من الاخلاق الحسينية، كي نستنهض القيم الأخلاقية التي ترتفع بالمجتمع وتسمو به الى مصاف المجتمعات التي تشعر بالمسؤولية، وتفهم دورها الحقيقي في الحياة.
إن عاشوراء في هذه الحالة تمثل فرصة لنا، ولكن علينا استثمار هذه الفرصة بالصورة التي تنسجم مع مضامينها، فقضية الامام الحسين (ع) تقوم على جملة من القيم والمبادئ منها التضحية، وحماية حق الآخر، وعدم السكوت على الظلم، وإنصاف الناس من النفس، وتقديم العون لهم.
جملة القيم هذه، تتفق مع ما يحتاجه مجتمعنا اليوم، ان المشكلة العصيبة التي يعاني منها البعض، هي لهاث الناس وراء مصالحهم، وعدم التفكير بغيرهم، وكأن الحياة سوف تنتهي بين ليلة وضحاها، فالكل يجري وراء منافعه ويسعى لتحقيقها، حتى لو ألحقت أضرارا بالآخرين، وهذه في الحقيقة قمة درجات الأنانية.
إن هذه العيوب لا تمت بصلة لأخلاق أهل البيت عليهم السلام، فقضية الامام الحسين قائمة على التكاتف والتعاون ونبذ الأنانية، وتفضيل الآخرين او التعامل معهم ومع مصالحهم وفق مقياس يساوي ويعدل بين الذات والآخر، لذلك إذا أردنا أن نستثمر قيم عاشوراء، بالصورة الدقيقة والصحيحة لها، نستطيع أن نعيد القيم التي تدهورت لأسباب عديدة، وتدهور معها المجتمع، لاسيما أن جل هذه القيم له وشائج قوية مع الاخلاق.
فمن يحب الحسين (ع)، سوف ينجح في استثمار عاشوراء لتفعيل القيم الأخلاقية التي نحتاجها في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى، إننا في واقع الحال تعصف بنا أزمات كثيرة متداخلة، بعضها صعبة حلوله وبعضها الآخر، تبدو مستحيلة، وليس أمامنا من طريق سوى التمسك بأهل البيت وافكارهم واقوالهم واعمالهم التي تحثنا على التمسك بالأخلاق.
فهل بإمكان العراقيين أن ينجحوا في هذا الميدان، ونعني به ميدان الاخلاق والقيم وبناء المجتمع العراقي؟، نعم يمكننا ذلك، عندما نتمسك بمنهج عاشوراء الأخلاقي القائم على نشر المودّة والتعاون والتكافل والتفكير بالآخر مثل التفكير بالنفس، ولو طبقنا هذا المبدأ العظيم، مبدأ أهل البيت (ع): (أحب لأخيك مثلما تحب لنفسك)، في سلوكنا واقوالنا وتفاصيل حياتنا، لن نخيب أبدا، حيث الاخلاق ستكون نبراسا لنا جميعا.
هذه هي الفرصة الحقيقة التي يمكن ان تفيدنا، بمقدار درجة السعي نحوها، حيث هناك حاجة للقيم الاخلاقية بعد ضعفها، والاسباب معروفة، وعندما تُعرف الاسباب تسهل الحلول، وهي بأيدينا، ولكن نحن نحتاج الى ارادة فردية وجماعية، تجعلنا نفهم المطلوب منا، ونتمسك به، وهو في خلاصة القول، نحن شعب يمر بمأزق أخلاقي، وعلينا أن نستثمر (عاشوراء)، لمعالجة هذا الحال، بالطريقة التي تجعلنا أكثر تماسكا وتكافلا واحترام لبعضنا البعض.
اضف تعليق